السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التربية هذه الكلمة التي تحمل بين طياتها الكثير والكثير…… هانت وصغرت على فتيات عصرنا حتى اختصرنها في لقمة عاجلة ولبس فاره لأطفالهن، وأصبحت التربية وكأنها مشروع تسمين وتجميل لحظائر من الأطفال. ووصفت فلانة بأنها تحسن التربية إذا استمر أطفالها بالأكل طوال الوقت وبدوا أمام الناس بأثمن وأجمل حلة.
لقد اختصرنها في هذه المفاهيم الحسية البسيطة مع أنها لا تعدوا أن تكون جزءاً بسيطا من المفهوم الشمولي والكلي للتربية.
والاهتمام بالمظهر على حساب المخبر خطأ فاحش في التربية فكما أن للإنسان مظهر فإن له مخبر وكما أن له صورة فإن له حقيقة ، ولعل هذا هو موضع قول الشاعر :
تــرى الرجــل النحيل فتـزدريـــة **** وفي أثـــوابه أســـــد هصـــور
ويــعجبك الــطريـر فـتـبتليـــه **** فـيخلف ظـنك الرجـل الطـريــــــر
فـما عـظم الرجـال لهـم بفــــخر **** ولكــن فـخرهــم كـــرم وخــيـر
بـغاث الـطـير أكـثرها فـــــراخ **** وأم الـــصقــر مقـــلاة نـــزور
صـغار الـطير أطــولــها جسومـاً **** ولــم تـطــل البـزاة ولا الصــقـور
لقد عظـم البعيـــر بـــغير لــب **** فــلم يســتغـني بالعــظم البـعيــر
وتــضـربه الوليــدة بالــهراوى **** فلا غـــير لــديه ولا نــــكـــير
يصـرفـه الصــغير بكــل وجــه **** ويخسفـه على الخـــسـف الحريـــر
وليت الأمر وقف عند هذا الحد، فلقد فوضت كثير من نساءنا للمربية أو للخادمة جميع الصلاحيات في تربية أطفالهن، بينما انصرفن للانغماس في الشهوات والملذات، فأصبحت الأسواق والسهرات والاجتماعات والمنتديات وآخر الموضات…… تشغل وقت كثير من نساءنا، وبذلك لم يجدن الوقت الكافي للجلوس مع أطفالهن وسماع هموهم ومشاكلهم وممارسة الأساليب التربوية في تنشئتهم.
وإن كنت- أيها القارئ، أيتها القارئة- لم تسمع بآخر صيحة في الإهمال وسوء التربية فتعال أحدثك عنها، إنها مأساة ((اكتفيد)) والتي من أجلها أنشأت هذا المقال. ولا تأخذ بك الظنون، فتعتقد أن هذا الاسم مصطلح علمي في التربية الحديثة أو أنه رمز للتقدم في وسائلها. إنه وباختصار: علاج للسعال تعطيه بعض الأمهات (الفاظلات؟؟؟!!!) لأطفالهن إذا ما أردنا الخروج لسوق أو نزهة أو سهرة…… ولأن هذا الدواء يحتوى على مادة منومة، فإنه ما إن يتناوله الطفل إلا ويذهب في سبات عميق، بينما تتخلص أمه من عناءه فتذهب سعيدة طليقة مرتاحة البال حيث شاءت. إن هذا كله وباختصار ليس إلا تضييعا للأمانة وتفريطا في المسؤولية التي حملها الله عز وجل أياهن. فإلى هذا الصنف من الأمهات نهدي إليهن قوله- صلى الله عليه وسلم- ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)).