من صفات المدرس 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

خامساً: الاهتمام بالطالب:
"إن وجود المتعلم داخل المدرسة لا يعني انفصاله بأي حال من الأحوال عن المؤثرات الخارجية التي يحتك بها، بل إن تأثير بعض المشكلات الخارجية على التعليم يجعل الوصول إلى الأهداف التربوية والتعليمية المنشودة في غاية الصعوبة والتعقيد، لذا فإن واجب المعلم أن يتعرف على جانب من المشكلات الاجتماعية التي يعيشها المتعلم؛ لما لها من أثر في نموه العلمي والاجتماعي" (إعداد المعلم من منظور التربية الإسلامية.د عبدالله عبدالحميد محمود (71).) .
وقد تمر بالطالب حالة خاصة، كمرض، أو ظروف شخصية، فحين يعطيه مدرسه اهتماماً شخصياً، ولو بمجرد السؤال عن حاله، والاستفصال عنها فإن هذا يشعره بقيمته واهتمام مدرسه به ، بل يذهب *** جماعة إلى أبعد من ذلك فيقول:"وإذا غاب بعض الطلبة أو ملازمي الحلقة زائداً عن العادة سأل عنه، وعن أحواله وعن من يتعلق به، فإن لم يخبر عنه بشيء أرسل إليه، أو قصد منزله بنفسه وهو أفضل، فإن كان مريضاً عاده، وإن كان في غم خفض عليه، وإن كان مسافراً تفقد أهله ومن يتعلق به، وسأل عنهم وتعرض لحوائجهم، ووصله بما أمكن، وإن كان فيما يحتاج إليه فيه أعانه، وإن لم يكن شيء من ذلك تودد له ودعا له"(تذكرة السامع والمتكلم ( 61 – 63 ) . مع ملاحظة اختلاف الأعراف والعبرة بالمعنى العام من كلامه رحمه).
وقد يجد المعلم أن لدى تلميذه ضائقة مالية فيسعى لأن يكون وسيطاً بينه وبين أهل الخير، ليقدم له شيئاً من المساعدة التي تشعره أن هناك من يدرك معاناته ويحس بآلامه.
سادساً: التواضع:
التعليم ميدان للتصدر والرفعة، فقد يدخل على المعلم في ذلك ما يدخل عليه من زهو، وشعور بالرفعة، قال *** عبدوس:"كلما توقر العالم وارتفع كان العجب إليه أسرع إلا من عصمه الله بتوفيقه، وطرح حب الرياسة عن نفسه"(جامع بيان العلم وفضله (1/142) .).
ولذا يؤكد أهل العلم على المعلم التخلق بخلق التواضع.
روى *** عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال:"تعلموا العلم وعلِّموه للناس، وتعلَّموا له الوقار والسكينة، وتواضعوا لمن تعلمتم منه، ولمن علمتموه، ولا تكونوا جبابرة العلماء، فلايقوم جهلكم بعلمكم" (جامع بيان العلم وفضله (1/135) .).
وقد أوصى الإمام الآجري من يعلِّم القرآن بالتواضع فقال:"ويتواضع لمن يلقنه القرآن، ويقبل عليه إقبالاً جميلاً" (أخلاق أهل القرآن للآجري (111) .) .
وقال أيضاً رحمه الله:"وينبغي لمن قرأ عليه القرآن فأخطأ عليه أو غلط ألا يعنفه، وأن يرفق به، ولا يجفو عليه، فإني لا آمن أن يجفو عليه فينفر عنه، وبالحري ألا يعود إلى المسجد"(أخلاق أهل القرآن للآجري (120) .) .
قال الإمام النووي:"وينبغي له ألا يتعظم على المتعلمين، بل يلين لهم ويتواضع، فقد أمر بالتواضع لآحاد الناس، قال الله تعالى : [واخفض جناحك للمؤمنين] وعن عياض بن ****- رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن الله أوحى إلي أن تواضعوا "رواه مسلم.
