وصايا لحافظات القران
الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، يسّر بفضله ومنته حفظ كتابه لمعشر الأخوات والنساء الطيّبات، فرأينا فيهنّ تحقيق موعود الله بتيسير القرآن للحفظ والذّكر، كما قال عزّ وجلّ: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [ القمر :40 ] .
أما بعد:
فيا حافظة القرآن هنيئاً لكِ فقد استعملك الله لحفظ كتابه في الأرض:
فكنتِ ممن حقق الله بهم موعوده في قوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [ الحجر : 9 ].
يا حافظة القرآن لا تستقلّي ما فعلتِ فإنّ ما بين جناحيك هو العلم:
قال الله تعالى: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إلاَّ الظَّالِمُونَ [ العنكبوت : 49 ] .
* ففي صدرك كتاب لا يغسله الماء، وقد جاء في الكتب المقدسة في صفة هذه الأمة: "أناجيلهم في صدورهم".
يا حاملة القرآن أنت المحسودة بحقٍّ، المغبوطة بين الخلق:
حسدكِ هو الحسد الجائز، قال النبي "لا تَحَاسُدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَهُوَ يَقُولُ : لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ هَذَا لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ فَيَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ " [ رواه البخاري 6974 ].
* والحسد الجائز هو الغبطة وهي تمني مثل ما للغير من الخير دون تمني زوال النعمة عنه.
يا حافظة القرآن ويا أترجة الدنيا:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ ريحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ " [ رواه البخاري رقم 5007 ومسلم 1328 ] وعنون عليه في صحيح مسلم: باب فضيلة حافظ القرآن.
* قوله: ( طعمُها طيِّبٌ وريحُها طيبٌ ) خصَّ صفة الإيمان بالطعم وصفة التلاوة بالرائحة؛ لأنّ الطّعم أثبت وأدوم من الرائحة .
* والحكمة في تخصيص الأترجة بالتمثيل دون غيرها من الفاكهة التي تجمع طيب الطعم والريح أنها يُتداوى بقشرها، ويُستخرج من حبِّها دهنٌ له منافع، وقيل : إن الجن لا تقرب البيت الذي فيه الأترج. فناسب أن يمثّل به القرآن الذي لا تقربه الشياطين, وغلاف حَبِّه أبيض فيناسب قلب المؤمن, وفيها أيضاً من المزايا كبر جرمها وحسن منظرها وتفريح لونها ولين ملمسها، وفي أكلها مع الالتذاذ طيب نكهة وجودة هضم ودباغ معدة.
يا حافظة القر آن أتدرين أين رتبتك؟
روت أمُّكِ عَائِشَة عَنْ النَّبِيِّ قَالَ : "مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ" [ البخاري 4556 ].
*والسفرة: الرسل؛ لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات الله, وقيل: السفرة: الكتبة, والبررة: المطيعون, من البر وهو الطاعة.
والماهر: الحاذق الكامل الحفظ الذي لا يتوقف ولا تشق عليه القراءة لجودة حفظه وإتقانه, قال القاضي: يحتمل أن يكون معنى كونه مع الملائكة أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقاً للملائكة السفرة؛ لاتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله تعالى. قال: ويحتمل أن يراد أنه عامل بعملهم وسالك مسلكهم.
والماهر أفضل وأكثر أجراً; لأنه مع السفرة وله أجور كثيرة, ولم يذكر هذه المنزلة لغيره, وكيف يلحق به من لم يعتن بكتاب الله تعالى وحفظه وإتقانه وكثرة تلاوته وروايته كاعتنائه حتى مهر فيه؟! والله أعلم.
* عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو عَن النَّبِيِّ قَالَ: " يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا" [ رواه الترمذي 2838 وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ].
