تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » مقال يستحق القراءة .

مقال يستحق القراءة . 2024.

بعد أن انقضت شهور على الحملة الإعلامية والعسكرية الأمريكية ضد أسامة بن لادن
>وتنظيم القاعدة، وأفغانستان، وكل ما يمت للعمل الجهادي بصلة، يحق لنا أن نتوقف
>كأمة مسلمة، ونسأل أنفسنا سؤالاً صريحاً: هل نملك اليوم أن نقيم أداء كل من
>أسامة بن لادن وأسلوب عمل التيار الجهادي؟ وهل يمكن أن يكون هذا التقييم
>منطقياً بعيداً عن الغلو في محبة الأشخاص، وبعيداً أيضاً عن الانسياق في مسلسل
>كراهية هذا التيار الذي تدفعه أمريكا ومؤسساتها الفكرية والسياسية والإعلامية
>بقوة وتركيز طوال المدة الماضية.
>
>
>كيف يفكر أسامة؟
>
>سألني صديق منذ أيام هذا السؤال، وبدأ صديقي تطوعاً بالإجابة قائلاً، لابد أن
>أسامة لم يفكر في رد الفعل الأمريكي وقسوته، ولابد أنه يشعر بفداحة الهزيمة.
>ورددت عليه بسؤال: هل هذا بالضرورة هو رد فعل إسامة؟
>
>إن من يتبنى ضمناً أو تصريحاً فكرة الصدام العسكري مع أمريكا لابد أن يسقط من
>حسابه مرحلياً تكلفة هذا العمل سواء على الجانب الشخصي أو ما يتعلق بالأمة،
>لأنه لو قام بحسابها لما تحرك للأمام خطوة واحدة. ولذلك فالأقرب إلى الواقع أن
>أسامة ومن حوله قد تغاضوا عن حساب تكلفة النصر أو الهزيمة في المرحلة الحالية،
>سواء على مستوى الخسارة الشخصية أو حتى خسارة الأمة. وقد يبدو ذلك قاسياً،
>ولكنها الطريقة الوحيدة على الأغلب للانتقال من العمل ضمن إطار الممكن إلى
>السعي إلى تحقيق ما يظنه الناس مستحيلاً من مواجهة أمريكا عسكرياً. وقد لا
>يعطي
>ذلك مبرراً شرعياً كافياً للبعض، ولكن النتائج المتوقعة تقدم اعتذاراً واقعياً
>للطرف الآخر.
>
>إن أكثر من يشاركون في تغيير دفة التاريخ، وإعادة صياغة واقع العالم هم ممن
>يتميزون بالاستعلاء عن الممكن، والتطلع إلى ما اجتمع الناس على صعوبته أو
>استحالته واقعاً وعاطفة. ومنذ أعوام أعلن أسامة عن تكوين جبهة لمحاربة اليهود
>والنصارى، واستهزأ المسلمون قبل أمريكا بهذه الجبهة، واعتقد الجميع أن الفكرة
>غير منطقية وغير معقولة، إضافة إلى التحفظ حول شرعية العمل إبتداء.
>
>وحتى أمريكا لم تلق بالاً لهذه الجبهة، ولا لهذا الشاب الذي ترك خلفه فنون
>الممكن، لينطلق إلى الآفاق الأرحب من السعي لتنفيذ المستحيل. واليوم -بعد عدة
>أعوام- نجح التيار الجهادي أن يجر أمريكا والعالم إلى مشروع صدام عسكري لم
>يخطط
>له الغرب، ولم تستعد له الأمة، ولكن أسامة لم يهتم بخطط أمريكا، ولا أظن أنه
>قد
>اكترث أيضاً لتحليل رداءة واقع الأمة، وكذلك حال التيار الجهادي في فلسطين.
>
>والمشكلة لدينا اليوم أننا لا نزال ننطلق من مسلماتنا نحن لنحكم على أفعال
>غيرنا على اعتبار أن تلك المسلمات هي بالضرورة مقبولة لدى الطرف الذي نحاكمه،
>أو نحاول أن نفعل ذلك. فنحن نظن أن أسامة والتيار الجهادي لابد أنه قد فكر في
>العواقب الوخيمة لضرب أمريكا في مواطن كرامتها، ولكنه لم يفعل، ولم يحتج إلى
>ذلك، والشواهد كثيرة. وبقينا نحن على احتقارنا لمن يفكر خارج إطار الممكن.
