تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الظلم ظلمات يوم القيامة

الظلم ظلمات يوم القيامة 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أمر الله سبحانه وتعالى عباده المسلمين بالعدل بقوله: " اعدلوا هو أقرب للتقوى " (1).
والأمر بالعدل يتعلق بكل الأفعال والمعاملات، حتى تلك المتعلقة بالعلاقات مع أهل الكتاب، وقد قرن عز وجل بين العدل والتقوى في الآية السابقة، لكون النفس الإنسانية تميل بطبعها إلى حب الاستئثار، مما قد يؤدي في بعض الأحيان إلى ظلم الآخرين، فكان التخويف من الله عز وجل وعقابه وسيلة لردع المسلم التي تحدثه نفسه بالظلم.
والظلم الذي هو " انحراف عن العدالة، ووضع الشيء بغير موضعه " (2)، أمر جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة لتحذر منه، ولتوعد الظالم بأشد العقاب في الدنيا والآخرة.
ومن هذه الآيات القرآنية نذكر قوله تعالى: " لا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون * إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار، مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هــواء" (3).
ومن الأحاديث النبوية نذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " الظلم ظلمات يوم القيامة " (4).

أنواع الظلم
تتعدد لفظة الظلم في القرآن الكريم، فهي ترد في كثير من الأحيان بحق من ظلم نفسه، كما ترد بحق من ظلم الآخرين واعتدى عليهم.
وقد اعتبر الراغب الأصفهاني أن ظلم النفس يدخل تحته كل أنواع الظلم، لأن الظالم أول ما يهمّ بالظلم يكون قد ظلم نفسه.
فالظلم إذاً متعدد، فقد يكون في أغلب الأحيان ظلم للنفس، عن طريق بُعد الإنسان عن الالتزام بمنهج الله واتباعه لمنهج الشيطان، فيخسر بذلك الدنيا والآخرة، وقد ورد ذكر هذا النوع من الظلم في القرآن الكريم بقوله عز وجل: " إن الشرك لظلم عظيم"(5)، وقوله تعالى: "والكافرون هم الظالمون " (6).
ويدخل في هذا النوع أيضاً الظلم الذي ينال الأمة بأسرها حين تبتعد عن منهج الله، وعن العمل على رفع راية " لا إله إلا الله " عبر إقامة منهج الله، فتظلم نفسها ويتكالب الأعداء عليها، ذلك لأن الله سبحانه وتعالى لم يَعِدْ الأمة الإسلامية بالنصر إلا في حال الالتزام بالمنهج الرباني، فقال عز وجل: "ولينصرن الله من ينصره " (7).
وقد يأتي الظلم من قبل الآخرين، حيث يقومون بنهب الأموال وانتهاك الأعراض والمشي بين الناس بالنميمة بغية تخريب البيوت وإشباع نزعات الحسد والحقد التي تملأ قلوب بعض من فقد الإيمان بالقضاء والقدر.
وقد وصف الراغب الأصفهاني الظالم بأنه "يتعطل عن المكاسب والأعمال، فيأخذ منافع الناس ولا يعطيهم منفعة، ومن خرج عن تقاضي العدالة بالطبع والخُلُق والتخلق والتصنع والرياء والرغبة والرهبة، فقد انسلخ من الإنسانية" (8).

خطورة الظلم
تعتبر معصية الظلم أشد المعاصي لما فيها من "مبارزة الرب بالمخالفة، والمعصية فيه أشد من غيرها لأنه لا يقع غالباً إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار " (9).
لذلك فقد قرن الله سبحانه وتعالى العفو عن هذه المعصية بعفو المظلوم وطلب المغفرة منه، وإلا أخذ الله من حسنات الظالم وجعلها في ميزان حسنات من ظلمه، وقد حذر العلماء رضوان الله عليهم من خطورة الظلم فقال سفيان الثوري رحمة الله عليه: "إن لقيت الله تعالى بسبعين ذنباً فيما بينك وبين الله، أهون عليك من أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد" (10).
ومن هنا تأتي أهمية علاج موضوع مثل موضوع الظلم، وتبيان عقوبة الله للظالم، ونصرة الله للمظلوم .

