–
تكررت قصة فرعون كثيرا في القرآن الكريم ..
معنى ذلك أن علينا أن نعيد تأمل هذه القصة كثيرا وطويلا
ففي هذه القصة دروس كثيرة وعبر متعددة ، نحتاجها في حياتنا ..
لقد أغرى فرعون ما يرى عليه نفسه من ملك وصولة وصولجان
ومملكة وسلطان ، وكلمة نافذة مسموعة ،
وخنوع الآخرين بين يديه ، واستجابتهم له ..
لقد أغراه ذلك كله فتمرد واستكبر ، واستطال واستعرض ،
وأخذته رعونة نفسه أي مأخذ ، وانتفخ رأسه ، وتولى بركنه ،
وادعى ما ليس له .. وعتا وبغى وطغى ..
وظلم واستبد .. وجحد وعاند وكابر .. وانتفش وانتفخ ..
وأرغى وأ**د .. وأبرق وأرعد .. ووعد وتوعد .. وبطش وقتّـل ..
وسخر من المؤمنين القلة ، واستخف بهم ، واستصغر من شأنهم
وضيق الخناق عليهم ، وحمل حملاته المكثفة عليهم ..
وطاردهم في كل مكان ، وحرك طاحونته الإعلامية لتشويه صورتهم
والاستخفاف بهم على مدار الساعة ..
والله خلال ذلك كله يمهله المرة بعد المرة .. وهو يزداد طغيانا وعتوا كبيرا .
فآتاه الله من حيث لا يحتسب ، وانتقم منه أي انتقام ..
( فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا .. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )
أخذه الله وجنوده أخذ عزيز مقتدر ، بدون حرب أصلا .. وبلا مواجهة !!!
استاصلهم الله عز وجل ، وجعلهم عبرة في فم التاريخ ..
( وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ )
وأصبحت قوة فرعون ال***فية شيئا يُحكى ، ويتفكه به في المجالس !!
لم تنفعه حشوده .. ولم يغن عنه ما جمع من عدد وعتاد ..
( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
فَسَيُنْفِقُونَهَا .. ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً .. ثُمَّ يُغْلَبُونَ .. وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ )
وانتهت الأسطورة ، كما انتهت قصص الجبابرة من قبله ..
( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ .. مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ ..
يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ .. وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ
وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ )
يسقى من ماء صديد :
قيل أنه ما يخرج من جوف الكافرين وقد خالطه الدم والقيح
يسقونه ويتجرعونه كارهين مرغمين .. وإذا قرب وجهه منه شوى وجهه ..
فإذا شرب منه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره ..
وهو خلال ذلك يتألم اشد الألم من كل عصب وعرق وحتى من أطراف كل شعرة فيه !!
وتأتيه أنواع من العذاب المروع على صور مختلفة مهولة ..
ويبقى في العذاب والنكال ، كل لون أغلظ مما سبقه .. والملائكة تقول له متهكمة :
( ذُقْ .. إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ !!!) ذق ما جنته يداك ..
والخلاصة ..
إن الله يريد منا أن نتذكر أحوال الأمم الغابرة ، وما حل بها
وهي أمم كثيرة ، لا يعلم عددها إلا الله وحده ، كلها ذهب غير مأسوف عليه
( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ …)
كذبوا وطغوا وتجبروا وأوعدوا وأبرقوا وسخروا …
( فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ .. وَقَالُوا : مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً … )
ثم ماذا ؟
ثم كنستهم الأقدار .. وأصبحوا أثرا بعد عين ، وخبرا من الأخبار !!
وانتهت تلك الجعجعة الطويلة ، وتلك الطنطنة الفارغة ، والانتفاشة الكاذبة
( فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ .. فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً ..
وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ . وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ ..
وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا .. وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )
مع أنهم في ساعة من ساعات الانتفاخ الكاذب كانوا يقولون للمؤمنين في عنجهية :
( لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا … )
لا خيار لكم .. إما معنا أو فأنتم ضدنا !!فإن كنتم علينا فسنفعل بكم الأفاعيل !!
لكن المؤمنين الصادقين الواثقين بنصر الله ثبتوا وقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ..
( … فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ .. وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ..)
وكان وعدا ربانيا ، ووعد الله لا يتخلف
ولكن هذا الوعد الرباني يحتاج إلى أهله الذين هم أهله ،
بشروط حددها الله ولم تصنعها الأهواء ..
(ذَلِكَ __ أي إهلاك الظالمين ، واستخلاف المؤمنين __ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ )
فالشرط الأساسي : أن تتعلق القلوب باليوم الآخر ..
وأن تشتاق الأرواح لمقعد صدق عند مليك مقتدر ..
فإما حياة عزيزة .. وإما شهادة وموت نبيل ، ثم تكون النقلة إلى الفردوس ورضوان من الله أكبر ..
( قُلْ : هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ..!!
وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا
فَتَرَبَّصُوا .. إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ )
يقول صاحب الظلال رحمه الله تعالى :
لابد أن ندرك جيدا أن تدخل القوة الربانية للفصل بين الرسل وبين قومهم ..
إنما يكون بعد أن يرفض المسلمون أن يعودوا إلى الكفر بعد أن أنجاهم الله منه …
وبعد أن يصروا على تميزهم بدينهم وبتجمعهم الإسلامي النظيف ..
عندئذٍ .. تتدخل القوة الكبرى لتضرب ضربتها الفاصلة
فتدمر الطواغيت الجبارين الذين يتهددون المؤمنين المستضعفين في الأرض
وليتحقق وعد الله لرسله بالنصر والتمكين .
وهذا التدخل لا يكون أبدا والمسلمون متميعون في الجاهلية ….)
( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ .. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ)
والخلاصة المفيدة
أن من سنن الله تعالى في كونه أن العاقبة للمتقين مهما كانت قلتهم وضعف عتادهم
ومهما كان تآمر العالم عليهم ..ومهما تنكر لهم الأقربون ، وتجهم عليهم الأبعدون ..
المهم أن يثبتوا على دينهم ولا يقبلوا أنصاف حلول ، وليصبروا ويصابروا ويرابطوا ويتقوا الله ما استطاعوا ..فإن العاقبة لاشك لهم
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
وسيأتيهم نصر الله من حسي لا يحتسب أحد ..
وليس ذلك على الله بممتنع ولا متعذر ولا عسير بل كل عسير فهو عليه يسير
( إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )
ولقد أهلك قوة أبرهة المنتفشة بطيور أرسلها إليهم من السماء فأهلكتهم !!
( سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً )
نسأل الله عز وجل أن يرينا في أعدائه عجائب قدرته .. عاجلا غير آجل ..
اللهم آمين .. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
سبحان الله..
الله الله ربي لا اشرك به شيئا
أخي الحبيب / الحسام
………… رحم الله والديك ورفع قدرك
شكر الله لك هذه المتابعة الواعية
أسأل الله أن تكون هذه القراءة سببا لزيادة تنوير قلبك
تحياتي إليك وخالص دعواتي