>
>
>إشكاليات إسلامية
>
>لقد أصبحت مشكلة الإسلاميين وغيرهم بعد أحداث سبتمبر أن هذه الأحداث لا يمكن
>أن
>تكون من تدبير الإسلاميين، فهم أقل من أن يقوموا بذلك، وليس لديهم العقل
>القادر
>على تخطيط هذا العمل المعقد والعجيب في بساطة تنفيذه، وضخامة الأثر الذي خلفه.
>ومرة أخرى وقعت الأمة في سوء تقدير قدرات التيار الجهادي الذي تخلى عن الممكن
>وتحرك نحو المستحيل. وبقينا حتى اليوم نجادل في إمكانية قيام أسامة بالتخطيط
>لمثل هذه العملية، وانشغل الباقون ببحث شرعية العمل بعد حدوثه، وكأن بإمكانهم
>إعادة عقارب الزمن ليوقفوا العمل أو يباركوه. واستمرأ بعض المحسوبين على الأمة
>فكرة احتقار قدرات الإسلاميين، لأنهم لا يتخيلون إمكانية الجمع بين التمسك
>بالإسلام والتميز في التخطيط والتنفيذ، ولأن أغلبنا قد قبل بفكرة عدم إمكانية
>الجمع بين الإسلام وبين التقدم، حتى ولو كان في عمل يصفه البعض بالإرهابي،
>والبعض الآخر بالجهادي.
>
>وبعد أشهر من أحداث سبتمبر، والرد الأمريكي العنيف عليها، لم تنجح أمريكا في
>القبض على أسامة أو من حول أسامة، ولم تنجح في القضاء على القاعدة، ولم تنجح
>كذلك إعلامياً في استمالة العالم نحو هيمنتها، وفقدت الرصيد العاطفي الذي وجد
>العالم نفسه مضطراً إلى تقديمه تعاطفاً مع مقتل المدنيين في نيويورك وواشنطن.
>أما بعد أن اقتص القصف الأمريكي من شعب أفغانستان، أمة وحكومة، فقد استنفذت
>أمريكا وبأقصى سرعة هذا المخزون العاطفي، ليظهر خلفه امتعاض العالم أجمع من
>الفتوة الأمريكي الذي لا يعرف متى يتوقف عن استعراض قواه، ولا يهتز عندما يضع
>تحت قدمه الاستعمارية كل الحقوق المدنية التي أرهق العالم بالتغني بها. ولا شك
>أن الفضل سيسجل تاريخياً للتيار الجهادي في أن كشف للعالم بالدليل الدامغ
>حقيقة
>المشاعر السياسية والفكرية الأمريكية تجاه الشارع المسلم، والدين الإسلامي.
>فمن
>ناحية نجح أسامة في استدراج أمريكا إلى الصدام الذي كان يريده هو، وفشلت
>أمريكا
>في تنفيذ ما وضعته هي من شروط النصر على أسامة.
>
>وكل ذلك والحرب لا تزال في جولتها الأولى لمن خطط لها، وما تتكبده أمريكا من
>خسارة اقتصادية تصل بشهادتهم إلى أكثر من ألف مليون دولار شهرياً ستلتهم كل
>أحلام الرخاء الاقتصادي التي حلم بها المواطن الأمريكي ذات يوم. وستثبت
>الكارثة
>الاقتصادية القادمة مرة أخرى أن رؤية أسامة الاقتصادية التي بدت لأول وهلة
>ساذجة ومغرقة في البساطة، قد تتفوق على تحليلات المثقفين والمفكرين وفرق
>التدخل
>السريع من المنافقين وأتباع السلاطين.
>
>لقد سخر المثقفون من التيار الجهادي عندما تحدث أسامة عن ضرب الاقتصاد
>الأمريكي
>في مواطن قوته، وأن الآلة العسكرية تندفع بتمويل القوة الاقتصادية، وكانت
>السخرية في غير محلها. ولذلك فإن الفزع الأمريكي لاستعادة النهضة الاقتصادية
>له
>من المبررات الأمنية والعسكرية نصيباً قد يفوق المبررات السياسية والاجتماعية.
>ونعود هنا لنسأل هل نحن حقاً نقدر كيف يفكر التيار الجهادي، أم أننا نجد صعوبة
>في أن ننصف من نحب، أو نكره إن كان إسلامياً.
