تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » : قصة رجل قليل الأدب ! دعوة للفهم

: قصة رجل قليل الأدب ! دعوة للفهم 2024.

السلام عليكم

جلس في صالة انتظار المطار يحتسي القهوة وهو ينتظر اعلان المذيع الداخلي الاستعداد للاقلاع. أخذ يُقلِّب طرفه في الناس …ممتعة هي هواية النظر في الآخرين دون أن يشعروا ! إنّك حين تفعل ذلك كمن يمارس السرقة الحلال ! جاء رجلٌ وجلس في الجهة المقابلة له تماماً …وبعد دقائق جاءت أمرأةٌ عجوزٌ وجلست بجانب ذلك الرجل …وضعت أكياساً كانت تحملها وذهبت الى دكان صغير لبيع الحلوى ….اشترت لها كيساً وملأته بقطع الحلوى …إنه يراها الآن من الجهة المقابلة وهي تضع الحلوى بيديها ….يبدو أنها حلوى لصغارها الأحفاد !
عادت الى كرسيّها ووضعت الكيس بجانبها وأخذت لها قطعة صغيرة من الحلوى تقطع في مضغها عنق الوقت البطيء ..فجأة دس الرجل الذي بجانبها يده في الكيس وأخذ له قطعة من الحلوى وأكلها بسرعة ..وابتسم …حدجته العجوز بنظرة استنكار …وحدجه صاحبنا على الجهة المقابلة بنظرة استنكار مشابهة ! ..بعد دقائق دسّ يده في الكيس مرة أخرى وأخذ قطعة جديدة وأكلها وهو يبتسم مرة أخرى !! …غضبت العجوز وقطّبت حاجبيها ضيقاً …وعلى الجهة المقابلة غضب صاحبنا أكثر وارتفع لديه منسوب الغيرة والحمية أكثر ! ..لكن كل هذا لم يمنع الرجل غريب الأطوار من أن يدس يده وبحركة ماكرة وسريعة في الكيس ليأخذ قطعةً جديدةً !! غضبت العجوز أكثر ..وحملت كيسها ووضعته في حضنها تظنه الملاذ الوحيد بعد ملاذ الحياء التي أيقنت أنه نضب في قلب هذا الرجل الغريب ! ..على الجهة المقابلة …غضب صاحبنا ..أرعد وأ**د في نفسه ..وقال محدثاً نفسه : يا له من قليل أدب ..ألم يجد الا عجوزاً مسكينة يستسخف عليها دمه الثقيل ووقاحته !!! …لكن هذا كله لم يمنع الرجل الغريب من أن يدس يده بجرأة ومكر وسرعة خاطفة ليأخذ مجموعة أخرى من الحلوى ويأكلها بفرح ومرح وابتسام ! ..هنا غضبت العجوز …وهمّ صاحبنا على الجهة المقابلة بالذهاب الى هذا الرجل وتلقينه درساً ولو اضطر الى ضربه …فمثله يستحق أكثر من ذلك !! لكن كان للمذيع الداخلي رأيٌ آخر حين نادى على ركاب طائرة صاحبنا للاستعداد لركوب حافلات النقل الى الطائرة ! ..
جلس على مقعده في الطائرة وهو يفكر في الرجل الغريب والعجوز المسكينة..وفجأة ! رأى الرجل الغريب بمعية أحد المضيفين ! يبدو أنه يرشده الى مقعده ..كان المقعد الذي بجانب صاحبنا فارغاً …فأقسم أنّه لن يسمح لهذا التافه في أن يجلس بجانبه ولو كان الثمن ما كان !! كان الرجل الغريب يبتسم تلك الابتسامة إيّاها وكأنّه يريد أن يغيظ صاحبنا الذي نظر إليه وقال لنفسه : كم أتمنى لو أُغيّر معالم فمه بقبضتي حتى لا تعود الى وجهه هذه الابتسامة الكريهة !! ..مرّ المضيف والرجل الغريب من أمام صاحبنا وأجلسه في المقعد الذي خلف صاحبنا تماماً حينها فقط تنفس صاحبنا الصعداء! ..فجأة رأى صاحبنا المرأة العجوز آتية بمعية مضيفة حتى أجلستها في المقعد الذي بجانب صاحبنا ..حيّاها صاحبنا بابتسامة عفوية لعلها تنسيها ابتسامات ذلك التافه السارق ! ..همّ صاحبنا بالحديث إليها ..لكن انشغالها بأكياسها صرف ذهنه عن هذا …فجأة صكّت المرأة رأسها بدهشة !! وهتفت : يا الله ..قال صاحبنا لها : ماالذي يجري ؟؟! هل نسيتِ شيئاً ؟؟ قالت : لا …لكنني أرى كيساً جديداً معي ! يبدو أنه للرجل الذي كنت أجلس بجانبه …لقد كان كيسه مملوءاً بالحلوى ..فظننته كيسي وطفقت آخذ منه ..! وكيسي ها هو على حاله !
فهم صاحبنا الذي جرى …لقد كان الكيس لذلك الرجل ..ومنعه حياؤه وطيبته أن يأخذه من العجوز التي ظنته كيسها ! …هنا استرجع صاحبنا كل ذلك ..لقد كان ذلك الرجل ذو الابتسامة الودودة الطيبة رجلاً محترماً جداً وطيباً ومؤدباً …لقد كان يسرق الحلوى من كيسه الخاص به ! قام صاحبنا من مكانه وسط دهشة المسافرين والتفت الى الرجل الغريب خلفه وصافحه قائلاً له : انت رجل رائع جداً …
انتهت القصة هنا …
إخوتي الكرام …إنّ لكل إنسان منّا ما يُسمى بالخريطه العقلية التي يرى من خلالها والتي تنطلق من فوهتها أحكامنا على الأشياء والناس والمواقف ..هذه الخريطة العقلية ليست هي الواقع على الاطلاق …هي قد تقترب أو تبتعد عنه ..لكنها ليست هي الواقع بل في الغالب هي أقل من الواقع .
ما يثير الانتباه ويستدعي الصبر والتثبت والروية في اطلاق الأحكام, أيها الأخوة والأخوات, أن تصوراتنا عن الأشياء والناس والمواقف تمر على مرشحات ثلاث هي : اللغة , والحس , والمعتقدات والقيم .. تخرج بعد هذه المرشحات أقل من السابق كثيراٌ تصوراً وفهماً ..فتكون المحصلة أننا أمام تصور هش ضعيف لا يجب أن نبني عليه حكماً جازماً ..
لهذا إخوتي الكرام …لنتريّث في الحكم …ولنعطي أنفسنا الوقت الكافي في النظر والتمحيص والتدقيق …حتى تخرج أحكامنا مقاربة للواقع قدر المستطاع ..
لنتمعن قليلاً في ***ئطنا العقلية ولنعلم أن كثيراً مما نراه لا يعدو أن يكون رأياً من الآراء ..

انشاءالله تعجبكم القصه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.