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله" رواه مسلم، فهذا التواضع لمطلق الناس فكيف بهؤلاء الذين هم كأولاده مع ما هم عليه من الملازمة لطلب العلم، ومع ما لهم عليه من حق الصحبة وترددهم إليه، واعتمادهم عليه، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:" لينوا لمن تُعلِّمون، ولمن تتعلَّمون منه" وعن الفضيل بن عياض رحمه الله"أن الله عز وجل يحب العالم المتواضع، ويبغض العالم الجبار، ومن تواضع لله تعالى ورَّثه الحكمة" أ.هـ(المجموع شرح المهذب (1/30)) .
وقد يكون المرء في موقع يرى منه الناس ما لايرونه في أنفسهم، فيكبرونه، وينزلونه فوق منزلته، والمدرس من أكثر الناس عرضة لذلك، فالحري به أن"يعرف قدر نفسه فلا ينخدع بما يقال عنه، ولايركن إلى ثناء أحد عليه، ولا يدخله العجب والغرور بما يرى من كثرة طلاب العلم حوله" (إعداد المعلم من منظور التربية الإسلامية. د عبدالله بن عبدالحميد محمود (225).) .
سابعاً: العناية بالطالب الموهوب :
لقد خلق الله الناس معادن وطاقات متفاوتة كما قال صلى الله عليه و سلم :"الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا "(رواه البخاري (3383) ومسلم ( 2638 ) . ).
وقال:"مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به؛ فَعَلِمَ وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به"(رواه البخاري ( 79 ) ومسلم ( 2282 ) . ) .
ولقد كان سلف الأمة – رحمهم الله – يعنون بذلك أيما عناية، روى *** عبد البر في الجامع عن عبد الملك بن عبد العزيز بن سلمة بن أبي الماجشون قال:أتيت المنذر بن عبدالله الحزامي وأنا حديث السن، فما رآني اهتز إلي على غيري لما رأى في بعض الفصاحة، فقال لي:من أنت؟ فقلت له: عبد الملك بن عبدالعزيز بن أبي سلمة. فقال:"اطلب العلم فإن معك حذاءك وسقاءك"(جامع بيان العلم وفضله (1/86)).
ومصطلح الموهوب أوسع وأشمل من أن يقتصر على من يتمتع بقدر أكبر من الذكاء، فهو يشمل كل من يملك قدرات خاصة تؤهله للتفوق في أي مجال من المجالات، فالشعر والخطابة والكتابة مواهب، والقدرات العملية والقيادية كذلك.
ونأسف حين نرى الغرب الكافر يعتني بالموهوبين، ويسن لرعايتهم أنظمة خاصة، ويقيم فصولاً ومدارس خاصة بهم، في حين يلقون غاية الإهمال لدى المسلمين، فتقام في أمريكا سنوياً مسابقة لاختيار الاختراعات التي يتقدم بها الأطفال(5-13) سنة، وأقيمت مسابقة عام 1992م في واشنطن وشارك فيها 51 طفلا ممن فازوا في التصفيات التي جرت على مستوى الولايات المتحدة، وابتداءً من شهر أغسطس الماضي عرضت الاختراعات الفائزة في متحف التاريخ الأمريكي جنباً إلى جنب مع الاختراعات الأمريكية الأخرى، كبادرة لتشجيع المخترعين الصغار (جريدة الرياض ( 8 838 ) 7 / 3/ 1413هـ ) .
فحين ترى طالباً يفوق غيره في قدراته، فماذا أنت صانع نحوه؟ وهل فكرت أن عليك أن تنظر له نظرة غير أقرانه؟ وأن توليه رعايةً واهتماماً يليقان به؟ أليست هذه الطاقات هي المؤهلة لتتبوأ المكانة الاجتماعية أو العلمية والفكرية في المجتمع؟ وصلاحها ينتج عنه خير كثير.
