يقول أحد الذاكرين لله : أنه دخل يوما مستعجلا إلى بيته , ونسي أن يذكر الله قبل أن يدخل .. ونسي أن يدعو بدعاء دخول المنزل .. وما أن قابل زوجته تجهمت فيه وبدأت في مناكفته والتنكيد عليه …
استغرب الرجل عليها وهي الزوجة الطيبة الطباع .. والمطيعة ..!! طلب من إبنته أمرا فتلكأت التنفيذ .. وأهملته ..!! وهي بنت بارّة بأبيها لا تكاد ترد له طلبا … فكّر قليلا ( وهو من الناس الذين ر**وا بصيرة ) :
– لا يوجد سبب , إلاّ ما نسيه من ذكر دخول المنزل ..
عاد وخرج من الباب ثم عاد ودخل بقدمه اليمنى وردد الدعاء المعروف .. وكان أن عادت إلى بيته بقدرة قادر الرحمة … وزالت عنه المنغصات ..!!
قد يستغرب أحدنا هذه القصة .. لكنها وردت ممن لا أشك في صدقه .. كما أنها مصداق لقوله عزوجل ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى … ) ..
فالضنك والمنغصات التي نعيشها في حياتنا هي من عذاب الله في الدنيا , وهي نتيجة لنسياننا أو تناسينا ذكر الله والمداومة عليه .. فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فقيه الأمة قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ عَمَلًا أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ } ..
والحقيقة أن المداومة على ذكر الله في كل الأحيان من أعظم الأعمال التي تنجي الإنسان من العذاب والضنك الدنيوي والأخروي … والذكر والمداومة عليه أعظم عند الله من الجهاد في سبيل الله ..
فقد روي عن مُعَاذٍ رضي الله عنه أنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ عَمَلأ أَنْجَى لَهُ مِنْ النَّارِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ , قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ : وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , تَضْرِبُ بِسَيْفِك حَتَّى يَنْقَطِعَ ثُمَّ تَضْرِبُ بِسَيْفِك حَتَّى يَنْقَطِعَ ثُمَّ تَضْرِبُ بِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ } ..
تصّور أخي الحبيب : أنك جالس في مجلسك , أو ماشي في السوق , أو متقلب في مضجعك .. وردد لسانك ذكر الله .. وداوم عليه , تكون في هذه الحالة أعظم أجرا .. ممن خرج في سبيل الله , يقاتل قوما أشدّاء .. أليس هذا عملا عظيما لايقدر ثمنه رغم كونه سهل التنفيذ …؟؟
وهذا الصحابي الجليل معاذ بن جبل يؤكد مرة أخرى المعنى بقوله : لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ يَحْمِلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْجِيَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالآخَرُ يَذْكُرُ اللَّهَ لَكَانَ أَفْضَلَ أَوْ أَعْظَمَ أَجْرًا : الذَّاكِرُ .
أمّا صفة الذكر المطلوب والذي يكون منجاة للإنسان من كل عذاب وضنك دنيوي وأخروي … فهي أن يكون دائما ..
– كيف …؟؟
تجتهد على أن يكون لسانك لا يفتر عن ذكر الله .. وأن يكون لسانك دائما رطبا بذكره عزوجل .. لا تترك دعاءا في مناسبة إلاّ وتقوله .. عندما تأكل , عندما تشرب , عندما تدخل المنزل , عندما تخرج منه , عندما تركب المركبة .. المصعد .. الإسكليتور .. عندما تلبس , عندما تدخل الحمام , … وهكذا هناك أدعية واردة عنه صلى الله عليه وسلم في كل حال .. إحفظها ورددها .. وستجد أثرها الذي لا يضاها ..!!
حتى وأنت سائر في الطريق , وأنت جالس في مجلسك , في كل مكان وزمان ردد الأدعية والأذكار .. أستغفر الله العظيم مائة مرة في كل مجلس تجلسه .. هلل وكبّر كلما رأيت شيئا يعجبك .. إقرأ على نفسك الفاتحة كلما أحسست بألم في جسدك ..
عوّذ نفسك وأهلك وذريتك من الشيطان وعمله كل يوم حين تمسي وحين تصبح .. تعود على ورد يومي خاص بك تبتدأ به يومك وتنهيه .. وليكن فيه الدعاء لنفسك , ولخصمك من المسلمين أن يوفقه وأن يهديه ..!!
روى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه { أَنَّ أَعرَابِيًّا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنَّ شَرَائِعَ الإسْلامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ فَأَنْبِئْنِي مِنْهَا بِأَمْرٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ , قَالَ : لا يَزَالُ لِسَانُك رَطْبًا بِذِكْرِ اللَّهِ } .
وهذا أحد السلف الطيبين الزاهدين رضي الله عنه لا يسكت عن الذكر حتى والحلاق يقص له شاربه , ويقول للحلاق الذي أحتجّ عليه .. قم بعملك وأنا أقوم بعملي …!!
وهذا أبو الدرداء رضي الله عنه يبشرك إذا كنت من هؤلاء الذين جعلوا ألسنتهم رطبة بذكر الله ببشرى عظيمة , فيقول : إنَّ الَّذِينَ لا تَزَالُ أَلْسِنَتُهُمْ رَطْبَةً مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَهُمْ يَضْحَكُونَ .
اللهم ياحي يا قيوم , يا ذا الجلال والإكرام , أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى , وأسألك بإسمك الأعظم الذي إذا سألت به أعطيت , وإذا دعيت به أجبت .. أن تجعلني من الذاكرين لك , وأن تجعل لساني دائما رطبا بذكرك .. ياحنان يامنان .. يارب العالمين .. أنا ومن ردد معي آمين في سره وجهره .. وصلى الله على نبينا وحبيبنا وسيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ..