عجيبة هذه الدنيا ولا أعجب منها إلا حظي فيها. هذا الحظ التعس، لم تنفع فيه آلاف صفحات النجوم والحظ التي تنشرها الصحف والمجلات والتي أجمعت
ـ كاذبة ـ أني سأوفق في مشروع كبير يدر ربحاً كثيراً أو أني مقبل على أحداث سعيدة أو ترقية في وظيفة أو علاقة عاطفية… خفيفة. وأن يوم السعد كذا ورقم الحظ كذا، ويندر أن تنسى هذه النجوم إحياء آمالي بزيادة في الراتب وصعود في المراتب.
ولا أخفي أن ولعي بصفحة نجوم الحظ يكمن في قصة حياتي العملية منذ بدأتها بعد هروبي النهائي من المدرسة (وهذه حكاية سيأتي وقتها يوماً ما) أما قصة حياتي التي أنوي نشرها في كتاب مفصل بورق لماع وملون في المستقبل، فسأقتطف منها اليوم تلك الأحداث المتعلقة بالحظ.
أول عمل قمت به وكنت صغير السن (كبير العقل) كان مساعد بائع في محل للفواكه قريب من بيتنا، بعد شهر أغلق الرجل دكانه وسرَّحني من خدمته بعد أن أعلن إفلاسه. لا أعرف سبباً معقولاً لفشل تجارته في الوقت الذي كانت فيه رائجة لدرجة جعلتني لا أمنع أصحابي الذين يكثرون التردد على الدكان من ملء جيوبهم خلسة بالفواكه اللذيذة.
العمل الثاني كان عند تاجر يعمل في تهريب الذهب ويملك "لنشات" سريعة وكبيرة عجزت دوريات الهند ولسنوات عن القبض عليها. ولكن لم يمض سوى شهرين حتى استولت السلطات الهندية على كل اللنشات والبضائع الذهبية التي تحملها، فخسرت بذلك عملي الثاني. قد يتبادر إلى الذهن أنه كان لي دور في القبض على السفن، كأن أكون قد أخبرت القنصل الهندي عن موعد سفرها ووجهتها، لا قدر الله أبداً، كل ما حصل كان بسبب النحس الذي لم يفارقني حتى الآن.
علمتني هاتان التجربتان أن لا أعتمد على وظيفة بل أن أدلو بدلوي في بهلوانية المقاولات والتجارة الحرة وكانت النتيجة غرقاً في ديون لن أتمكن من تسديدها إلا بعد ثلاثة أعمار آدمية ( أي بعد 180 عاماً).
بعد هذه الصفعات تعلمت أنه لا المقاولات ولا وظيفة في القطاع الخاص يمكن أن توفر قوت الأولاد بشكل مضمون ومستمر، وأن الحل الوحيد هو وظيفة الحكومة (حكومة الإمارة التي ولدت فيها) وهكذا صار. ولكن هل تتخيلون أن تفلس الحكومة المحلية بمجرد اشتغالي في إحدى دوائرها؟ صدقوني هذا ما حصل، بدليل تأخير صرف الرواتب وانقطاع التيار الكهربائي عن البلد لعجز الحكومة عن توفير الديزل لمولد الكهرباء. بل بلغ الأمر أن رفعت بعض البنوك والشركات الأجنبية الدعاوى إلى حكومة الاتحاد تطالب بتسديد مبالغ سبق أن اقترضتها حكومة الإمارة. قد لا تتصورون العلاقة بيني وبين ما حدث للإمارة المنكوبة، وهذا شأنكم لكني متأكد أن ما حدث كان بسب نحسي الذي أحمله معي أينما حللت.
وقعت في حيرة وخوف وكدت أصاب باليأس لولا مشورة أحد الأصدقاء علي بأن أنتقل إلى مؤسسة اتحادية، أي وزارة من وزارات الاتحاد حيث الميزانية المعروفة والكادر المحدد والدرجة المعينة والحلقات المتسلسلة،وهكذا تم.
قاومت الدولة تأثيرات نحسي لمدة سنتين، وحتى أثناء تلك الفترة كان مفعول سوء حظي يفعل فعله بين وزارة المالية ومشكلة التصديق على الميزانية وكذلك لغز المساهمة فيها.
ففي السنة الأولى لم يرصد من الميزانية إلا ما يوازي الشهور المتبقية من السنة وفي العام الثاني تأخرت ونتف ريشها. وهذا العام تجلى سوء حظي حين قرروا حرمان الموظفين أمثالي من الزيادة في الرواتب رغم غلاء كل شيء.
لم يحزنني حالي، فقد تعودت عليه وأتوقع الكوارث أينما ذهبتُ، لكن الذي آلمني حقاً هو حال مئات الموظفين الفقراء والمستخدمين والسواقين الذين تسببت في إيذائهم وحرمانهم من الزيادات المستحقة لهم.
وما لا يدع مجالاً للشك في كوني السبب هو أنه بعد خروجي من الدائرة المحلية التي كنت أعمل بها تغير الحال، ليس حال موظفي الدائرة فحسب بل حال الإمارة كلها فقد أعلن عن زيادة لكل موظفي الدوائر المحلية، وعن توزيع أراض وعن وعن وعن…
بعد كل هذه التجارب تيقنت واقتنعت بعلتي، لكن ما لم أعرف له تفسيراً، هو كيف استطاعت الإمارة أن تنهض من كبوتها التي سببتها الديون وزيادة الرواتب وغير ذلك دون أن تبيع برميلاً واحداً من النفط وهو على أي حال، لم يستخرج بعد؟ أم
يا ترى تم ذلك من بيع الأراضي التي اشتهرت بها، وهل تكفي قطع الأراضي "الصغيرة" لتوفير مثل هذه المبالغ؟!. هذا شأن لا يعنيني والأفضل لي الآن بعد أن نجحت في تفليس الميزانية الاتحادية العودة إلى إمارتي واقتناص الفرصة السانحة، أما المستقبل… فلكل حادث حديث.
منقول