لغة الزهور…أو بالأحري لغة القلوب… هذه اللغة السامية بأبعادها الجمالية، وشذا عطرها الفواح، وأطرافها اليانعة التي تتساقط منها قطرات الندى، تمثل أجمل لغة تخاطب عرفها البشر.. لغة قواعدها الألوان ..مثلها مثل كل اللغات لا يستطيع فهمها أو التحدث بها إلا من أتقن مفرداتها.. فحين تتعطل لغة الكلام .. يكون للزهور لغة تنطق بأجمل المشاعر.
وقد كتبت السيدة الإنجليزية ماري ورتلي مونتاجو عام 1763 عن لغة الزهور" ليس هناك لون، ولا زهرة، ولا عشب … لا تمثل شعر أو آية خاصة بها، فمن خلالها بإمكانك التشاجر، والعتاب أو إرسال رسائل عاطفية أو أن تتحدث عن الصداقة أو الأدب أو حتى إرسال الأخبار دونما تلوين أصابعك بالحبر"، أو كما قال العقاد "لاحت لي الأزهار كأنها كلمات حب رفيعة مغشاة باستعارات ومجازات، والنسيم حولها كثوب حسناء فيه شذا وكل زهرة كابتسامة، تحتها أسرار وأسرار من معاني القلب".
إن مجرد تأمل زهرة جميلة يخرجنا من عالم الضجيج والصخب إلى عالم هادئ حالم سعيد حيث نسمعها تقول شكراً لكل من يهتم بها ويعاملها برقة ويقدر ما بها من جمال ونسمعها تقول مرحبا بك فى عالمنا الحالم الجميل ..
بداية لغة الأزهار
ولدت لغة الأزهار في القسطنطينية في بداية القرن السابع عشر، ودخلت إنجلترا في عام 1716، ثم انتشرت بعدها في فرنسا حيث خرج كتاب "لغة الأزهار" إلي النور وهو الكتاب الذي حمل 800 رسالة تنقلها الأزهار عبر ألوانها المختلفة وأنواعها المتعددة إضافة إلى طرق تقديمها، ومن ضمن هذه الرسائل، نذكر أن..الوردة الحمراء المتفتحة الأوراق تشير إلى الجمال، إتحاد اللونين الأحمر والأبيض في باقة واحدة يشير إلى الرغبة في الإتحاد مع الآخر، الورد الأصفر تعبير عن الغيرة، فيما يعبّر الإيريس الأصفر عن الشغف، البراعم البيضاء تحذر الآخر من أنه لا يزال صغيراً للوقوع في الحب، وردة من دون أشواك تقول للحبيب "معك لا أخشى شيئاً"، أما للراغـبين بالتقدم بعرض للــزواج، فليضعوا ورودهم في باقة من اللبلاب.
فعند الفراعنة كانت الزهور توضع على المقابر وتدفن مع الأجسام، في زمن توت عنخ آمون كانت زهرة السوسن رمز لسلطة الفراعنة المصريين، وكانت زهرة الأنيمن عند الرومانيين القدماء ترمز إلى الحب وكانت تبعثر على مذابح آلهة الحب، وبناءا على الأساطير كان إذا تغير وضع الزهرة في الباقة بحيث مال ساقها إلى اليمين أو اليسار فإنه يعطي مفهوما وانطباعا ورمزا مختلفا عنه في كل وضعية ولها شعور خاص بها.
لغة الزهور نقلت إلى شواطىء أوروبا وتم نشر أول قاموس خاص بلغة الزهور في باريس عام 1818 وتم إعادة طبعه 18 مرة وتم أخذ هذه القواميس الفرنسية إلى إنجلترا وأسبانيا، وعلي الرغم من تعدد قواميس لغة الزهور إلا أن معظمها اتفق على معانيها فعلى سبيل المثال تعني زهرة النرجس الأنانية حيث تمثل أسطورة الشاب الجميل الذي فتن بجمال صورته المنع**ة على الماء فمال بجسده ووقع في الماء وغرق ولذلك أطلق عليه اسم النرجس لأن ساق هذه الزهرة يتمايل دائما نحو الماء.
أن الأزهار تم استعمالها منذ القدم للتعبير عن التقدير والولاء وكذلك عن الترحيب والأسف والأماني فضلا على استعمالها للتعبير عن الحب والإعزاز، فكل نوع من الزهور له رمز ..مثل أوراق الزيتون ترمز للسلام..الورد المتفتح يرمز للإعجاب بالجمال، بينما يرمز الياسمين للوفاء، بالإضافة إلى لونها الذي يدخل في التعبير عن نوع المشاعر والشعور المعبر عنه بأكثر عمقاً فالورد متعدد الألوان يرمز للإعجاب، الورد الأبيض يرمز للحب العفيف، ورد اصفر يرمز لحب شاغل، أما الورد الأحمر فيرمز للحب الجاف ، وأخيرا يرمز البنفسج للحب الحزين، ونظرا لاختلاف هذه الدلالات والرموز من شعب لآخر كما تشير المؤلفة فإن الأزهار لها دلالات أخري عند الفرنسيين فزهرة الـتيوليب الحمراء ترمز للحب والعاطفة وتخاطب المرأة الجميلة، زهرة اللاوند تخاطب المرأه الرقيقه، وترمز زهرة البنفسج للحب الصامت المتأجج وتخاطب المرأه الخجولة.
