[ ذكر د. توفيق الواعي – حفظه الله – قائلا : ( أرسلت الدولة اليابانية في بدء حضارتها بعوثاً دراسة إلى ألمانيا كما بعثت الأمة العربية "و الإسلامية" بعوثاً ، و رجعت بعوث اليابان لتحضِّر أمتها ، و رجعت بعوثُنا خاوية الوفاض !! فما هو السر ؟ لنقرأ هذه القصة حتى نتعرف على الإجابة ) .
يقول الطالب الياباني " أوساهير" الذي بعثته حكومته للدراسة في ألمانيا: لو أنني اتبعت نصائح أستاذي الألماني الذي ذهبت لأدرس عليه في جامعة هامبورج لما وصلت إلى شيء ، كانت حكومتي قد أرسلتني لأدرس أصول الميكانيكا العلمية ، كنت أحلم بأن أتعلم ، كيف أصنع محركاً صغيراً ؟ كنت أعرف أن لكل صناعة وحدة أساسية أو ما يسمى "موديل" هو أساس الصناعة كلها ، فإذا عرفتَ كيف تُصنع ، وضعت يدك على سر هذه الصناعة كلها ، و بدلاً من أن يأخذني الأستاذ إلى معمل ، أو مركز تدريب عملي ، أخذوا يعطونني كتباً لأقرأها ، و قرأت حتى عرفت نظريات الميكانيكا ، و لكنني ظللت أمام المحرك ، أيّاً كانت قوته و كأنني أقف أمام لغز لا يُحل ، و في ذات يوم ، قرأت عن معرض محركات إيطالية الصنع ، كان ذلك أول الشهر ، و كان معي راتبي ، وجدت في المعرض محركاً قوة حصانين ثمنه يعادل مرتبي كله ، فأخرجت الراتب و دفعته ، و حملت المحرك ، و كان ثقيلاً جدّاً ، و ذهبت إلى حجرتي ، و وضعته على المنضدة ، و جعلت أنظر إليه ، كأنني أنظر إلى تاج من الجوهر ، و قلت لنفسي : هذا هو سر قوة أوروبا ، لو استطعت أن أصنع محركاً كهذا لغيرت تاريخ اليابان ،
و طاف بذهني خاطر يقول : إن هذا المحرك يتألف من قطع ذات أشكال و طبائع شتَّى ، مغناطيس كحذوة الحصان ، و أسلاك ، و أذرع دافعة ، و عجلات و تروس و ما إلى ذلك ، لو أنني استطعت أن أفكك قطع هذا المحرك ،و أعيد تركيبها بالطريقة نفسها التي ركبوها بها ، ثم شغَّلتُه فاشتغل ، أكون قد خطوت خطوة نحو سر "موديل" الصناعة الأوروبية ، و بحثت في رفوف الكتب التي عندي ، حتى عثرت على الرسوم الخاصة بالمحركات ، و أخذت ورقاً كثيراً ، و أتيت بصندوق أدوات العمل ، و مضيت أعمل ، رسمت المحرك ، بعد أن رفعت الغطاء الذي يحمل أجزاءه ، ثم جعلت أفككه ، قطعة قطعة ، و كلما فككت قطعة رسمتها على الورقة بغاية الدقة ، و أعطيتها رقماً ، و شيئاً فشيئاً فككته كله ، ثم أعدت تركيبه ، و شغلته فاشتغل ، كاد قلبي يقف من الفرح ، استغرقت العملية ثلاثة أيام ، كنت آكل في اليوم وجبة واحدة ، و لا أصيب من النوم إلا ما يمكنني من مواصلة العمل و حملت النبأ إلى رئيس بعثتنا فقال : (حسناً ما فعلت ، الآن لابد أن أختبرك ، سآتيك بمحرك معطل ، و عليك أن تفككه ، و تكشف موضع الخطأ و تصححه ، و تجعل هذا المحرك العاطل يعمل ) ، و كلفتني هذه العملية عشرة أيام عرفت أثناءها مواضع الخلل ، فقد كانت ثلاث من قطع المحرك بالية متآكلة ، صنعت غيرها بيدي ، صنعتها بالمطرقة و المبرد .
بعد ذلك قال رئيس البعثة الذي كان يتولى قادتي روحيّاً … قال : ( عليك الآن أن تصنع القطع بنفسك ، ثم تركبها محركاً ، و لكي أستطيع أن أفعل ذلك التحقت بمصانع صهر الحديد ، و صهر النحاس ، و الألومنيوم ، بدلاً من أن أعد رسالة الدكتوراة كما أدرا مني أساتذتي الألمان ، تحولت إلى عامل ألبس بذلة زرقاء و أقف صاغراً إلى جانب عامل صهر المعادن ، كنت أطيع أوامره كأنه سيد عظيم ، حتى كنت أخدمه وقت الأكل ، مع أنني من أسرة ساموراي ، و لكنني كنت أخدم اليابان و في سبيل اليابان يهون كل شيء ** ، قضيت في هذه الدراسات و التدريبات ثماني سنوات ، كنت أعمل خلالها ما بين عشر و خمس عشرة ساعة في اليوم ، و بعد انتهاء يوم العمل كنت آخذ نوبة حراسة ، و خلال الليل كنت أراجع قواعد كل صناعة على الطبيعة .
و علم "الميكادو" – الحاكم الياباني – بأمري فأرسل لي من ماله الخاص ، خمسة آلاف جنيه إنجليزي ذهب ، اشتريت بها أدواتِ مصنعِ محركات كاملة ، و أدوات و آلات ، و عندما أردت شحنها إلى اليابان كانت النقود قد فرغت ، فوضعت راتبي و كل ما ادخرته ، و عندما وصلت إلى "نجازاكي" قيل لي : إن "الميكادو" يريد أن يراني ، قلت : لن أستحق مقابلته إلا بعد أن أنشئ مصنع محركات كاملاً ، استغرق ذلك تسع سنوات ، و في يوم من الأيام حملت مع مساعدي عشرة محركات (صنع في اليابان) ، قطعة قطعة ، حملتها إلى القصر ، و دخل "الميكادو" و انحنينا نحييه و ابتسم ، و قال : ( هذه أعذب موسيقى سمعتها في حياتي ، صوت محركات يابانية خالصة ، هكذا ملكنا "الموديل" و هو سر قوة الغرب ، نقلناه إلى اليابان ، نقلنا قوة أروبا إلى اليابان ، و نقلنا اليابان إلى الغرب )
أما نحن العرب .. طبعا مستحيل نرضخ ونعمل بهذه المهن .. في سبيل العزة والكرامة . .وبالتالي كانت دراساتنا والأموال التي صرفت على بعثاتنا العربية لم ننل منها إلا كلام في كلام .
شكرا اخي الفاضل على هذا النقل فعلا هناك فرق بينا وبينهم
هم يخدمون بلدهم وعربنا يخدمون أنفسهم ..