ونستطيع أن نرسم لأنفسنا هدفين رئيسين في التعامل مع الموهوب:
الهدف الأول:
أن نسلك به طريق الاستقامة والصلاح، ويسير في ركب جيل الصحوة، وهذا هو المطلب الأولى والأساس، والضمانة لاستثمار هذه الطاقة وتوجيهها.
الهدف الثاني:
قد يعجز المدرس عن التأثير التام على الموهوب وجلبه لتيار الخير والاستقامة والتغيير الجذري لديه، فلا أقل من أن يزرع لديه حب الخير وأهله، والولاء للدين، واستغلال طاقته وموهبته في خدمة دين الله، فهذا من تمام شكر نعمة الله عليه.
المبحث الثاني: صفات سلبية
لئن كانت هناك صفات إيجابية ينبغي للمعلم أن يتحلى بها، فهناك صفات سلبية ينبغي له أن يتأى عنها ويتجنبها، ومن أبرز تلك الصفات :
1- الاستكبار عن قبول الحق:
قد يكون لدى أحد طلبتك علم في مسألة معينة ليس عندك، أو سمع فيها ما لم تسمع، أو يتضح لك بعد النقاش أن الحق بخلاف ما قلته، فهلا فكرت في **ر حاجز الهوى، وقبول الحق والانتصار على الوهم الذي يوحي إليك أن هذا يغض من شأنك؟ بل فيه الرفعة والثقة، فالناس كل الناس يدركون أنه لا كمال لبشر، وأنه ما من أحد من كبار أهل العلم إلا وتع** عنه شاردة أو واردة، فكيف بي وبك؟ بل إن الاعتراف بالحق يزيد تلامذتك ثقة أنك لا تقول إلا ما تعلم، ولا تنطق إلا بما توقن.
لذا فيعد الإمام النووي من صفات المعلم أن:"لايستنكف عن التعلم ممن هو دونه، في سن، أو نسب، أو شهرة، أو دين، أو في علم آخر، بل يحرص على الفائدة ممن كانت عنده، وإن كان دونه في جميع هذا"(لمجموع شرح المهذب (1/29) . ).
2 – حسد الطالب:
الحسد سلوك شاذ يصدر عن أصحاب النفوس المريضة حين ترى من فاقها في أمر من أمور الدنيا الفانية، وهو يحمل علاوة على خبث الطوية سخطاً على قضاء الله وعدم رضا بعطائه؛ لذا فالمدرس أعظم قدراً، وأعلى شأناً من أن يحمل في قلبه حسداً أو غلاً تجاه أحد أبنائه؛ خاصة حين يفوقه، وهو مسلك حذر منه السلف الصالح.
قال الإمام النووي:"ولا يحسد أحداً منهم لكثرة تحصيله، فالحسد حرامٌ للأجانب وهنا أشد؛ لأنه بمنزلة الوالد، وفضيلته يعود إلى معلمه منها نصيبٌ وافرٌ؛ فإنه مربيه، وله في تعليمه وتخريجه في الآخرة الثواب الجزيل، وفي الدنيا الدعاء المستمر والثناء الجميل"(المجموع شرح المهذب (1/33) .).
3 – الفتيا بغير علم:
ما أكثر ما يأتيك أخي المدرس السؤال والاستفتاء من طلبتك فهلا روَّضت نفسك على أن تقول لما لاتعلم لا أعلم؟ فمن حرم لا أدري أصيبت مقاتله، وهل وضعت نصب عينيك قوله تعالى : [ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون] (الأعراف : 33). وقوله سبحانه : [لا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً] (الإسراء : 36) . وأجرأ الناس على الفتيا أقلهم علماً كما قال سحنون .
