إن الذي يفقد محبة الله ورسوله من قلبه، لا يكون مؤمناً بالله ورسوله، لأن محبة الله هي لب عبادة الله وركنها، ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم تابعة لمحبة الله، فهي أيضاً من لب العبادة لله.
ويجب أن يكون الله ورسوله أحب إلى المؤمنين من نفسه وماله وولده والناس أجمعين.
والذي تكون قرابته وزوجه وماله وتجارته، أحب إليه من الله ورسوله، فليس من أهل الهدى ودين الحق، وإنما هو من الفاسقين، كما قال تعالى: قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون **ادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين [التوبة: 24].
والإنسان إذا كان الله ورسوله أحب إليه من هذه الأمور المشتملة على أنواع المحاب الدنيوية، فإنه لا يُقدّم ما يحبه طبعاً أو يهواه على ما يحبه الله ورسوله شرعاً، وهذا هو منبع الأمن، لأنه لا يمكن أن يعتدي على حقوق الآخرين لا لنفسه ولا لمن يحبه طبعاً، لعلمه أن ذلك مما يسخط الله ويجعله في عداد الفاسقين، ولأنه يقدّم محبة ما يحب الله ورسوله على ما تحبه نفسه أو يحبه أقاربه الذين يحبهم.
وهذه جملة من الأحاديث الواردة في محبة الله ورسوله ومحبة ما يحبه الله ورسوله:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث من كن فيه وجد بهن طعم الإيمان: من كان الله ورسوله أخب إليه مما سواهما، ومن أحب عبداً لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر – بعد أن أنقذه الله منه – كما يكره أن يلقى في النار)) [البخاري (1/9-10) ومسلم (1/66)].
وفي حديث أنس – أيضاً – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)) [البخاري (1/9)].
تأمل صيغتي نفي الإيمان في حديثي أنس الأخيرين، إنهما بعبارة واحدة: (لا يؤمن أحدكم)، إلا أنه في الأول قال: ((حتى أكون أحب إليه من والده وولده …)) وفي الثاني قال: ((حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) ومعنى هذا أنه إذا لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه، لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من والده وولده .. ومن أضرّ الناس واعتدى على حقوقهم ولم يأمنوه على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، فإنه لا يكون محباً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم المحبة الشرعية التي أرادها الله تعالى منه.
وقد بين الله سبحانه وتعالى أن الذي يحب الله على الحقيقة – ويحب رسول الله كذلك – لا بد أن يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من عند ربه، وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم [آل عمران: 31].
والذي يحقق محبة الله ورسوله باتباعه لرسوله صلى الله عليه وسلم، هو الذي يأمنه الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، لأن ذلك كله مما يحبه الله ورسوله، ويجب عليه اتباعه حتى تتحقق له محبة الله ورسوله، باتباعه للرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه على محبته أكثر من محبتهم لأنفسهم، ليقدموا محاب الله ومحاب رسوله على محاب أنفسهم، كما في حديث عبد الله بن هشام، رضي الله عنه، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء، إلا نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك)) فقال عمر: والله لأنت أحب إلى من نفسي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((الآن يا عمر)) [البخاري (7/218)].
فعلى الذين ينشدون في مجتمعاتهم أمن الناس على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم وسائر حقوقهم، حاكمين ومحكومين أن يربّوا أفرادهم وأسرهم على محبة الله تعال ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومحبة كل ما يحبه الله ورسوله، حتى يقدموا محاب الله ورسوله على محاب كل أحد سوى الله ورسوله، حتى ولو كانت أنفسهم.
أما تربية الناس على حب غير الله ورسوله، فإن في ذلك الدمار والهلاك وعدم الأمن والاستقرار، لأن الذي يربي الناس على حب نفسه لا يلبث الناس أن ينقلبوا أعداء له، لأن حب غير الله لا يدوم في نفوس الناس، بسبب أنهم جبلوا أن لا يحبوا أحدا غير الله إلا لمصالح مادية تعود عليهم، فإذا وجدوا مصالح مادية عند غير محبوبهم الأول أكثر، مالوا إلى هذا ووقفوا معه ضد ذاك، وهذا ما يشاهد في هذه الحياة.
أمّا إذا حبّ الناس أحداً ل،له واستقام على طاعة ربه، فإن حبهم له لا يتغير غالبا،ً لأنه تابع لمحبة الله، ومحبة الله ثابتة في قلب المؤمن، وكذلك محبة من يحبه الله.