لم يقف الإسلام بالمرأة عند حد اشتراكها مع أخيها الرجل في المسئوليات _جميعها خاصها وعامها بل رفع من شأنها وقرر_ تلقاء تحملها هذه المسئوليات_احترام رأيها فيما تبدو وجاهته، شأنه في رأي الرجل تماماً سواء بسواء. وإذا كان الإسلام جاء باختيار آراء بعض الرجال، فقد جاء أيضاً باختيار رأي بعض النساء.
وقد بدأت سورة المجادلة بأربع آيات نزلت في حادثة بين أوس بن الصامت وزوجه خولة بنت ثعلب، قال أوس لزوجه: أنت علىّ كظهر أمي _وكان الرجل في الجاهلية إذا قال مثل هذا لزوجته حرمت عليه_ ثم دعاها فأبت، وقالت: والذي نفس خولة بيده، لاتصل إلىّ وقد قلت ما قلت حتى يحكم اللّه ورسوله.
ثم أتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقالت: يارسول اللّه، إن أوسا تزوجني وأنا شابة مرغوب في، فلما خلا سني، ونثرت بطني، جعلني عليه كأمه وتركني إلى غير أحد، فإن كنت تجد لي رخصة يارسول اللّه تنعشني بها واياه فحدثني بها.
فقال عليه الصلاة والسلام: ما أمرت في شأنك حتى الآن، وما أراك إلا وقد حرمت عليه، فقالت: ما ذكر طلاقا يارسول اللّه؟ وأخذت تجادله عليه السلام وتكرر عليه القول إلى أن قالت: إن لي صبية صغارا، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلىّ جاعوا، وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول: اللهم إنني أشكو إليك، اللهم فأنزل على لسان نبيك، وما برحت حتى نزلت الآيات الأربع:
«قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا وَتَشْتَكِى إِلِى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَآ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ».
نزلت الآيات تشنع على الذين يقولون لزوجاتهم «أنت علىّ كظهر أمي»، وتضع طريقاً للخلاص من هذا الكذب والافتراء وتجاوز حدود اللّه، وتبين أن «الظهار» وهو تشبيه الزوجة بالأم أو غيرها من المحارم، وليس طلاقاً ولاموجباً للفرقة بين الزوجين: «وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللاَّئِى تُظَاهِرُونَ مِنْهنَّ أُمَّهَاتِكُمْ». «الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآئِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِم إِنْ أُمَّهَاتُهُم إِلاَّ الَّلائِى وَلَدْنَهُم وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّن الْقَوْلِ وَزُوراً».
وانظر بعد ذلك كيف رفع اللّه شأن المرأة، وكيف احترم رايها، وجعلها مجادلة ومحاورة للرسول وجمعها وإياه في خطاب واحد: « وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَآ» وكيف قرر رأيها وجعله تشريعاً عاماً خالداً، لتعلم أن آيات الظهار وأحكامه في الشريعة الإسلامية، وفي القرآن الكريم، وأن سورة المجادلة، لم تكن إلا أثراً من آثار الفكر النسائي، وصفحة إلهية خالدة نلمح فيها على مر الدهور صورة احترام الإسلام لرأي المرأة، وأن الإسلام لايرى المرأة مجرد زهرة، ينعم الرجل بشم رائحتها، وإنما هي مخلوق عاقل مفكر، له رأي وقيمة وتقدير واحترام