الأمن الأسري ـ تابع لحقوق الزوج على المرأة
المطلب السابع : تربية المرأة أولاد زوجها تربية إسلامية والقيام على شؤونهم.
وهذا المطلب من أهم وظائف المرأة في بيت زوجها، فلا تقوم الحياة الأسرية الآمنة المطمئنة بدون هذه الوظيفة، ونصيب الأم في هذه الوظيفة أعظم من نصيب الأب، وقد أشار إلى ذلك حديث *** عمر المتقدم [انظر التمهيد في أول هذا المبحث] في رواية البخاري، قال صلى الله عليه وسلم: "والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده".
ولا شك أن أو جب الرعاية وأهمها هي التربية الإيمانية السلوكية التي جاء بها القرآن الكريم والسنة المطهرة، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتبع ذلك الرعاية الجسمية، صحة وغذاء ونظافة، وغيرها.
ويدخل في ذلك أن تعين زوجها على تربية أولاده من غيرها، إذا ماتت أمهم، أو طلقت، وهم في سن يحتاجون فيها إلى الرعاية، وكذلك إخوانه الصغار، إذا كانوا بلا أم.
وقد شمل ذلك كله قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: "والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده " كما يدخل فيه بعض أقاربه الذين يجب أن يسعى هو في رعايتهم، كأمه العجوز وأبيه.
ومما يدل على ذلك حديث جابر بن عبد الله، رضي الله عنه، وفيه:
قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل تزوجت بكرا أم ثيباً؟" قلت: تزوجت ثيباً. فقال: "هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك؟" قلت: يا رسول الله، توفي والدي، أو استشهد، ولي أخوات صغار، فكرهت أن أتزوج مثلهن، فلا تؤدبهن ولا تقوم عليهن، فتزوجت ثيبا لتقوم عليهم وتؤدبهن…" [البخاري (4/9-10) ومسلم (2/1087]
نعم. لا يجب على المرأة أن تقوم على أبناء زوجها من غيره، أو بعض أقاربه، إلا إذا كان شرط ذلك عليها وقبلت الشرط، ولكن ينبغي أن تقوم بذلك تطوعاً واختياراً، فإن لها في نساء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة، في الصبر على خدمة أزواجهن التي قد تعاني المرأة منها شيئاً من المشقة، ولكنها تنال بذلك فائدتين:
الفائدة الأولى:
إرضاء ربها في خدمة زوجها وإعانته.
الفائدة الثانية:
إدخال الأمن والطمأنينة والراحة، والسرور والرضا على نفسه، وجلب ما يزيد المودة بينها وبينه.
فقد حفظ علي رضي الله عنه لزوجه وبنت عمه، فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيامها بخدمته، وما عانت من تعب ومشقة في خدمته، فحكى ذلك للناس بعد وفاتها.
كما روى أبو الورد بن ثمامة، قال:
قال علي ل*** أعبد: " ألا أحدثك عني وعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت أحب أهله إليه، وكانت عندي؟" قلت: بلى. قال:" إنها جرت بالرحى حتى أثرت في يدها، وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم خدم، فقلت: لو أتيتِ أباك فسألته خادماً؟ فأتته فوجدت عنده حداثاً، فرجعت، فأتاها من الغد، فقال: "ماكان حاجتك؟" وسكتت، فقلت: "أنا أحدثك يا رسول الله، جرت بالرحى حتى أثرت في يدها، وحملت بالقربة حتى أثرت في نحرها، فلما أن جاء الخدم أمرتها أن تأتيك، فتستخدمك خادماً يقيها حر ما هي فيه. قال: "اتقي الله يا فاطمة، وأدي فريضة ربك، واعملي عمل أهلك، وإذا أخذت مضجعك فسبحي ثلاثا وثلاثين، واحمدي ثلاثا وثلاثين، وكبري أربعا وثلاثين، فتلك مائة، فهي خير لك من خادم." قالت: رضيت عن الله وعن رسوله. [البخاري (6/192-193 ) ومسلم (4/2091) والترمذي (5/477) وأبوداود (3/394)]
ويؤخذ من هذا الحديث – زيادة على ما ذكر من دلالته على قيام المرأة بخدمة زوجها -:
ذلك التوجيه النبوي العظيم، لولاة أمور المسلمين الذين تقع خزائن بيت المال تحت أيديهم، بأن لا يرخوا العنان ويفلتوا الزمام لقراباتهم في الاستمتاع الذي يصل إلى حد الترف والاستئثار بأموال الأمة التي قد لا يجد كثير من أفرادها وأسرها القوت الضروري الذي يبقي على حياتهم، ولا يجدون السكن ولا المركب.
فقد بلغ التوجيه النبوي أن يصبر أهله على ما يعانون من مشقة وشظف العيش، والاستعانة على ذلك الصبر بالإكثار من ذكر الله وعبادته، مع إيثار غيرهم من عامة الناس عليهم.
فأين هذا المعنى الذي سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لولاة الأمر من بعده، مما يلصقه أعداء الله وأعداء دينه بالإسلام من أنه يخدر الشعوب والكادحين، ليستمتع بخيرات الأرض ومرافق الدولة وكدح الكادحين الزعماء والملوك باسم هذا الدين؟! نعم يستغل الإسلام كثير من الزعماء، ولكن استغلالهم شيء، والإسلام شيء آخر.
فلا يجوز أن ينسب إلى الإسلام سوء تصرفات من يستغله، وهو من ذلك براء. فالعبرة بما جاء في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرته المطهرة، وما جرى عليه عمل خلفائه الراشدين ومن تبعهم بإحسان.