* قوله: ( يقال ) أي عند دخول الجنة ( لصاحب القرآن ) أي: مَنْ يلازمه بالتلاوة والعمل ( وارتق ) أي: اصعد إلى درجات الجنة، ( ورتل ) أي: اقرأ بالترتيل ولا تستعجل بالقراءة ( كما كنت ترتل في الدنيا ) من تجويد الحروف ومعرفة الوقوف ( فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها )، قال الخطابي: جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة في الآخرة, فيقال للقارئ أرق في الدرج على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن, فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على أقصى درج الجنة في الآخرة, ومن قرأ جزءاً منه كان رقيُّه في الدرج على قدر ذلك, فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة.
يا حافظة القرآن هنيئاً لكِ فقد عمَّرت قلبكِ بكلام الله وأقبلتِ على مأدبته:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ فَخُذُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنِّي لا أَعْلَمُ شَيْئًا أَصْغَرَ مِنْ بَيْتٍ لَيْسَ فِيهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، وَإِنَّ الْقَلْبَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ خَرِبٌ كَخَرَابِ الْبَيْتِ الَّذِي لا سَاكِنَ لَهُ " [ رواه الدارمي 3173 ] .
يا حاملة القرآن مبارك عليكِ ومبارك لكِ إن أخلصت الآن نجوت بحفظكِ من عذاب النيران:
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : "اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلا يَغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ الْمَصَاحِفُ الْمُعَلَّقَةُ فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يُعَذِّبَ قَلْبًا وَعَى الْقُرْآنَ " [ رواه الدارمي 3185 ] .
يا حاملة القر آن هنيئاً لكِ بشفاعة كتاب الله فيك وحليّك يوم القيامة إن ثبت أعظم مما تلبسين الآن:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: "يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ، حَلِّهِ فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ زِدْهُ فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ. ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ، ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضَى عَنْهُ. فَيُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَارْقَ وَتُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً " [ رواه الترمذي 2839 وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ].
يا أم حافظة القرآن هنيئاً لكِ ب***تك:
عن بريدة قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ ( أي السحرة ) قَالَ: ثُمَّ مَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا الزَّهْرَاوَانِ يُظِلانِ صَاحِبَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَايَتَانِ أَوْ فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ. فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ. فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ، فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا، فَيَقُولانِ: بِمَ كُسِينَا هَذِهِ؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلا." [ رواه الإمام أحمد 21892 وحسنه *** كثير وهو في السلسلة الصحيحة للألباني 2829 ].
يا حافظة القرآن إن المحافظة على القمة أصعب من الوصول إليها:
عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ قَالَ : تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ الإبلِ فِي عُقُلِهَا" [ رواه البخاري 4645 ].
قوله: ( تعاهدوا ) أي استذكروا القرآن وواظبوا على تلاوته، واطلبوا من أنفسكم المذاكرة به ولا تقصروا في معاهدته واستذكروه … من شأن الإبل تطلب التفلت ما أمكنها، فمتى لم يتعاهدها برباطها تفلتت، فكذلك حافظ القرآن إن لم يتعاهده تفلت بل هو أشد في ذلك . وقال *** بطال: هذا الحديث يوافق الآيتين: قوله تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً [ المزمل: 5 ] وقوله تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر ٍ [ القمر: 17] فمن أقبل عليه بالمحافظة والتعاهد يسّر له، ومن أعرض عنه تفلت منه [ فتح الباري ].
* وعَن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "مَثَلُ الْقُرْآنِ مَثَلُ الإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ، إِنْ تَعَاهَدَهَا صَاحِبُهَا بِعُقُلِهَا أَمْسَكَهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَطْلَقَ ذَهَبَتْ " [ رواه البخاري 4643 ].