أما الورد الأحمر فيخاطب المرأه ذات العاطفة البركانية، الوردة الصفراء فهي تخاطب المرأه النرجسية، الوردة الروز تخاطب المـرأة الوفية، والياسمين الأبيض للمرأة الرقيقه ولكنها متمرده على واقع سيء، والقرنفل الأبيض يخاطب المرأه المتشككة ويقول لها "ثقي في حبي"، والقرنفل الوردي فهو للغزل ويقول "أنا معجب بشده بك"، الأحمر يقول للفتاة أنا مؤمن بإخلاصك، وزهرة الكامليليا البيضاء فتقول انك تحتقرين الحب، والكاميليا الحمراء فتقول للمرأه إنـك أجمل نساء العالم .
ومن ثم فالرسائل الخاصة التي تتحدث بها لغة الورود تتفاوت بحسب لون ونوع الزهرة فحالة الاشتياق التي يجسدها اللون الأحمر والحلم بلقاء ثان لا يوازيها إلا الأصفر الذي يجعل من الحبيبة شمساً تنير حياة العشاق في الوقت الذي يعبر فيه الوردي عن حالة من العشق والصدق يختمها اللون الأزرق بالبقاء إلى جانب الحبيب حتى الموت، وربما يدخل عدد الزهرات المرسلة في الإفصاح عن حقيقة المشاعر بين العشاق والمحبين فوردة جورية واحدة تحمل بين أوراقها أجمل كلمتين "أنت تعني لي كل شيء".
أن هناك شعوب كثيرة تلعب فيها الزهور دوراً هاماً وحيوياً في تنظيم أمور العشق والغرام، ففي جزر هاواي إذا أرادت الفتاة أن تعلن عن رغبتها في أن تخطب فإنها تضع زهرة على أذنها اليمنى، وعندما تتم خطبتها تضع الزهرة على أذنها اليسرى، أما المرأة المتزوجة فعلاً فتضع زهرة على كلتا أذنيها، وفي المجر تتخذ الورود طريقًا للتفاهم والتخاطب إذ بها تعبر الفتاة عن رأيها في شريك حياتها .
فإذا قبلت باقته كان ذلك إعلان القبول وعلى الشاب أن يطلبها من أهلها، وحتي بعد الزواج.. تحل الزهور الكثير من الخلافات الزوجية، خاصة زهرة القرنفل التي يقدمها الزوج لزوجته فتصفح عنه وتسامحه.
وفي رومانيا يضع الشاب وردة حمراء علي نافذة منزل الفتاة التي اختارها للزواج.. ويقف بعيداً يرقب النتيجة.. فإذا رفضتها يبدأ الشاب في البحث عن فتاة أخري! وفي اليابان إذا أرادت الزوجة أن تعبر لزوجها عن شدة قلقها من تأخره ليلاً أو نهاراً، تضع له عدّة ورود وأزهار في شكل معيّن يفهم منه أنها كانت في انتظاره ، وإذا أرادت أن تعاتبه لتناسيه عن إحضار بعض الطلبات المنزل، فتعد باقة في شكل خاص يفهم منه أنها تقول له بلغة الزهور "أنها تلومه"، أما إذا أرادت أن تشعره بأنها في نشوة السعادة وقمة المحبة، فتصمم باقة من الزهور على أشكال متناسقة توحي بالحب والحنان والتعاون، وبذلك يدرك زوجها أنها تغازله وتقول له "أنت عمري".
وحتي سنوات قليلة كانت زهرة الزنبق الأحمر في إيران هي أجمل رسالة حب يبعث بها الشاب لفتاته.. كأنه يقول لها "كما احمرار هذه الزهرة.. أنا في نار حبك.. وكما سواد ليلها.. يحترق قلبي فيصبح فحماً"! والفرنسيون أكثر شعوب الأرض عشقاً للزهور.. والرجل ينسي كل شيء إلا أن يقدم لها باقة ورد.. في كل مناسبة وبدون مناسبة.