>
>
>مع فكر الجماعات الإسلامية
>
>عندما نتأمل واقع العمل الإسلامي في الأعوام الأخيرة نجد انقساما جديداً داخل
>الصف الإسلامي حول العمل والفكر ودور كل منهما في تحريك واقع الأمة. فالتيارات
>الجهادية قد أخذت على عاتقها سرعة الفعل، والعقلية التصادمية في التعامل مع
>الخصم، والبعد عن الإغراق في تحليل تداعيات الفعل. ولعل من يتابع ما نسب إلى
>أسامة بن لادن من أعمال خلال الأعوام الماضية يجد أنها تجمع هذه الخصائص،
>وكذلك
>الحال مع حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، وغيرهم من الفصائل الجهادية داخل
>الصف الإسلامي. ويتهم أصحاب هذا الخط من قبل إخوانهم بالتسرع وسوء تقدير
>العواقب، وجر الأمة إلى صراعات غير محسوبة.
>
>وعلى الناحية أخرى نجد تيارات العمل الحركي أو الجماعات الإسلامية، قد اتفقت
>ضمنا على القبول بقوة الخصم، والبعد عن مصادمته ما أمكن، والتسليم لعقدة
>الضحية، والتعامل مع الواقع بحذر شديد مبني على تقييم نتائج العمل قبل الشروع
>فيه. وفي ظل أجواء معادية للإسلام، أصبحت تبعات كثير من الأعمال الجادة أكبر
>من
>قدرات أبناء الأمة على تحملها، فتحولت الجماعات تدريجياً إلى أوعية راكدة تدار
>فيها نفس الأفكار التي تداولها شباب الصحوة طوال الخمسين عاماً الماضية، ووجدت
>الجماعات الإسلامية في ذلك ما يشغل أبناء هذه الحركات، ويضمن ولاءهم، ويستغرق
>فكرهم وجهدهم، ويبقى كل ذلك ضمن هامش الحركة الذي سمحت به الدول والأنظمة.
>وأصبحت عقلية الضحية وذهنية المؤامرة هما السمت العام لدعاة الجماعات
>الإسلامية
>وكثير من قيادييها، إلى أن فاجأهم أسامة.
>
>ولذلك فنحن اليوم نواجه أعمالاً جهادية تفتقد إلى الترشيد اللازم، في مقابل
>جماعات تتبنى أفكارا ونظريات وخلافات فكرية ومعارك كلامية تفتقد إلى العمل
>اللازم لمواجهة خصم سريع النهوض من كبوته، وقادر على الجمع بين سرعة الفكر،
>وكفاءة الحركة. فهل المفكرون هم من سينجح من طرف الأمة في التصدي للمواجهة مع
>أمريكا، أم أن المستقبل لأصحاب سرعة العمل والرغبات التصادمية معها؟ ونعود مرة
>أخرى لنسأل هل الأسلوب الحركي الذي يتبعه أسامة ومعه التيار الجهادي أقرب إلى
>واقع الحياة اليوم أم أسلوب العمل التنظيمي الإسلامي؟
>
>
>النموذج الغربي
>
>إن عالم اليوم يقوم على مجموعة من العناصر المكونة للديناميكية الغربية التي
>تحرك عجلة التقدم والتطور الحضاري. وهذه العناصر هي سرعة الفعل، والبعد عن
>الهرمية في اتخاذ القرار، والتركيز على الهدف والتقليل من قيمة الشخص مقابل
>الفكرة، وتبسيط الرسالة الإعلامية الموجهة للرأي العام، وكفاءة الاستفادة من
>التجارب الفاشلة. وإذا قيمنا أداء الجماعات الإسلامية في مقابل التيارات
>الجهادية ، لوجدنا أن تلك التيارات الجهادية أقرب إلى روح هذا العصر، وأكثر
>قدرة على التعامل مع أساليبه من الجماعات الإسلامية العريقة.
>
>ولننظر إلى ما نسب إلى التيار الجهادي مؤ***ً من عمليات، فلعلنا نجد فيها
>مفارقات غريبة. فمن الواضح أن أسامة بن لادن قد نجح في الاستفادة من الفكر
>الغربي الذي يبحث دائماً عن تبسيط الحلول للمشكلات المعقدة، ووضح ذلك في جميع
>العمليات التي نسبت إليه طوال الأعوام الماضية. فقد جمعت هذه العمليات بين
>سرعة
>الأداء ودقته، وبين البعد عن الهرمية في اتخاذ القرارات التنفيذية، وتم في كل
>هذه الأعمال التركيز على نفس الفكرة والهدف دون إبراز الأشخاص، وكانت الرسالة
>الإعلامية التي وجهها أسامة إلى الأمة أبلغ بمراحل من الرسالة الإعلامية
>الأمريكية المواجهة، وحتى من الضغط المستمر من الإعلام الحكومي العربي الموجه
>من قبل أمريكا، والذي تنفق على آلياته مئات الملايين من الدولارات.
