تخرج غالبية نساء الخليج إلى الشارع مرتديات السواد من الرأس إلى أخمص القدمين، بعضهن منتقبات لا ترى منهن سوى عينين كحيلتين. وبالرغم من ذلك فإن الخليجيات ينفقن نحو 1.7 مليار دولار سنويا على مستحضرات التجميل، وجميعها يتم استيراده من الخارج (طبقا لمصدر بشركات التجميل).
فالمتجول في المراكز التجارية الكثيرة والفخمة في دول الخليج كافة تدهشه روائح العطور التي تفوح لدى مرور النساء المتشحات بالسواد وأنواع وألوان طلاء الأظافر والشفاه التي تحرص عليها غير المنتقبات.
ويرى "سليمان أبو زكي" مدير العلاقات العامة في إحدى الشركات المعنية بتنظيم معرض لمنتجات التجميل في دبي أن "نساء الخليج يقبلن بكثرة على مستحضرات التجميل التي تلائم ما يكشفن من وجوههن كالعينين والأظافر والعطر"، غير أنه يؤكد "أنهن كبقية النساء، فكما أن لديهن أزواجا يردن التزين لهم لديهن تجاعيد وعيوب يردن إخفاءها بالمكياج".
معطرات باهظة
لكن على ما يبدو أن هوس الخليجيين بأنواع خاصة جدًّا من العطور ومستحضرات الزينة الطبيعية هو السبب وراء إنفاقهم المبالغ فيها؛ فالخليجيون يقبلون على أنواع خاصة من العطور غالية الثمن يأتي العود في صدارتها.
والعود عبارة عن أعواد خشبية تؤخذ من لحاء شجر ينبت أفخره في الهند، له رائحة طيبة عند وضعه في المبخرة، ويعتبر العود البضاعة الرئيسية الأولى التي يجب توافرها في أي محل للعطارة في دول الخليج كافة، لا سيما أن الإقبال على شرائه يمثل 80% من إجمالي مشتريات السلع الموجودة في تلك المحلات.
وينقسم العود إلى أنواع عديدة حسب البلاد التي يجلب منها كالعود الهندي وهو الأفخر على الإطلاق (لونه بني يميل للسواد)، لكن تداوله في الأسواق العالمية شهد تراجعًا ملحوظًا بسبب حظر الحكومة الهندية قطع أشجاره حفاظاً على البيئة، وهو ما رفع سعر دهنه الذي يتعطر به الخليجيون رجالاً ونساءً إلى أكثر من 100 ألف درهم إماراتي، أي حوالي (27 ألف دولار) للكيلو جرام (بحسب أحد أصحاب محلات بيع العود في أبو ظبي). وهناك أيضًا العود "البورمي" نسبة إلى أنه يستورد من بورما (لونه بني تعتريه الغبرة)، و"الكمبودي" والإندونيسي.
ومن بين العطور الخاصة في الخليج أيضا ما يسمى بالدخون، وهو عبارة عن خليط من العطور العربية والمسك ومواد أخرى يحتفظ صناعها بسر خلطتها ويشتريها الخليجيون على شكل أقراص مستديرة، وتشكل نسبة الإقبال عليه نحو 15% من مجمل مشتريات العطارة.
الإمارات مركز تجاري
هذه الخصوصية في استخدام أنواع بعينها من العطور ومستحضرات التجميل لم تمنع كبريات شركات التجميل والعطور في العالم من تركيز نشاطها في منطقة الخليج، لا سيما أن ذوق الأجيال الجديدة من شباب وشابات الخليج أصبح أكثر ميلاً نحو استهلاك الماركات العالمية من هذه المواد.
وتتجلى صورة السباق المحموم من شركات التجميل العالمية على الذوق الخليجي في الإمارات، من خلال مئات الأفرع والوكلاء المحليين بل والمصانع التي افتتحت أفرعًا لها في المنطقة الحرة بجبل علي.
ويقول سليمان أبو زكي: "إن حجم تجارة هذه النوعية من المستحضرات يزيد على 1.7 مليار دولار في منطقة الخليج، يتم استيرادها من الخارج إضافة إلى المنتجات المحلية"، مشيرًا إلى أن الإمارات أصبحت مركزًا لهذه التجارة في منطقة الخليج وربما الشرق الأوسط كله، فقد استأثرت على ما يقارب 600 مليون دولار من إجمالي المستورد للمنطقة عام 2024.
ومع أن ما تستورده الإمارات من مستحضرات التجميل لا تستهلكه كليًّا السوق المحلية ويعاد تصدير جزء كبير منه إلى الخارج، فإنها تقف على قلة عدد سكانها في صدارة دول الخليج المستوردة لمستحضرات التجميل، وتشهد صفقات استيراد العطور ومساحيق التجميل في دبي وحدها نموًّا سنويًّا يتراوح بين 30% و35% (تقديرات رسمية لدائرة المواني والجمارك)؛ حيث تعتبر هذه المنتجات ضمن قائمة أعلى عشر سلع يتم استيرادها من الخارج تستحوذ فرنسا على نصفها تقريبًا.
وقد بلغت قيمة ما استوردته الإمارات من فرنسا من العطور فقط حوالي 112 مليون دولار عام 2024 لتحتل بذلك المرتبة الثانية عشرة على مستوى العالم بين الدول المستوردة لمنتجات التجميل الفرنسية.