عقوبة الله للظالم
لا بد للظالم في البدء من أن يعرف من الذي يبارزه بالمخالفة، فهو يبارز الله عز وجل، وهو إذا أفلح في الانتصار على المظلوم، فإنه لن ينجو من الذي لا يسهو ولا ينام، وقال تعالى في وصف تصرفات هؤلاء الظالمين يوم القيامة بقوله: "ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة " (11) .
والله سبحانه وتعالى، وإن أمهله، إلا أنه لن يتركه بدون عقاب، وذلك لأسباب عديدة منها:

أولاً: تحريم رب العالمين للظلم، فقد قال تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا " (12).

ثانياً: اتصاف رب العالمين بصفات كثيرة ذكرها لعباده وحذرهم منها، ومن هذه الصفات أنه المنتقم، الشديد العقاب، وقد عرف الغزالي المنتقم بأنه " الذي يقصم العتــاة، ويُنَكِّل بالجناة، ويشدد العقاب على الطغاة، وذلك بعد الإعذار والإنذار، وبعد التمكين والإمهال " (13) .

ثالثاً: أمر الله عباده بنصرة المظلوم والابتعاد عن الظالم: فقال تعالى: " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا، فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون " (14).

رابعاً: إنزال الله سبحانه وتعالى العذاب بالظالم في الدنيا قبل الآخرة، فقال عز وجل "وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون"
(15)
ومن العذاب الدنيوي أيضاً موت الولد والإبادة الجماعية، وهذه العقوبة جاءت بها كل الشرائع السماوية إلا أن أبناء هذه الشرائع قاموا بتبديل ما أتاهم خدمة لأهوائهم، فقد ذكر سبط *** الجوزي أن الله أوحى " إلى موسى عليه السلام: قل لبني إسرائيل يجتنبوا الظلم، فوعزتي وجلالي إن له عندي مغبة سوء، قال موسى: رب وما مغبته؟ قال: أَثْكُلُ فيه الولد، وأُبيد فيه العشيرة، وأُقَصِّر فيه الأجل ثم الثَّواءُ بعد ذلك النار " (16) .
وقد جاء القرآن الكريم ليؤكد على هذه العقوبة، حيث جاء في مجلس *** عباس، " قال كعب الأحبار: إني لأجد في كتاب الله المنزل ( أي التوراة ) " إن الظلم يخرب البيوت "، وقال *** عباس:" قد أوجدك الله في القرآن: " فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا " (17).

خامساً: تأخير الله سبحانه وتعالى العقاب الأكبر لليوم الآخر، فقال عز وجل: "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" (18).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ضَرَبَ ضرباً ظُلماً اقْتُصَّ منه يوم القيامة" (19).

سادساً: جعل الله للمظلوم سبيلاً على الظالم، وجعل دعوة المظلوم لا ترد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اتق دعوة المظلوم، فإنها ليست بينها وبين الله حجاب " (20).
وأنشد أبو طاهر الخزيمي شعراً فقال:
لا تظلمن إذا ما كــــنت مقتدراً… فالظلــــم آخره يأتيك بالنــدم
نامت جفونك والمظلوم منتصب… يدعو عليك وعين الله لم تنم

نصرة المظلوم
وعد الله سبحانه وتعالى المظلوم بالنصر ولو بعد حين، وقد فتح له أبواباً عديدة وأمكنه من الاستعانة بها في حال تعرضه للظلم، منها:

أولاً: فتح باب الشكوى والتظلم، فقال تعالى: "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعاً عليماً " (21).
قال الطبري من طريق السدي: قال في قوله: "إلا من ظُلم " أي فانتصر بمثل ما ظُلم به فليس عليه مَلام.

ثانياً: الرضا بالقضاء لأن ما حصل، وإن كان على يد ظالم، إلا أنه حصل بقضاء الله وقدره.
وقد قال *** قيم الجوزية: "فكل ما تراه في الوجود ـ من شر وألم وعقوبة وجدب، ونقص في نفسك ومن غيركـ فهو من قيام الرب تعالى بالقسط، وهو عدل الله وقسطه، وإن أجراه على يد ظالم، فالمسلِّط له أعدل العادلين (22)، كما قال تعالى لمن أفسد في الأرض: "بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار" (23 ) .

ثالثاً: الثقة بحكمة رب العالمين بأفعاله، فقصة الخضر مع موسى عليهما السلام ماثلة للعيان حيث قام بخرق سفينة المساكين الذين كانوا يعيشون منها، لغاية أسمى جهلها موسى لعدم علمه بالغيب.

رابعاً: الالتجاء إلى الدعاء مع الوعد بالإجابة، وقد قال أحد الصالحين في دعاءه على من ظلمه : "يا رب خلقتني وخلقته، وجعلته قوياً وجعلتني ضعيفاً، ثم سَلَّطْتَهُ عليَّ فلا أنا منعته من ظلمي ولا أنت جعلتني قويا أمتنع من ظلمه فأسألك بالقدرة التي بها خلقته وجعلته قويا وجعلتني ضعيفا أن تجعله عبرة لخلقك " (24) .
والدعاء هنا لا يختص بالمظلوم فقط، إذ على كل مؤمن أن يحصِّن نفسه من الظلم وأن يستعذ بالله منه كما أمر الله تعالى عباده بقوله "ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين" (25).
لذلك على المظلوم أن يتذكر نعمة الله عليه أن جعله مظلوماً ولم يجعله ظالماً، فإذا جاءه الظالم نادماً يطلب منه المغفرة والصفح، فليتذكر قول الله تعالى "وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم" (26) .

وفي الختام لابد من التأكيد على أن معركة الظالم هي معركة خاسرة، لكون المظلوم متمتعاً بالحصانة والدعم من رب العالمين وفي هذا المعنى يقول سبط *** الجوزي " انقسمت كلمة (لا اله إلا الله) بين الظالم والمظلوم فمع الظالم لا إله، وليس مع المظلوم إلا الله" (27).

——————————————————————————–

(1) سورة المائدة : آية 8 .
(2) الفيروز أبادي ، القاموس المحيط ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، الطبعة الرابعة ، 1415 هـ ، 1994 م ، ص1464.
(3) سورة إبراهيم ، الآيتان 42 ، 43.
(4) رواه البخاري .
(5) سورة لقمان ، آية 13 .
(6) سورة البقرة ، آية 254.
(7) سورة الحج ، آية 40 .
(8) الراغب الأصفهاني ، الذريعة إلى مكارم الشريعة ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1400 هـ ، 1980 م ، ص248
(9) *** حجر العسقلاني ، فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج5 ، دار الريان للتراث ،الطبعة الأولى ، 1407 هـ ، 1986م ، ص121.
(10 ) السمرقندي ، تنبيه الغافلين ، دار *** كثير ، دمشق ، الطبعة الثانية ، 1415 هـ ، 1995 م ، ص 380.
(11) الزمر ، آية 47 .
(12) رواه مسلم .
(13) الغزالي ، المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى ، ص124 .
(14) سورة هود ، آية 113 .
(15) سورة الطور ، آية 45.
(16) سبط *** الجوزي ، الجليس الصالح والأنيس الصالح ،رياض الريس للكتب والنشر ، لندن ، ص76 .
(17) سورة النمل ، آية 152
(18) سورة الشعراء ، آية 227 .
(19) حديث صحيح رواه البخاري في الأدب المفرد ، عالم الكتب ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1404 هـ ، 1984 م ، ص77.
(20) رواه البخاري .
(21) سورة النساء ، آية 148
(22) *** قيم الجوزية ، تهذيب مدارج السالكين ، ج1 ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، الطبعة الرابعة ، 1412 هـ ، 1991م، ص361 .
(23 ) سورة الإسراء ، آية 5 .
(24) ابو محمد اليافعي اليمني ، روض الرياحين في حكايات الصالحين ، ص240 ،
(25) سورة يونس ، آية 85 .
(26) سورة النور ، آية 122 .
(27) سبط *** الجوزي ، الجليس الصالح والأنيس الناصح ، ص124 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.