عقد الإمام *** عبد البر في جامع بيان العلم وفضله باباً بعنوان: (ما يلزم العالم إذا سئل عما لا يدريه من وجوه العلم) وروى بسنده عن عبد الرحمن بن مهدي قال: كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال: يا أبا عبد الله، جئتك من مسيرة ستة أشهر حمَّلني أهلُ بلدي مسألةً أسألك عنها. قال: فسل. قال:فسأله الرجل عن المسألة. فقال: لا أحسنها. قال: فبهت الرجل كأنه قد جاء إلى من يعلم كل شيء. قال:أي شيء أقول لأهل بلدي إذا رجعت إليهم؟ قال: تقول لهم: قال مالك : لا أحسن"(امع بيان العلم وفضله (2/53) . ) .
وقال مالك رحمه الله:"ينبغي للعالم أن يألف فيما أشكل عليه قول لا أدري، فإنه عسى أن يهيأ له خير". قال *** وهب: وكنت أسمعه كثيراً ما يقول: لا أدري. وقال في موضع آخر:"لو كتبنا عن مالك لا أدري لملأنا الألواح"(جامع بيان العلم وفضله ( 2/53-54) .).
ولذا يوصي *** جماعة المعلم بذلك فيقول:"واعلم أن قول المسئول لا أدري لا يضع من قدره كما يظنه بعض الجهلة، بل يرفعه؛ لأنه دليل عظيم على عظم محله، وقوة دينه، وتقوى ربه، وطهارة قلبه، وكمال معرفته وحسن تثبته، وقد روينا معنى ذلك عن جماعة من السلف، وإنما يأنف من قول لا أدري من ضعفت ديانته، وقلت معرفته؛ لأنه يخاف من سقوطه من أعين الحاضرين، وهذه جهالة ورقة دين، وربما يشهر خطؤه بين الناس فيقع فيما فرَّ منه، ويتصف عندهم بما احترز عنه، وقد أدب الله تعالى العلماء بقصة موسى مع الخضر حين لم يرد موسى عليه السلام العلم إلى الله تعالى لما سئل هل أحد في الأرض أعلم منك" (تذكرة السامع والمتكلم (42-43) . ).
وقال الإمام النووي:"وإذا سئل عن شيء لا يعرفه أو عرض في الدرس ما لا يعرفه فليقل لا أعرفه ولا أتحققه، ولا يستنكف من ذلك، فمِن عِلْم العالم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم، أو الله أعلم. فقد قال *** مسعود – رضي الله عنه – : " يا أيها الناس، من علم شيئاً فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم : الله أعلم، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : [قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلفين] رواه البخاري. وقالوا: ينبغي للعالم أن يورث لأصحابه لا أدري، معناه يكثر منها، وليعلم أن معتقد المحققين أن قول العالم لا أدري لا يضع منزلته، بل هو دليل على عظم محله وتقواه، وكمال معرفته؛ لأن المتمكن لا يضره عدم معرفته مسائل معدودة، بل يستدل بقوله لا أدري على تقواه، وأنه لا يجازف في فتواه. وإنما يمتنع من لا أدري مَنْ قلَّ علمه، وقصرت معرفته، وضعفت تقواه؛ لأنه يخاف لقصوره أن يسقط من أعين الحاضرين، وهو جهالة منه، فإنه بإقدامه على الجواب فيما لا يعلمه، يبوء بالإثم العظيم، ولا يرفعه ذلك عما عرف له من القصور بل يستدل به على قصوره؛ لأنا إذا رأينا المحققين يقولون في كثير من الأوقات لا أدري، وهذا القاصر لا يقولها أبداً علمنا أنهم يتورعون لعلمهم وتقواهم، وأنه يجازف لجهله وقلة دينه، فوقع فيما فرَّ عنه، واتصف بما احترز منه، لفساد نيته، وسوء طويته، وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :"المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور"(المجموع شرح المهذب (1/34) ) .
