تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » أثر التربية الإسلامية الحلقة

أثر التربية الإسلامية الحلقة 2024.

أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع الإسلامي (72)

المطلب الثاني: العناية بالأولاد في أرحام أمهاتهم.

إن المرأة التي يطلقها زوجها ثلاثاً تبين منه، وتصبح أجنبية عنه، لا تجب لها عليه نفقة ولا سكنى، على القول الراجح من أقوال العلماء رحمهم الله، إلا إذا كانت حاملاً فإنها تجب لها النفقة بالإجماع. [راجع المغني ل*** قدامة (8/232ـ233)].

قال تعالى: (( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ )). [الطلاق:6].

وإنما وجبت على الزوج النفقة للحامل التي بانت منه من أجل ولده الذي لا سبيل إلى الإنفاق عليه إلا عن طريق الإنفاق على أمه التي يتغذى منها.

قال *** قدامة، رحمه الله:
"ولأن الحمل ولده، فيلزمه الإنفاق عليه، ولا يمكنه النفقة عليه إلا بالإنفاق عليها، فوجب كما وجبت أجرة الرضاع…". [المغني، كما مضى، وراجع الجامع لأحكام القرآن (18/166ـ167)]. هذا في العناية به من حيث النفقة.

ومن العناية به وقايته مما قد يؤثر على صحته، وهو في رحم أمه، ولذا أبيح للحامل إذا خافت على جنينها أن تفطر في رمضان، كالمريض والمسافر، وقد أعفاها بعض العلماء من الكفارة دون المرضع..

قالوا:
"لأن الحمل متصل بالحامل فالخوف عليه كالخوف على بعض أعضائها". أما المرضع فـ"يمكنها أن تسترضع لولدها" [المغني (3/149ـ150)].

وأدخلوها في قوله تعالى: (( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ )) [البقرة:184].

وقال *** قدامة، رحمه الله، مؤيداً رأي من رأى أن عليها الكفارة كغيرها من ذوي الأعذار:
"ولنا قوله تعالى: (( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ))، وهما – أي الحامل والمرضع – داخلتان في عموم الآية.

قال *** عباس:
"كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكيناً، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا".. رواه أبو داود وروى ذلك عن *** عمر، ولا مخالف لهما من الصحابة… ". [المغني (6/150) والجامع لأحكام القرآن (2/288)].

ومن العناية بالطفل وهو في رحم أمه تأجيل العقوبة التي تستحقها إذا كان ذلك قد يؤثر على الولد أو تحقق أن العقوبة ستقضي عليه.

فقد روى عمران بن حصين، رضي الله عنه:
أن امرأة من جهينة، أتت نبي الله صلى الله عليه وسلم، وهي – حبلى من الزنى، فقالت: يا نبي الله أصبت حداً، فأقمه علي، فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها، فقال: ( أحسن إليها، فإذا وضعت فائتني بها ) ففعل، فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت، ثم صلى عليها.. [مسلم (3/1334)].

وفي حديث آخر- في قصة الغامدية التي اعترفت بالزنى، وطلبت منه أن يقيم عليها الحد -..

قال لها صلى الله عليه وسلم:
( فاذهبي حتى تلدي ) فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته..

قال صلى الله عليه وسلم:
( اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه ) فلما فطمته أتته بالصبي في يده **رة خبز، قالت: هذا يا رسول الله قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها… ". [مسلم (3/1323) وراجع كتاب: الجنين والأحكام المتعلقة به في الفقه الإسلامي لمحمد سلام مدكور، ص165ـ214ـ232].

المطلب الثالث: طلبهم وإظهار السرور بهم.

إن الأولاد نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى، يهبها -كغيرها من النعم – لمن يشاء ويمسكها عمن يشاء، ولولا إرادته تعالى وجُودُه، لما رُ** ذلك أحد، فإن الأسباب لا تنشئ مسبباتها استقلالاً.

قال تعالى: (( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ )). [الشورى:49ـ50].

ولما كان الأولاد من نعم الله التي تسر الوالدين، بشر بهم رسلُ الله من الملائكة رسلَ الله من البشر..

قال تعالى: (( وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ * وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ )). [هود:69ـ73].