أن الزهور ارتبطت بالأساطير الجميلة كما هو الحال لأسطورة زهرة النرجس التي يعود إليها معنى (النرجسية) والأنانية وعشق الذات في الحكايات اليونانية القديمة، وحكاية الوردة الحمراء في حياة البيجوم (أم حبيبة) بائعة الورد الفرنسية الجميلة التي عشقها أغاخان الثالث وتزوجها وجعلها أغنى امرأة في العالم ، فمنذ رحيل الأغاخان منذ أكثر من ثلاثين عاماً وحتى الآن.. يتم صباح كل يوم بالتحديد في التاسعة صباحاً وضع وردة حمراء جميلة من نوعه (رونرا بكران) داخل كأس فضي رقيق على قبر أغاخان، وقد حرصت (أم حبيبة) قبل رحيلها على زراعة حديقة فيلتها الموجودة بأسوان بهذا النوع من الورود الحمراء بكميات كبيرة، تنفيذاً لوصية زوجها الذي كان لا يجلس بمكان لا يحوي زهوراً حمراء، وشملت وصيته أيضاً وضع زهرة حمراء على قبره كل يوم كرمز للجمال وتخليداً لبداية معرفته بزوجته الوفية!
ولا يمكننا ونحن نتحدث عن لغة ورموز ودلالات الأزهار أن نغفل كتاب نسيب المشعلاني "مخابرات الحب السرية ورسائل المملكة النباتية" الذي نشره عام 1897 في بيروت، ويُعدُّ علامة بارزة في ميدان لغة الزهور، فهو عبارة عن معجم جمع فيه مئات الزهور والنباتات، ورتبه على حروف الهجاء، حيث جمع ما لا يقل عن 1300 زهرة ، ومن أمثلة ذلك دلالة الفل على اللطف والفستق على حفظ السر أي أنك إذا قدمت فستقًا إلى أحد فكأنك تقوله له "أنا أحفظ السر" وكدلالة القرنفل على الجسارة، والقمح على الغنى، وزهر اللوز على الرجاء، والورد على المحبة، والهليون على التعزية وقت الضيق، والنارنج على الجمال مع رداءه الأصل، وقدم له بدراسة تناولت عددًا من الأزهار مع إيضاح أسباب تسميتها، وذكر ما دار حولها من أساطير وحكايات، وحلاه بشعر رقيق يدور حول الحب والزهور.
ويشير المعجم أن هناك فارقًا في دلالات الزهور والثمار في تراث الحب العربي والتراث الأوربي أو التراث الذي نقل عنه المشعلاني، فالسوسن عن العرب دلالته السوء وفيه يقول شاعر :
يا ذا الذي أهدى لنا سوسنا
* * *
ما كنت في إهدائه محسنا
أولـه سـوء، فـقـد سـاءنــي
* * *
يا ليت أني لم أر السوسنا
أما عند الإفرنج فإنه يعني الحوار والوصال، فإذا أرسل محب لمحبوبه سوسنا فإنه يعني أن يحرر له رسالة. وتوضح المؤلفة عفت القاضي في معجمها أن كل زهرة تحمل في ثنايا أوراقها رسالة فالرّاوند تقدم النّصيحة، الياسمين الهنديّ يعبر عن الحبّ، أما زهر الهولي الأبيض فيتساءل "هل أنا منسيّ" ؟، الورد الخمري اللون يعبر عن جمال بلا حدود، الأقحوان يعبر عن السّرور والبهجة، رجل الغراب يرمز للطّفولة، النّرجس الأصفر الكبير يرمز للنبل الشّهامة، أما زهرة التوت فتعد اعترافا بالحبّ ، وعلي الع** تعد زهرة النّسرين الصّفراء مؤشرا لانخفاض الحب، والقرنفل الأصفر يعبر عن الندم .
أما البنفسج الأزرق فيرمز إلي الوفاء، الليلاك البنفسجي دليل علي عواطف الحبّ الأولى ، والوردة البيضاء تعلن بصراحة " أنا لائق بك"، وتقول زهرة الدراق " أنا أسير حبك"، والسّوسن تقول " لديّ رسالة لك"، ويرمز الأقحوان الأبيض إلي البراءة ، والداندليون " وحي الحب"، أماريليس" جمال رائع "، زهرة الزينيا تعد مؤشرا عن التفكير بالأصدقاء الغائبين، أما زهرة الميجنونيت و زهرة الربيع الملونة تعلن بصراحة " تفوق جمالك الرائع"، أما الوردة الصّفراء واللبلاب مع عيدان قش فتصرخ قائلة "غيرتك حطمت حبنا " .
وصلني بواسطة الإيميل.
وسبحاان الله على خلقه البديع
تسلم اخوي انوكاندا ع الموضووع
والله يعطيك العافيه خيوو
مشكورين على الرد والمرور الكريم.
بارك الله فيكم
يسر الله لكم الخير أينما كنتم و رزقكم من واسع فضله
مشكور يا خويا على مشاركتك في الموضوع.