و تكمل صحيفة هآرتس الإسرائيلية : ليست هذه الوسيلة الوحيدة بعد ان يتأكدوا ان الاستخدام المدروس والذكي ـ ومنذ البداية ـ للسلاح الذي يدفع عددا غير قليل من اليهود الي اليأس وانهم لا يستطيعون مواصلة العيش في هذه البلاد في ظل هذا الثمن الفادح الذي يكلفهم اياه العنف في كل مناحي الحياة ـ وردود الفعل التي تدعي الاخلاق التي ولدت ظاهرة رفض الخدمة ثمرة اليأس تبرهن لهم علي انهم كانوا علي حق ـ وهو ان عنف الانتحاريين سلاح يفوق في نجاعته أي سلاح آخر يمكن للعرب ان يستخدموه بما في ذلك ما يوجد بحوزة صدام حسين.
هذا سلاح غير تقليدي يزرع اليأس في اسرائيل، بينما يتسبب علي صعيد العالم وبشكل ليس مفاجئا في ردود فعل تنطوي علي التفهم والتعاطف مع اليأس العربي، هذا الي جانب الشجب غير الملزم. صحيح انه لم يكن من اللطيف خلال فترة قصيرة بعد عمليات ايلول (سبتمبر) في امريكا ان يكون الواحد ارهابيا عربيا حتي ولو كان علي صورة قاتل لليهود. ولكن الآن عادت المعايير المزدوجة: فقط عندما يضرب الارهاب الامريكيين والاوروبيين يصدر رد واحد من خلال الشجب والاستنكار وشن الحرب بلا هوادة ومن دون تمييز في الوسائل المستخدمة.
العدو يعترض هذه الازدواجية في المعايير والمقبولة علي عدد غير قليل من اليهود في بلادهم، الامر الذي يزيد من دافعية مواصلة استخدام عنف الانتحاريين الذي يزعزع دعائم وجود اسرائيل كما تشير ردود الفعل اليائسة منها. وقسم من الاسرائيليين، بينهم عدد من الوزراء حتي، يردون من خلال خطوات وأفكار يائسة. ارييل شارون وليس العدو هو الذي طلب أولا وقف اطلاق النار. أما العرب الذين هم الخاسرون واليائسون كما يبدو للوهلة الاولي فقد عارضوا وما زالوا يواصلون تفجير الباصات. حركة الرفض الصغيرة التي تضخمها وسائل الاعلام بشكل يفوق وزنها الجماهيري تقف في رأس حربة معسكر اليائسين الاسرائيلي. هذا المعسكر بدأ يفهم الرسالة المصيرية التي يعبر عنف الانتحاريين عنها. استنتاجه هو: اذا كانت مواصلة البقاء تضطرنا لمواصلة القتال من دون ان يظهر السلام في الأفق، وربما بوسائل غير جيدة ، فنحن متنازلون. وهذا حسب رأيي جوهر انسحابهم العميق. ولانه ليس من الممكن الاعتراف بأن اليأس مخلوط بالدلال هو الذي أدي الي التخلي عن الكفاح ورفاق السلاح المنسحبون يقومون بتغليفه بغطاء يدعي الاخلاق ويبحث عن المذنب الموجود فينا: في المستوطنات، أم كل الخطايا والذنوب. وكذلك في تجاوزات جيش الدفاع، الجيش الأكثر أخلاقية في العالم، النابعة بالاساس من خوف الجنود من تفجير الجنود لانفسهم عندهم.
المؤشرات التي تدل علي ان العرب لن يتنازلوا أبدا، ظهرت في الواقع منذ بدء العودة الي ارض صهيون في العصر الحاضر، ولكن قلة قليلة فقط في كل جيل وجيل كانت مستعدة للاعتراف بأن حربنا الوجودية هي حرب لا نهاية لها علي ما يبدو حتي في المستقبل البعيد. فلا زيني ولا تينيت ولا ميتشل ولا اوسلو ولا 242 أو 338 ولا حدود التقسيم في عام 1947 ولا حدود وعد بلفور بمصادقة الجمعية العمومية (التي تشمل الضفة الشرقية وأجزاء مما يسمي اليوم سورية ولبنان) ولا حدود السادس من حزيران (يونيو) أو الثاني عشر من حزيران (يونيو) 1996: أهداف حروب العرب من حروب رفض حدود التقسيم في 1947 وحتي حرب رفض قبول حدود كامب ديفيد وطابا – هي البرهنة علي ان أي وجود سيادي يهودي في أية حدود كانت لم يقبل وليس مقبولا ولن يكون مقبولا من العالم الاسلامي ولا العربي بالتأكيد. اسامة بن لادن، بطل العالم الاسلامي وخليفة صلاح الدين في نظر هذا العالم أجاد التعبير عن ذلك بقوله: الأمة الاسلامية ـ وبذلك وحد العرب والمسلمين معا ـ ستواصل حربها حتي طرد آخر الكفرة عن كل اراضي محمد ( صلى الله عليه و سلم )المقدسة. واحمد ياسين واصل أقوال بن لادن بالقول ان المقصود منها بالاساس الوجود اليهودي الذي يدنس الاراضي المقدسة. عندما اندلع العنف الفلسطيني قال نائب رئيس هيئة الاركان اللواء موشيه يعلون انه لم يكن مثل هذه المواجهة منذ حرب 1948. وأضاف ان هذه الحرب هي في الواقع امتداد لتلك الحرب. كل ما مر علينا منذئذ يدلل علي ان يعلون كان محقا في تحليله، وربما انه حتي قلل من خطورة، ومصيرية الحرب الحالية. ذلك لان عنف الانتحاريين لا يقاتل ضد الاستقلال اليهودي وحده وانما ضد مجمل وجودنا هنا. علي أبواب القرن الواحد والعشرين ايضا، ورغم انه هو ايضا يمكن ان يكلفنا ثمنا لا يقارن بالثمن الذي يدفعه من يحاول ابادته بوسائل غير تقليدية