وقال تعالى: (( وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قَالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ )). [الحجر: 51ـ56].

واستغاث نبي الله زكريا عليه السلام، أن ير**ه من يرثه فبشره الله بغلام..

كما قال تعالى: (( قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً * قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً * قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً )). [مريم: 4ـ9].

تأمل كيف يتطلع عباد الله الصالحون من الأنبياء والرسل وأهلوهم إلى نعمة الأولاد، وكيف ينزل رسل الله من الملائكة بالتبشير بهم ويسمي الله بعضهم من عنده: (( اسْمُهُ يَحْيَى )).

ومن هنا كان الاستبشار بالولد والتبشير به من السنن الإلهية، ولا زال الناس – إلا من فسدت فطرهم – يستبشرون بالأولاد ويسرون بهم..

والتبشير إنما يكون بما يسر، فمن حق الولد أن يسر به أبواه وأسرته، فهو ضيف عزيز جدير بالاحتفاء والترحيب، وفرق بعيد بين ضيف يسر به ويحتفى به، وضيف يحس أهل الدار أنه ثقيل عليهم مكروه عندهم، يتمنون عدم نزوله بهم، فإذا نزل تمنوا رحيله عنهم.

ولهذا ذم الله تعالى من تبرم من الأنثى واستثقلها، لأنه تعالى هو الذي وهبها، كما وهب الذكر، والحياة لا تستمر إلا بالذكر والأنثى معاً..

كما سبق في قوله سبحانه وتعالى: (( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ )). [سبقت قريباً في هذا المطلب].

قال تعالى: (( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ )). [النحل: 58،59].

قال *** القيم رحمه الله:
"فقسم سبحانه حال الزوجين إلى أربعة أقسام اشتمل عليها الوجود، وأخبر أن ما قدره بينهما من الولد فقد وهبهما إياه، وكفى بالعبد تعرضاً لمقته، أن يتسخط ما وهبه، وبدأ سبحانه بذكر الإناث فقيل جبراً لهن لأجل استثقال الوالدين لمكانهن.

وقيل – وهو أحسن -:
إنما قدمهن لأن سياق الكلام أنه فاعل ما يشاء لا ما يشاء الأبوان، فان الأبوين لا يريدان إلا الذكور غالباً، وهو سبحانه قد أخبر أنه يخلق ما يشاء، فبدأ بذكر الصنف الذي يشاء ولا يريده الأبوان.

وعندي وجه آخر وهو:
أنه سبحانه قدم ما كانت تؤخره الجاهلية في الذكر، وتأمل كيف نكر سبحانه الإناث، وعرف الذكور؟ فجبر نقص الأنوثة بالتقديم، وجبر نقص التأخير بالتعريف، فإن التعريف تنويه، كأنه قال: ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم. ثم لما ذكر الصنفين معاً، قدم الذكور إعطاء لكل من الجنسين حقه من التقديم والتأخير. والله أعلم بما أراد من ذلك.

والمقصود أن التسخط بالإناث من أخلاق الجاهلية، الذين ذمهم الله تعالى في قوله: (( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ )) [النحل 58،59].

وقال: (( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ )) [الزخرف 17 تحفة المودود في أحكام المولود صفحة:20 -21]

ومن دعاء عباد الرحمن الذين أثنى الله عليهم بعدة صفات: (( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً )) [الفرقان:74].

فإذا كان واهب الولد هو الله إنعاماً على أبويه به..

وإذا كان رسل الله في السماء يبشرون به رسله في الأرض فيفرحون ويستبشرون..

وإذا كان عباد الله الصالحون يتطلعون إلى أن يهب الله لهم الأولاد والذرية ويدعون بذلك..

وإذا كان لا يكتئب من بعض الأولاد – وهن الإناث – إلا أهل الجاهلية قديماً وحديثاً..

فإن هذا كله يثبت انشراح الصدور وابتهاجها وسرورها، عند أولياء الله المؤمنين بما يهب لهم من الأولاد نعمةً منه وتفضلاً.

وعلى هذا فإن الولد الجديد يولد في أمن وطمأنينة، لأنه يقدم على أسرته وهم به مسرورون مستبشرون، فيعنَوْنَ به غاية العناية.

بارك الله فيك وجزاك الله خير
شكرا على الموضوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.