فيا حافظة القرآن لا تزحزحي نفسك عن هذه الرتبة العالية بعد إذ نلتيها:
قال *** حجر في الفتح: " اختلف السلف في نسيان القرآن، فمنهم من جعل ذلك من الكبائر، قال الضحاك بن مزاحم: ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب أحدثه، لأن الله يقول: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [ الشورى : 30 ]. ونسيان القرآن من أعظم المصائب …
* وجاء عن أبي العالية: كنا نعد من أعظم الذنوب أن يتعلم الرجل القرآن ثم ينام عنه حتى ينساه . وإسناده جيد. ومن طريق *** سيرين بإسناد صحيح في الذي ينسى القرآن: كانوا يكرهونه ويقولون فيه قولاً شديداً… والإعراض عن التلاوة يتسبب عنه نسيان القرآن، ونسيانه يدل على عدم الاعتناء به والتهاون بأمره … وترك معاهدة القرآن يفضي إلى الرجوع إلى الجهل، والرجوع إلى الجهل بعد العلم شديد. وقال إسحاق بن راهويه : "يكره للرجل أن يمر عليه أربعون يوماً لا يقرأ فيها القرآن. " أهـ
يا حافظة القرآن قومي به وأكثري در سه تعيشي به:
قال الذهبي في السّيَر: قال أبو عبد الله بن بشر: ما رأيت أحسن انتزاعاً لما أراد من آي القرآن من أبي سهل بن زياد، وكان جارنا وكان يُديم صلاة الليل والتلاوة، فلكثرة درسه صار القرآن كأنه بين عينيه.
يا حافظة القرآن ما دمت حفظتيه في قلبكِ فاحفظي به جوارحك:
قال القرطبي في تفسيره: يجب على حامل القرآن وطالب العلم أن يتقي الله في نفسه ويخلص العمل لله، فإن كان تقدم له شيء مما يكره فليبادر التوبة والإنابة، وليبتدئ الإخلاص في الطلب وعمله، فالذي يلزم حامل القرآن من التحفظ أكثر مما يلزم غيره، كما أن له من الأجر ما ليس لغيره.
يا حاملة القرآن لا يغرنك الحفظ فتتركي العمل:
فقد وقع في رواية شعبة عن قتادة: "المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به مع السّفرة الكرام البررة " وهي زيادة مفسرة للمراد، وأن التمثيل وقع بالذي يقرأ القرآن ولا يخالف ما اشتمل عليه من أمر ونهي وليس التلاوة فقط.
يا حاملة القرآن قدِّري مكانة الذي في صدركِ وأعطيه حقّه ومنزلته:
وكما ارتقيت إلى المنزلة العالية بحفظه فعليك في المُقابل مسئولية وواجباً يوازي ذلك. فإن الحفظ ليس نيشاناً يُعلّق ولا شهادة تُزوّق ولا مكافآت تُفرّق؛ لكنه أمانة يجب القيام بحقّها.
*ينبغي لحامل القرآن أن يكون على أكرم الأحوال وأكرم الشمائل .
*قال الفضيل بن عياض: حامل القرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي له أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو تعظيماً لحق القرآن.
إنّه ثابت الجنان قائم بالحق، ولما حارب المسلمون مسيلمة الكذّاب وقُتل حامل رايتهم زيد بن الخطابتقدّم لأخذها سالم مولى أبي حذيفة فقال المسلمون: يا سالم، إنا نخاف أن نُؤتى من قبلك – فقال: بئس حامل القرآن أنا إن أتيتم من قِبَلي. فقطعت يمينه فأخذ اللواء بيساره، فقطعت يساره فاعتنق اللواء وهو يقول: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُوْلٌ [ آل عمران : 144 ]. وكأين مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّوْنَ كَثِيْر[ آل عمران : 146 ]. فلما صُرع قيل لأصحابه: ما فعل أبو حذيفة؟ قيل: قُتل [ الجهاد ل*** المبارك ].
يا حاملة القرآن إياكِ والتكبّر على من ليس بحافظ؛ فلر بما أفلح المقلّ المعذور وخسر الحافظ المغرور:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: أَقْرِئْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ لَهُ: اقْرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَاتِ (الر) فَقَالَ الرَّجُلُ: كَبِرَتْ سِنِّي وَاشْتَدَّ قَلْبِي وَغَلُظَ لِسَانِي، قَالَ: فَاقْرَأْ مِنْ ذَاتِ (حم) فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الأُولَى، فَقَالَ : اقْرَأْ ثَلاثًا مِنْ الْمُسَبِّحَاتِ. فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ . فَقَالَ الرَّجُلُ: وَلَكِنْ أَقْرِئْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ سُورَةً جَامِعَةً، فَأَقْرَأَهُ إِذَا زُلْزِلَتْ الأرْضُ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهَا قَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لا أَزِيدُ عَلَيْهَا أَبَدًا ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ" [ رواه أبو داود 1191 ورجاله ثقات، وعيسى بن هلال الصدفي وثّقه *** حبّان وقال الحافظ في التقريب: صدوق. وأورد الألباني الحديث في ضعيف سنن أبي داود 300 ].