4 – كثرة المزاح:
لا شك أن الترويح، والدعابة اللطيفة وإذهاب الملل أمر مطلوب، وقد كان صلى الله عليه وسلم يداعب أصحابه ولا يقول إلا حقاًّ (رواه الترمذي ( 1991 ) ورواه أيضاً في الشمائل ( 202 ) وقال : حسن صحيح .) لكن المزاح حين يكثر يصبح له أثر آخر يحذرنا منه الخطيب البغدادي قائلاً:"يجب أن يتقي المزاح في مجلسه؛ فإنه يسقط الحشمة، ويقل الهيبة". وساق بإسناده إلى الأحنف بن قيس قال: قال لي عمر بن الخطاب:"يا أحنف، من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن أكثر من شيء عرف به، ومن مزح استخف به"(الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ( 2/50 ) . ) .
وقال محمد بن المنكدر: قالت لي أمي: يا بني، لا تمازح الصبيان فتهون عليهم"(الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/150) .) .
وحين يكثر المدرس من المزاح فسوف يسقط قدره وتقل هيبته ويهون على تلامذته، ناهيك عن أن من أهم ما يُنتظر من المدرس ومعلم الجيل أن يكون قدوة صالحة، وأن يسهم في غرس الجد والمثابرة لدى أبنائه، والإسفاف في المزاح وكثرة الهزل يعطيهم قدوة سيئة في ذلك.
5- استخدام الطلبة في الأمور الشخصية:
ألا ترى أنه مما لا يليق بالمدرس أن يستخدم طلابه في أموره الشخصية، ويكلفهم بها مهما هانت ؟ يجيبنا على هذا التساؤل الحافظ *** جماعة فيقول:"وكذا ينزهه – علمه – من طمع في رفق من طلبته بمال أو خدمة أو غيرهما بسبب اشتغالهم عليه وترددهم إليه"(تذكرة السامع والمتكلم ( 19 ) .) اللهم إلا أن تكون حاجة عامة غير شخصية، وفي اشتغال المعلم بها تضييع لوقته، وهذا الطالب من خاصته فلا حرج حينئذ بل إنه يتشرف بخدمته، مادام يشعر أن ذلك ليس لشخصه فقط.
6- الوقوع في مواطن التهم:
المرء مسئول عن نفسه، وعليه أن يبعدها عن مواضع التهم كما قال *** جماعة:"وكذلك يتجنب مواضع التهم وإن بعدت، ولا يفعل شيئاً يتضمن نقص مروءة، أو ما يستنكر ظاهراً، وإن كان جائزاً باطناً؛ فإنه يعرض نفسه للتهمة، وعرضة للوقيعة، ويوقع الناس في الظنون المكروهة، وتأثيم الوقيعة، فإن اتفق وقوع شيء من ذلك لحاجة أو نحوها، أخبر من شاهده بحكمه، وبعذره ومقصوده كيلا يأثم بسببه، أو ينفر عنه فلا ينتفع بعلمه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجلين لما رأياه يتحدث مع صفية فوليا :"على رسلكما إنها صفية" ثم قال:"إن الشيطان يجري من *** آدم مجرى الدم، فخفت أن يقذف في قلوبكما شيئاً(رواه البخاري (3281) ومسلم (2175).)" ا.هـ. (تذكرة السامع والمتكلم (19-20) .)
7- سرعة الانفعال ولغة التهديد:
من لوازم حسن الخلق الترفع عن سرعة الانفعال وشدة الغضب، واستبعاد لغة التهديد، ومن أسوأ الأساليب التي لا يجني منها المدرس إلا الكراهية من طلابه بل استخفافهم وسخريتهم:التهديد بما يعلم الطلاب أنه لن يفعله.
وعناية المدرس بانضباط الفصل وهدوئه ينبغي ألا تكون على حساب التربية، وعلاقته مع الطلاب.
والأغلب أن تكون هذه المواقف ردة فعل لسلوكيات ومخالفات لا ترقى لحجم هذه العقوبة والقسوة، ويمكن تجاوزها بإشارة، أو تنبيه لطيف يزيلها ويحفظ للمدرس وقاره وقدره.