>
>أما الجماعات الإسلامية، فقد عجزت عن أن تتخذ قرارات مناسبة بسرعة كافية،
>وبقيت
>متعثرة ضمن الهياكل الهرمية لاتخاذ القرار، وسعت كل جماعة إلى إبراز قادتها
>ليحظوا بالاهتمام الإعلامي لمشاركاتهم، وبقيت الرسالة الإعلامية متكلفة ونمطية
>ولا تتعامل مع الواقع تعاملاً حيوياً. ولعله من المؤسف أن نقول أن ساكني كهوف
>تورا بورا كانوا أكثر قدرة على تطويع آليات التعامل الفكري والإعلامي الأمريكي
>من قيادات الأعمال الإسلامية ذات التاريخ الحركي والرصيد الشعبي.
>
>
>الخروج من التيه
>
>وهنا سؤال هام: هل يملك التيار الجهادي مقومات الاستمرار، وهل تملك الجماعات
>إمكانية استعادة زمام الحركة الإسلامية حتى لا تنزلق الأمة في هاوية الغلو، أو
>مأ** التميع وفقدان الهوية؟ إن الأمة اليوم أشبه بمن فروا مع نبي الله موسى من
>عذاب فرعون، فأنجاهم الله إلى سيناء، ولكنهم عجزوا أن يتحولوا من جيل هزيمة
>إلى
>جيل نصر، فرفضوا أن يدخلوا الأرض المقدسة بحجة أن فيها قوماً جبارين. لقد تغلب
>لديهم وهم النجاة في الواقع على عزيمة تحقيق الممكن والمطلوب. وألف بنو
>إسرائيل
>آنذاك أن يكونوا ضحية لكل فرعون، فحتى عندما أنجاهم الله لم يمتلكوا إرادة
>الرغبة في النصر، وسيطرت عليهم الرغبة في النجاة.
>
>واليوم يغلب على أبناء الأمة الرغبة في النجاة على السعي إلى النصر، أو تحمل
>تبعاته. فنحن قد ننصر الدعوة بالكلام ولكن ليس بالفعل، وكأننا اليوم نقول
>"اذهب
>أنت وربك فقاتلا ..". ولذلك لابد أن يحكم على الأمة بالتيه في صحراء الحضارة
>الغربية المقفرة حتى يخرج جيل جديد لا يعاني من عقدة الضحية، ويرى النصر
>ممكنا،
>وعندها فقط يمكن أن تتحرك الأمة نحو فجر جديد من الحضارة الإسلامية التي يحتاج
>إليها العالم أجمع.
>
>أما اليوم فسيشهد العالم الإسلامي مرحلة قاسية من التيه وفقدان الهوية وتزعزع
>المسلمات، ولكن ستبقى دائماً طائفة من الأمة ظاهرة على الحق، ولن يضرها من
>يخذلها. وقد لا يتمكن التيار الجهادي برموزه القيادية والفكرية من تحقيق
>أهدافه، ولكنه سينجح بالتأكيد في إعلان المواجهة مع أمريكا، وسينجر الغرب إلى
>ذلك، ومن يتابع خطابات الرئيس الأمريكي الأخيرة سيلمح فيها الكثير من الشواهد
>على ذلك. وقد لا تنجح الجماعات الإسلامية في سرعة تطوير كوادرها القيادية
>لتتلائم مع متطلبات العصر، ولكنها ستنجح في الحفاظ على هوية الأمة، وستقوم
>بقوتها الشعبية وتكاتف الأمة حوله بتحجيم بعض مظاهر الغلو وتداعياته في التيار
>الجهادي. وسيخرج من نتاج هذا التمازج صورة جديدة للعمل الإسلامي تتخلى عن
>مفهوم
>الجماعة الإسلامية الحركية، وتتبنى نموذجاً متطوراً من العمل التنظيمي القادر
>على التفاعل مع الواقع ومواجهته إن لزم الأمر فكريا وسياسياً وغير ذلك أيضا.