يا حاملة القرآن لا تنتظري من الناس ثناءً ولا تقديراً وجاهدي أن لاتتأ ثري بمدحهم وإطرائهم إخلاصاً لله:
نعم يجب عليهم أن يوقروا حاملة القرآن؛ لأنّ في جوفها كلام الله، وإن من إجلال الله إكرام حامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه . قال *** عبد البَرّ: وحملة القرآن هم المحفوفون برحمة الله، المعظّمون كلام الله، المُلبسون نور الله، فمن والاهم فقد والى الله، ومن عاداهم فقد استخف بحق الله تعالى. وقد نقل صاحب كتاب الفواكه الدواني قول أهل العلم: بأنّ غيبة العالم وحامل القرآن أعظم من غيبة غيرهما. أهـ ومع ذلك فإنّ على صاحب القرآن ألا يغترّ بحقّ وحرمة الحفظة فلربما أخرجه عدم الإخلاص من بينهم.
وداع
* فإذا تخرّجت الأخت من دار تحفيظ القرآن ودنا الرحيل وقرُب الفراق من المدْرسة والمدرّسة، فينبغي تذكّر المجهود وتقدير المنزلة حقّ قدرها، ويُختم بوصيّة مناسبة، وهذه كلمات عبد الله بن مسعود وهو يودّع طلابه في الكوفة بعد أن اجتهد في تعليمهم وتحفيظهم وأراد السّفر إلى المدينة : عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ قَالَ : حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ هَمدَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ : لَمَّا أَرَادَ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمَدِينَةَ جَمَعَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصْبَحَ الْيَوْمَ فِيكُمْ مِنْ أَفْضَلِ مَا أَصْبَحَ فِي أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الدِّينِ وَالْفِقْهِ وَالْعِلْمِ بِالْقُرآن، إِنَّ هَذَا الْقُرآنَ أُنْزِلَ عَلَى حُرُوفٍ، فمَنْ قَرَأَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْحُرُوفِ الَّتِي عَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ فَلا يَدَعْهُ رَغْبَةً عَنْهُ، فَإِنَّهُ مَنْ يَجْحَدْ بِآيَةٍ مِنْهُ يَجْحَدْ بِهِ كُلّهِ [ رواه الإمام أحمد 3652].
دعاء
* اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ وَالْعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامُ، نَسْأَلُكَ يَا اللَّهُ يَا رَحْمَنُ بِجَلالِكَ وَنُورِ وَجْهِكَ أن تهدي هَؤلاءِ الحَافِظَاتِ، وأَنْ تُلْزِمَ قُلوبَهُنَّ حِفْظَ كِتَابِكَ كَمَا عَلَّمْتهن، وأن َترْزُقهن تلاوتهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يُرْضِيكَ عَنهن، اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ وَالْعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامُ، نَسْأَلُكَ يَا أَللَّهُ يَا رَحْمَنُ بِجَلالِكَ وَنُورِ وَجْهِكَ أَنْ تُنَوِّرَ بِكِتَابِكَ أَبْصَارَهنَّ، وَأَنْ تُطْلِقَ بِهِ ألسِنتَهنَّ، وَأَنْ تغسلَ بِهِ قُلوبَهنَّ، وَأَنْ تَشْرَحَ بِهِ صُدورَهنَّ، وَأَنْ تفرّج به هُمومَهنَّ وسَائرَ المسلمينَ والمسلماتِ، وصلى الله على نبينا محمد.
جزاك الله خيرا ونفع بك ..