وقد يتساءل العضو حول مسألة تقديمي للشر علي الخير في هذا الخطاب، فجوابي له هو أنني قدمت الشر علي الخير لأن الشر صار أعم وأشمل من الخير في هذا الزمان، حيث صار يدا تبطش، ونفسا تظلم، وعقلا يخطط للشر متي وأين وكيف يحترق الناس بناره الظالمة العاتية.
ولكل من الخير والشر أناس، فبعضهم خير البرية، وخير كلهم، وهؤلاء من اصطفي الله من عبادة من ملائكة ورسل وأنبياء وممن رحم ربي من خاصة الناس، ومنهم من هو نصف خير يكمله بنصفه الآخر شر، وهؤلاء ممن يفعلون السوء ثم يستغفرون الله تائبين من قريب، ومنهم من هم الشر بعينه لا تخالطه ذرة خير، وهؤلاء ح** إبليس الذي يورث الشر فيهما، وربما تعاقب عليه بعض أبنائهم.
والشر قد يأتي قولا يقال من الناس بالألسن فيما تجرح، ومنه تتأجج الأفئدة، وتغلي العقول، فأولئك أناس يتحينون متي وكيف وأين يوقعون الشر ليسود، أو قد يكون من بطش الأيادي الظالمة، وقد يكون مسطرا في صحف مكتوبة.
ويا ويل معظم أناس هذا الزمان الذي يفاخرون بفعلهم الشر ويعتزون به، وتنشرح لأفعالهم وكتاباتهم صدورهم حين يصيبون بشرهم الآخرين، إما قول زور، أو مد يد جائرة، أو تقريرا ملفقا كذبا أوصموا به عاقلا بتهمة هو بريء منها.
ولا يوجد زمان يخلو من الشر علي اختلاف صنوفه، ولا من الأشرار علي اختلاف سلوكياتهم ومناهجهم، ودوافعهم وأهدافهم من خلال الأجيال المتتابعة خلقا المتعاقبة شرا.
فيا عزيزي العضو كن طالبا للخير، يطلبك الخير نفسه، فتنعم في حياة هانئة هادئة سارة، إن حييت دنياك فأنت في عز وكرامة، وإن مت فأنت في طيب ذكر يذكرك به الآخرون، وإن بعثت في آخرتك فأنت في رحمة من الله وحسن مأوي، فلا ترجو بشرك مفازة عند ذي شأن دنيوي عظيم، واحرص علي أن يكون شأنك أعظم عند العظيم، سبحانه، الخالق الذي هو سبحانه أشد عظمة من تعظيم المخلوق كما يزينه لك شرك، ولا تبيعن يومك الطويل بيومك القصير، ودار مستقرك بدار هي أشبه بظل نخلة أخذت فيه قيلولة ثم زال، فما أحوجك إلي رحمة الله سبحانه العادل الذي لا يظلم حين يكون الخلق كله بارزين له، وما أحوجك أيها الفقير مهما كنت غنيا في الدنيا إلي ملك لا يفني في الآخرة، وما طلب ذاك الملك إلا بالعمل الصالح، مبتعدا عن الظلم الذي هو الأصل في الشر، فالسرقة ظلم وهي من الشر، والقتل ظلم وهو من الشر، والزنا ظلم بل وعدوان وهو من الشر، وكل ذلك وما وافقه شبها هو ظلم وهو من الشر، وكل عمل لا تخاف الله في فعله أو قوله فهو شر.
واعلم انه من نعم الله علي عبده إذا احبه أوجد في قلبه الخوف والوجل منه سبحانه، واعلم ان الخوف من الله هو سمو عظيم، مع ان الخوف من الخلق جبن أليم، ولا تقل ان الخوف الذي أوجده الله في نفسي سبحانه هو تعذيب لي في الدنيا، بل هو رحمة من الله لك في آخرتك.
واعلم ان الخوف من الله هو الذي يردعك عن أفعال الشر ما ظهر منها وما بطن لتغسل من ذنوبك وكبائر أفعالك حتي تلقي ربك راضيا عنك وأنت راض عنه، واعلم ان الخوف نفسه هو في معرض رحمة الله بالإنسان في الآخرة، وهو رحمة أيضا منه سبحانه بالإنسان في الدنيا، فهو في الدنيا رحمة بك لتتجلي معتمرا وجدانك بالخوف من كل أمر تفعله من أمور الدنيا، فأنت دائم الخوف من الوقوع في المحظور أو المخالف حتي لا تأتي عليك سوء العواقب لتبقي بهذا الخوف آمنا مطمئنا من أن يطالك أي عقاب دنيوي، فخوفك هذا رحمة من الله بك لينقذك من بطش الباطشين، ومكر الماكرين، وكيد الكائدين، وظلم الظالمين وسوء العقبي في كل أمر دنيوي، فبذلك الخوف تتحري البعد عن الشر لتعيش في الأمن والأمان والطمأنينة في أعماقك، فقال المثل الشعبي، وما كذب الأولون حين قالوا: (من خاف سلم).
نسأل الله سبحانه أن يقينا شرور أنفسنا وشر الآخرين وظلمهم إيانا، ونسأله سبحانه أن يقينا شر إبليس الرجيم الذي يزين لنا سوء العمل فنراه حسنا.
جزاك الله كل خير على ما سطرت يمينك
رفع الله قدرك واعلى منزلتك وسدد خطاك في القول والعمل
أشكركم أخوانــي على مشاركتكم وردودكــم وان شاء الله تكون الموضوع نال
على استحسانكــم ورضاكـــــــم