تابع لحقوق الأبناء..
المطلب الحادي عشر:
مراعاة أحوالهم واستعداداتهم وتوجيههم إلى ما يرغبون فيه.. من أوجه الاكتساب والأعمال المباحة..
إن الواجب الأساسي الذي لا يجوز التفريط فيه، هو تعليم الأولاد أولاً فروض العين التي لا يعذر أحد بتركها، وتلك هي أصول الإيمان وأركان الإسلام، وواجباته، كالطهارة والصلاة والصيام والحج وبر الوالدين ونحوها.
فإذا ما علم الصبي ذلك وربي عليه، نظر وليه في تصرفاته ورغباته، فإن وجده مقبلاً على علوم الإسلام راغباً في حفظها والتضلع منها، فعليه أن يهيئ له الفرصة بالمعلم الكفء والكتاب، والكفاية لكل حاجاته، ليفرغه لهذا الغرض العظيم، حتى يصبح من علماء الإسلام ودعاة الحق.
وإن وجده مقبلاً على غير ذلك من الصناعات والمهن الأخرى المباحة غير الدنيئة، وجهه إلى ما يراه راغباً فيه وأعانه بسبلها التي يتمكن بها من تحصيلها، ولا ينبغي أن يجبره على علم لا رغبة له فيه ولا يرى عنده استعداداً له، فإن ذلك يعوقه ويحرمه من سلوك الطريق الذي خلق مهيئاً له.
قال *** القيم، رحمه الله:
"ومما ينبغي أن يعتمد حال الصبي وما هو مستعد له من الأعمال ومهيأ له منها، فيعلم أنه مخلوق له، فلا يحمله على غيره، ما كان مأذونا فيه شرعاً، فإنه إن حمل على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه، وفاته ما هو مهيأ له.
فإذا رآه حسن الفهم صحيح الإدراك، جيد الحفظ واعياً، فهذه من علامات قبوله وتهيؤه للعلم، لينقشه في لوح قلبه، ما دام خالياً، فإنه يتمكن فيه ويستقر ويزكو معه، وإن رآه بخلاف ذلك من كل وجه، وهو مستعد للفروسية وأسبابها، من الركوب والرمي واللعب بالرمح، وأنه لا نفاذ له في العلم ولم يخلق له، مكنه من أسباب الفروسية والتمرن عليها، فإنها أنفع له وللمسلمين.
وإن رآه بخلاف ذلك وأنه لم يخلق لذلك، ورأى عينه مفتوحة إلى صنعة من الصنائع مستعداً لها قابلاً لها، وهي صناعة مباحة نافعة للناس، فليمكنه منها.
هذا كله بعد تعليمه ما يحتاج إليه في دينه، فإن ذلك ميسر على كل أحد، لتقوم حجة الله على العبد، فإن له على عباده الحجة البالغة، كما له عليهم النعمة السابغة". [تحفة المودود ص144ـ145 وراجع كتاب تنظيم الإسلام للمجتمع، لأبي زهرة، ص182، طبع دار الفكر العربي.].
المطلب الثاني عشر:
تمرينهم على الحركة والعمل.. وتجنيبهم البطالة وال**ل..
إن خلو وقت الإنسان من الحركة النافعة والعمل المفيد من أعظم الخسران، إذ يضيع عمره أو جزء منه في غير ما خلق له، إما بعدم قيامه بشيء مفيد، كأن يخلد إلى الراحة دون حراك، وإما أن يتحرك فيما يعود عليه وعلى المجتمع بالضرر، وهذا هو الغالب، ولذا حذر الله تعالى من إضاعة العمر في غير فائدة، وأخبر تعالى عن غبن وندم من أضاع عمره في غير عمل صالح.
قال جل وعلا: (( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ )). [فاطر:36ـ37].
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن كثيراً من الناس مغبونون في نعمتين عظيمتين إحداهما: الفراغ..
روى *** عباس، رضي الله عنهما، قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ). [البخاري (7/170)].
كما أخبر صلى الله عليه وسلم، أن الله تعالى يسأل *** آدم عن عمره فيم أفناه يوم القيامة؟
كما في حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه ). [الترمذي (4/612) وقال: هذا حديث حسن صحيح].
وقال *** القيم رحمه الله:
"ويجنبه ال**ل والبطالة والدعة والراحة، بل يأخذه بأضدادها، ولا يريحه إلا بما يجم نفسه وبدنه للشغل، فإن لل**ل والبطالة عواقب سوء ومغبة ندم، وللجد والتعب عواقب حميدة، إما في الدنيا، وإما في العقبى، وإما فيهما، فأرْوَح الناس أتعبُ الناس، وأتعب الناس أرْوح الناس، فالسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى، لا يوصل إليها إلا على جسر من التعب". [تحفة المودود ص143].
وإن الذي يتأمل حال كثير من الشباب المسلمين في هذا الزمان، وما منوا به من البطالة وال**ل والراحة الجالبة للميوعة والترهل، بسبب الفراغ، الذي لم يملؤوه بما يعود عليهم وعلى مجتمعاتهم بالخير والنفع العام..
وعدم استغلاله الفراغ دليل على عدم شكر الله على هذه النعمة، والأدهى من ذلك أن يملؤوه باللهو واللعب والمتع المباحة أو المحرمة.
حتى أصبح كثير من شب***ا مثل القطعان الحيوانية الضارة لأمن الناس على أموالهم ودمائهم وأعراضهم، الذي يتأمل ذلك يبدو له جلياً ما عنته نصوص القرآن والسنة وأقوال العلماء من التحذير من الفراغ والبطالة وال**ل، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. [يراجع كت***ا الجهاد في سبيل الله – حقيقته وغايته (1/320 وما بعدها].
المطلب الثالث عشر:
إعفافهم بالنكاح عند الحاجة والمقدرة..
وإذا كان الولد محتاجاً إلى النكاح، والأب أو من يقوم مقامه قادراً على تزويجه، لزمه ذلك، لما فيه من تحصينه وإعفافه عن الوقوع في الحرام.
قال *** قدامة رحمه الله:
"ويلزم الرجل إعفاف ***ه، إذا احتاج إلى النكاح، وهذا ظاهر مذهب الشافعي.." [المغني (8/216)].
وكذلك يجب أن يزوج ***ته التي بلغت سناً تحتاج فيه إلى النكاح لإعفافها، وأن يلتمس لها الزوج الصالح، فلا فرق بين ال*** والبنت في وجوب إعفافهما.
وبهذا يتبين عناية الإسلام بحقوق الأولاد التي إذا قام بها الآباء، كانوا بها صالحين آمنين مأمونين يحققون مع الأسرة مجتمعاً صغيراً متماسكاً، ومن الأسر يتكون المجتمع المسلم كله.