8 – السخرية من الطالب واحتقاره:
قال عز وجل : [ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون] (الحجرات:11) وشدد النبي صلى الله عليه وسلم من أمر السخرية بالمسلم فقال:"بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم"(رواه مسلم (2564). ).
لقد جمع الله سبحانه وتعالى بين قلوب عباده المؤمنين بجامع الأخوة، وربط بينهم برابطة التقوى، تلك الأخوة والرابطة التي تذوب عندها كل الفواصل الأرضية والنعرات الجاهلية، ويستوي فيها الصغير والكبير، والشريف والوضيع، ومن الإخلال بهذا الأدب الذي أدبنا الله به في كتابه، ومن ارتكاب الشر الذي نهانا عنه صلى الله عليه وسلم أن نحتقر الطالب ونسخر منه، فنحرجه أمام زملائه؛ فقد يجيب إجابة، أو يسأل سؤالاً، أو يقع في خطأ ما، فهل يعني هذا أن نمرغ كل معاني الخلق الفاضل لنوجه له سخرية لاذعة؟
إن إيغار صدره على معلمه، ورده لما يسمع منه، ومشاركة سائر الطلبة له مشاعر السخط، كل ذلك نتيجة منطقية وبدهية لأسلوب السخرية الذي يمارسه بعض المعلمين.
فهلا أدبنا أنفسنا بالأدب الشرعي، ووزنا ألفاظنا قبل أن نتفوه بها؟
ويذكر أستاذنا د. محمد عبد العليم مرسي قصة تصور النتيجة التي يمكن أن يصل إليها الطالب حين يعامل بالسخرية والاحتقار فيقول:" ولا زلت أذكر حتى الآن، منذ كنت طالباً أن زميلاً لي في بداية المرحلة الثانوية، وقف ليخبر مدرس اللغة الإنجليزية أنه قد نظر في القاموس فوجد معنىً مختلفاً عما قاله الأستاذ… وكانت كارثة. لقد استلمه الأستاذ سخريةً واستهزاءً وانسحب الولد صامتاً، ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل قد صارت عادةً للمعلم المذكور كل يوم أن يدخل إلى الفصل ليبادر بالسؤال: أين صاحبنا الباحث في القاموس؟ أين قاموسنا اليوم؟ وهكذا والطلاب يضحكون من زميلهم، إما مجاملة للأستاذ، وإما عدم فهم لحالة زميلهم المسكين الذي انسحب تماماً من درس اللغة الإنجليزية"(لمعلم والمناهج وطرق التدريس . د. محمد عبد العليم مرسي (99).).
9 – غيبة الطلاب:
يدور الحديث كثيراً بين المعلمين فيما يتعلق بالطلاب، وقد يمتد هذا الحديث إلى الوقوع في أعراضهم. وتحريم الغيبة مما لا يشك فيه مسلم، قال تعالى : [ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم] .(الحجرات: 12) ويشبِّه النبي صلى الله عليه وسلم تحريم عرض المسلم بتشبيه بليغ، إذ يقول:"إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا" (رواه البخاري (67) ومسلم (1679) )ويعرفها صلى الله عليه وسلم بتعريف جامع مانع بأنها:"ذكرك أخاك بما يكره"(رواه مسلم (2589)).
فالطالب أخ لك أيها المعلم، وذكرك له بما يكره من الغيبة التي هي أربى الربا:" إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق"(رواه أحمد (1354) وأبو داود (4876)) .
10- إملال الطالب:
عقد الخطيب البغدادي في كتابه الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع باباً بعنوان: (كراهة إملال السامع وإضجاره بطول إملاء المحدث وإكثاره).
وقال: " ينبغي للمحدث ألا يطيل المجلس الذي يرويه، بل يجعله متوسطاً ويقتصد فيه؛ حذراً من سآمة السامع وملله، وأن يؤدي ذلك إلى فتوره عن الطلب و**له. فقد قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد فيما بلغني عنه: من أطال الحديث وأكثر القول فقد عرَّض أصحابه للملال وسوء الاستماع. ولأن يدع من حديثه فضلة يعاد إليها أصلح من أن يَفْضُل عنه ما يلزم الطالبَ استماعُه من غير رغبة فيه ولا نشاط له" (لجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/127) .) .
