السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الخطر الذي يحدق اليوم بالحضارة الغربية كما أحدق من قبل بالحضارتين اليونانية والرومانية نتيجة تبرّج المرأة واختلاطها الفاحش بالرجال، سيحدّق بنا نحن أيضا مع فارق واضح، وهو أن هذه الحضارات التي كان تبرّج المرأة مرضا من أمراضها القاضية عليها قد بلغ أصحابها ذروة الحضارة عندهم، بينما يحدّق بنا نحن أمة الإسلام الخطر ونحن في أول طريق النهوض والتقدّم ! ومن العجيب أن يراد لنا أن نبدأ من حيث انتهى غيرنا، وأن نساير الغرب في أمر بدأوا يعلنون أنه سيقضي على حضارتهم.
وليس للأمّـة مصلحة في استجلاب هذا الخطر إلى بيوتها وأسرها، وهي هانئة تنعم بالاستقرار أو التماسك وجو الحب والثقة، الأمر الذي لا يعرفه الغربيون بعد أن تفشت فيهم تلك الأمراض، بل بدؤوا يحثّون إليه، ويعلنون عن أسفهم للحرمان منه.
وفي يقيني أن هؤلاء الذي يحضّون المرأة في أدبهم على الخروج على الآداب الصالحة التي عُرفنا بها، ويغرونها بأن تتبع طريق المرأة الغربية، ويعملون على حرمانها من هدوئها وسعادتها، يحملون أكبر من وزر انحراف المرأة والمجتمع في هذا التيار الضار، وقد كان الظن بهم أن يكونوا رواد نهضة حقيقة تبعث في الأمة روح الكفاح وتحبّذ لها حياتها الأسرية الهانئة. ليكون مجتمعنا في نهضته الجديدة مجتمعا متماسكا قوي البنيان.
إن هؤلاء الناس من أدباء الجنس يحملون بأيديهم معاول التهديم في صرح كياننا الداخلي المتين، وهم في هذا الطريق الذي اختطوه لا يريدون بذلك مصلحة الأمة ولا يندفعون وراء عقولهم، بل وراء أهوائهم وشهواتهم، وهم يبغون الإثراء المادي. هذا الأدب الرخيص المدمّر بين الشباب والفتيات ليقبلوا عليه ويلتهموا ما فيه.
إني لا أعرف فرقا بين أثرياء الجنس وأثرياء الحرب، فكلاهما يجد في الأزمات فرصة الربح وال**ب، بل في رأيي أن أثرياء الجنس أشد خطرا وأسوأ أثرا، فلماذا نتركهم يخربون بيوتنا باسم الحريّـة، وما كانت الحرية، الخالصة من الشوائب إلا حرية بناء لا تهديم، وحرية تقدم حقيقي لا رجوع إلى الوراء آلاف السنين حين كان الإنسان ينطلق وراء شهوته لا يبالي بمجتمع ولا يتقيد بنظام؟
ومن الغريب أن أدباء الجنس يقصرون إنتاجهم كله على هذا النوع المؤدي إلى تفسخ الأخلاق وانحلال الأسرة وشيوع الميوعة، بينما نعيش أخطر مرحلة في تاريخنا كله، مرحلة الكفاح مع إسرائيل، والكفاح يقتضي أدب الرجولة لا أدب الميوعة، أدب القوة لا الضعف، وأدب التضحية لا المنفعة، وأدب الحرمان لا اللذة وإحياء الغرائز والشهوات.
إني لأهيب بعقلاء الأمة وشبابها وفتياتها الفاضلات الطاهرات، بجمعياتها النسائية، أهيب بكل مخلص في هذه الأمة، رجالا ونساء، أن يقفوا في وجه هؤلاء العابثين يمنعونهم من التخريب باسم حرية الكلمة، ويشعرونهم أن شرف الكلمة قبل حريتها، وأن تنظيم الطاقات الجنسية هو غير كبتها كما يزعمون، وأننا في معركة لا سلاح لها إلا العلم والإيمان والأخلاق، وأن كل من يريد أن يدخل إلى بيوتنا .. إلى بناتنا .. وإلى زوجاتنا مرض الإباحية والتحلل الأخلاقي إنما هم لصوص سارقون، سارقون لأشرف ما تحتفظ به الأمة من أخلاق، وأكرم ما نعتز به من فضائل.
نحن نقول لهؤلاء اتركوا لنا بناتنا عفيفات، اتركوا لنا زوجاتنا وفيات مخلصات، اتركوا لنا شب***ا ثورة وكفاح لا شباب ميوعة وانحلال.
إن الذي يريد أن يهدم بيتي لا أتركه يتم جريمته باسم الحرية، ولكن آخذ على يده باسم القانون، ولا أتركه يحرق بيتي باسم الفن، ولكن أحول بينه وبين ما يريد باسم الحق، باسم الكرامة، باسم القوة التي نحن أحوج ما نكون إليها. والفن إذا لم يخدم مبادئ النهضة الأساسية في الأمة كان عبثا ولهوا وفسادا.
إن كل ما يقال حول قضية المرأة وتحريرها كلام فيه قليل من الحق وكثير من الباطل والتضليل، ليس في بلادنا قضية باسم تحرير المرأة بعد أن حرّرها الإسلام، وإنما هي مشكلة كانت عند الغربيين ولا تزال، وليس طلب الإسلام حشمة المرأة وتفرغها لأداء رسالتها الإجتماعية الكبرى "كبتا" للطاقة، بل "تنظيم" لها، والتنظيم غير الكبت، ووضع كل شيء في موضعه ومنعه من تجاوز حده أمر غير الفوضى والانفلات من كل حق للأسرة أو المجتمع.
وكلنا يعرف الفرق بين الكبت والتنظيم كما يعلم الفرق بين التخريب والبناء، وبين القانون والفوضى.