>
>
>هل يمكن تجنب الصدام؟
>
>إن واقع العالم يقطع بأن تجنب المواجهة والصدام مع أمريكا قد لا يكون خياراً
>ممكناً، رغم وجاهته فكرياً للبعض. فأمريكا لا ترغب في ذلك، ولا ترى أننا أهل
>للحوار معها. فهذه الأمة في نظر أمريكا سياسياً وفكرياً، ليست إلا محطة بنزين
>كبيرة، ومخزن للخيرات، يقوم عليهما قطيع من الهمج، تسيطر عليهم أفكار أصولية
>لا
>تمت لعالم اليوم بصلة، وهذا القطيع – في نظر أمريكا- شعوباً وقيادات وحكام أقل
>من أن يحاور لانعدام الفائدة، وضخامة الفارق، ولقطع الطريق على أي محاولة
>للتخلص من مشروع الهيمنة.
>
>ولذلك فإن مطالبتنا اليوم للغرب بالحوار الحضاري لن تجد صدى لأننا – في نظر
>أمريكا – لا نسمو كأمة إلى استحقاق ذلك. ولذلك فلا بديل عن المواجهة الفكرية
>والسياسية والحضارية مع أمريكا لإقناعها بجدوى الحوار قبل أن نطالبها به. وقد
>تسعى فئات الأمة -بعد الخروج من التيه- إلى تصعيد المواجهة في المجالات
>الفكرية
>والحضارية والسياسية، وقد يصل الأمر إلى درجة الصدام بدلاً من الحوار، ولكن
>يبدو أن الجميع سيسعى إلى تجنب الصدام العسكري فيما عدا التيارات الجهادية.
>
>ولن يخشى التيار الجهادي من مواجهة أمريكا عسكريا رغم ضعفه النسبي – ورغم
>تحفظات البعض على شرعية هذه الأفعال أو جدواها. ولكن التجارب السابقة علمت
>الجميع أن التيار الجهادي لا يتوقف كثيراً عند حسابات الم**ب والخسارة، وقد
>يكون ذلك من عناصر قوته في نظر محبيه، ومن أهم أسباب انتقاده الحاد من قبل من
>يخالفونه. ولكن الفائدة المتوقعة في كل الأحوال أن يساهم هذا التيار بعملياته
>في أن يجبر أمريكا على إعادة تقييم نظرة الاستحقار التي تعامل بها هذه الأمة.
>
>وستبقى المواجهة – سواء فكريا أو حضاريا أو حتى عسكريا – هي الخيار الوحيد
>المتاح للأجيال القادمة ليس لأن هذه الأجيال ستختار بالضرورة هذا الخيار، ولكن
>لأنها ستجبر على المضي قدماً فيه من قبل أمريكا التي اختارت المواجهة، ومن قبل
>التيار الجهادي الذي لا يرى بأساً في جر الأمة إلي نفس الخيار أيضاً راضية أم
>مكرهة. ولا شك -في كل الأحوال – أننا سنحتاج إلى المواجهة قبل أن نستطيع أن
>نجلس على موائد الحوار الحضاري. فنحن في حاجة إلى أن نقنع العالم أولاً
>باستحقاقنا للجلوس على هذه الموائد في عالم لا يقبل غير منطق القوة، ولا يحترم
>الضعفاء، ولا يقر إلا بمنطق الذئاب.
>
>وسيفرز المستقبل جيلاً جديداً من الإسلاميين ممن يمكن أن نطلق عليهم "إسلاميو
>ما بعد التيه" ممن سيحملون على أكتافهم هموم الأمة في مرحلة ما بعد التيه،
>وستخرج إلى العالم حضارة إسلامية تجمع القوة في حمل الأمانة، والمعاصرة في
>الآليات والوسائل، والأصالة في الغايات والمقاصد، وستشرق شمس الإسلام من جديد
>على سماء العالم شرقه وغربه، وستتوقف مآذننا عن البكاء على أمتنا، وستنطلق من
>مناراتها أشعة الحضارة لتنير للعالم الطريق نحو النجاح في الدنيا والنجاة في
>الآخرة.
>
>قد يختلف عندئذ المؤرخون فيما قام به التيار الجهادي – وحق لهم، ولكنهم
>سيتفقون
>بالتأكيد أنه قد حرك المياه الراكدة في بحيرات الفكر الإسلامي المعاصر، وأنه
>قد
>نجح في تحويلها إلى أعاصير بشرية عصفت بكل المسلمات التي سادت مطلع القرن
>الحادي والعشرين. ولن يختلفوا في إجابة سؤال: هل تعرفون أسامة؟
>
>* رئيس مجلس إدارة المجموعة الإعلامية الدولية – واشنطن – الولايات المتحدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.