وأمام هذه الحال باتت الإمارات ودبي بوجه خاص مقصدًا للشركات العالمية المنتجة للعطور ومساحيق التجميل؛ فالمعرض السنوي الذي أقامته دبي في العام 1996 تحت اسم "جلف بيوتي" للعطور ومستحضرات التجميل يشهد إقبالاً متزايدا من الشركات العالمية؛ حتى إن عدد المشاركين فيه عام 2024 تجاوز 300 شركة عالمية تتسابق على ترويج ما تنتجه في منطقة تؤمن بأنها من أكثر مناطق العالم استهلاكًا لمستحضرات التجميل والعطور.
وتعرض هذه الشركات أحدث ما لديها من منتجات العناية بالشعر والبشرة والجسم، والمكونات الأساسية لهذه المنتجات من الزيوت المستخلصة والطبيعية ومعدات التجهيز والتعبئة والعطور ومساحيق التجميل ومستلزمات ومعدات المنتجعات الصحية والرياضية وصالونات التجميل وتصفيف الشعر.
الطلب يزداد
هذه الصورة حول تجارة مستحضرات التجميل في الإمارات، تؤكدها دراسة أعدتها "منى سالم عجيف" من مكتب التطوير المؤسسي بدائرة مواني وجمارك دبي أشارت فيها إلى أن معدلات النمو في هذه التجارة ارتفعت بنسبة 130% خلال الفترة من 1993 و2000، مرجعة الأسباب إلى ارتفاع مؤشر الطلب على العطور ومستحضرات التجميل من قبل سكان الإمارات وزوارها من الخليجيين وغيرهم، بالإضافة إلى رواج تجارة إعادة التصدير في دبي وخاصة للدول المجاورة في الخليج وشبة القارة الهندية ودول الاتحاد السوفيتي السابقة.
وإذا كان استيراد دول الخليج من مستحضرات التجميل والعطور يمثل النسبة الكبرى لاستهلاكها من هذه المواد، فإن الآونة الأخيرة شهدت ظهور أنواع محدودة من هذه المواد يتم تصنيعها محليا، لكن اللافت للانتباه أن المصانع المختصة بتصنيع مستحضرات التجميل والعطور في جميع دول الخليج هي مصانع ذات ترخيص تجاري، أي أنها أفرع لمصانع أجنبية نشأت وكونت اسمها وسمعتها خارج المنطقة.
استيراد الصناعة
فالإمارات مثلاً تمتلك عدة مصانع تنتج العطور ومساحيق التجميل محليًّا، لكنها جميعاً تعود لأسماء شهيرة نشأت خارجها، مثل مصنع "أجمل لتصنيع العطور" الذي يحظى بشهرة واسعة منذ بدايته في الهند، وكذلك "الرصاصي" أو مصنع العطور العربية الفرنسية، ومصنع العطور العربية السويسرية- التي تتخذ جميعها من المنطقة الحرة لدبي في "جبل علي" مقرًّا لها وتعمل على تصدير منتجاتها خارج الإمارات.
ويقول "شودري أشرف" من محلات "أجمل للعطور": إن الشركة يعود تأسيسها إلى "علي أجمل" (هندي) في الهند قبل نحو خمسين عامًا، وقد حققت منتجاتها شهرة كبيرة خاصة في منطقة الشرق الأوسط؛ لأنها ركزت على صناعة العطور الطبيعية.
وأضاف: افتتحت محلات "أجمل" معرضًا لبيع المنتجات لها في دبي عام 1976، والآن لدينا مصنع كبير يقوم على تصنيع جميع المنتجات التي تحمل الاسم التجاري، فضلاً عن مصانع في بعض دول الخليج الأخرى، مشيرًا إلى أن الشركة تروج منتجاتها من خلال 55 فرعًا في منطقة الشرق الأوسط.
وذكر أن إنشاء مصانع في منطقة الخليج ومنها دبي يعود إلى الإقبال المتزايد على منتجات أجمل من قبل الخليجيين، وأن وجود مصانع يساعد على تأكيد المكانة في السوق.
صناعة سرية
هذه المصانع ذات الترخيص التجاري ليست الوحيدة المعنية بتصنيع العطور ومستحضرات التجميل في الإمارات؛ فانقسام جمهور المستهلكين إلى صنفين؛ الأول صنف ميسوري الحال الذين يحرصون على شراء الماركات العالمية من دون التفكير في أثمانها، والثاني صنف متوسطي الدخل وغالبيتهم وافدون – فرض سوقًا لمستحضرات التجميل يقوم في معظمه على التقليد ومقاربة الأسماء العالمية الشهيرة.
كما أوجد مصانع صغيرة أغلبها لا يخضع لرقابة رسمية تقوم على تصنيع عطور غير مطابقة للمواصفات. ومع أن أسعارها تفضح التقليد والغش مقارنة بالعالمية إلا أنها تلقى رواجًا لدى عدد غير قليل من سكان الإمارات غالبيتهم وافدون.
ويعتبر مروجو الماركات العالمية وصناعها هذه الصناعة السرية أكبر مصدر يهدد تجارتهم بسبب ما تفرضه من منافسة وصفها "شودري" بأنها غير شريفة، لكنه عاد ليؤكد أن هناك فئة غير قليلة تعرف بالدقة ماذا تريد، ويمكنها إدراك الأصلي من المقلد.
وقال: "هناك أشخاص اعتادوا التبضع من محلات تضمن لهم الجودة والعراقة، خصوصًا في مسألة تتعلق بالزينة، وهؤلاء لن تخسرهم المحلات التي تبيع الماركات الأصلية، كما لن تجذبهم البضائع المقلدة".
في كل الأحوال؛ فصناعة التجميل استيرادا وتصديرا أصبحت لها مكانة في الخليج، خاصة أن الخليجيات يقبلن على التجميل حتى يصبحن جميلات في أعين أزواجهن
الواحد يوم بيحصل فلوس ماتعب عليهن بيسوي اكثر من جذة