وروى بإسناده أن عبيد بن عمير دخل على عائشة – رضي الله عنها- فقالت له:"ألم أحدث أنك تجلس ويجلس إليك؟ قال: بلى. قالت: فإياك وإملال الناس وتقنيطهم".
وروى عن الوليد بن مزيد البيروتي قال:"المستمع أسرع ملالاً من المتكلم"(لجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/130) .) .
ومع نهيهم عن طول المجلس الذي يؤدي لإملال الطالب، فقد دعوا لإزالة الملل عنه وإذهاب السآمة فعقد الخطيب في الجامع باباً بعنوان (ختم المجلس بالحكايات ومستحسن النوادر والإنشادات)(لجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/129) .) . وأورد فيه بعض الآثار في ذلك منها:-
ما رواه بإسناده عن علي- رضي الله عنه – أنه قال:" روِّحوا القلوب وابتغوا لها طرف الحكمة؛ فإنها تمل كما تمل الأبدان".
وروى عن الزهري أنه كان يقول لأصحابه:"هاتوا من أشعاركم، هاتوا من حديثكم؛ فإن الأذن مجَّة، والقلب حَمِض".
وروى عن كثير بن أفلح أنه قال: "آخر مجلس جالَسْنا فيه زيد بن ثابت تناشدنا فيه الشعر"(لجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ( 2/129 – 130 ) .) .
11- تعليم الطالب ما لا يدرك:
قد تبلغ الحماسة بالمعلم والحرص على تعليم طلابه إلى أن يسعى لتعليمهم ما قد يصعب عليهم فهمه، أو يكون مدعاة للتخليط واللبس.ولذا نهى السلف عن ذلك.
قال علي – رضي الله عنه -:" حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذَّب الله ورسوله؟"(رواه البخاري (127).).
وقال *** مسعود – رضي الله عنه- :"ما أنت محدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة"(رواه مسلم في مقدمة الصحيح.).
ويرى الغزالي أن من وظيفة المعلم"أن يقتصر بالمتعلم على قدر فهمه، فلا يلقي إليه ما لا يبلغه عقله؛ فينفره أو يخبط عليه عقله" (إحياء علوم الدين (1/96).) .
قال الإمام النووي:"ولا يلق إليه شيئاً لم يتأهل له، لئلا يفسد عليه حاله، فلو سأله المتعلم عن ذلك لم يجبه، ويعرفه أن ذلك يضره ولاينفعه، وأنه لم يمنعه من ذلك شحًّا، بل شفقة ولطفاً"(المجموع شرح المهذب (1/30) .) .
12- انتقاد المدرسين الآخرين أو موادهم:
قد يلحظ المدرس على بعض زملائه ملحظاً، أو يكون له وجهة نظر تجاهه في سلوكه، أو أسلوبه في التدريس، أو في تعامله مع طلابه. لكن هذه الملحوظة مهما علا شأنها فلا يسوغ أن تدفع المدرس إلى التصريح بانتقاد زميله أمام الطلاب، أو الإيماء لذلك والإشارة إليه.
ومثل ذلك الحديث عن مادة معينة، وعدم صلاحيتها للتدريس، فهذا مما لا يقدم ولايؤخر، ولايفيد الطالب شيئاًً.
وهو مسلك كان ينهى عنه الأولون كما قال أبو حامد الغزالي:"إن المتكفل ببعض العلوم ينبغي ألا يقبح في نفس المتعلم العلوم التي وراءه، كمعلم اللغة إذ عادته تقبيح علم الفقه، ومعلم الفقه إذ عادته تقبيح الحديث والتفسير"(إحياء علوم الدين (1/96).) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.