السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد انقضى رمضان لكن الصيام لم ينقضِ, وانقضى رمضان لكن القيام لم ينقضِ، وانقضى رمضان ولم تنقضِ تلاوة القرآن..
من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد ولى ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت..
بئس العبد لا يعرف الله إلا في رمضان..
إن كان الصوم المفروض قد انقضى فإن من نافلة الصوم صيام ست من شوال, ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر " [صحيح مسلم (1164)], وذلك أن الحسنة بعشر أمثالها فرمضان بثلاثمائة والست بستين, وهذه عدة أيام السنة.
ولئن كانت التراويح قد انقضى وقتها فإن قيام الليل ما يزال مشروعاً مرغباً فيه, صح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: "من قام في ليلة بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام في ليلة بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين" [سنن أبي داود (1398)]، وفي رواية "كتب من الذاكرين الله كثيراً" [سنن الدارمي(3458)], والله إنه لغافل من غفل عن القيام بعشر آيات. صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل ثم ترك قيام الليل" [صحيح البخاري (1152)]. فيا عباد الله لا تكونوا كمن كان يقوم الليل ثم ترك قيام الليل, فقد صح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل" [صحيح البخاري (1122) صحيح مسلم (2479)]
عباد الله دونكم الرواتب فالزموها وهي اثنتا عشرة ركعة, ركعتان قبل الفجر وأربع قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء, صح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من صلى لله اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة" [صحيح مسلم (728)]
ثم ذكر هذه. والوتر يا عباد الرحمن فلا تضيعوه, صح عنه صلى الله عليه وعلي آله وسلم: "أوتروا يا أهل القرآن" [مستد أحمد (1/100) سنن الترمذي (453) سنن *** ماجه (1170)], وكتاب الله فلا تضيعوه: "وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً" وتدبروا معاني الله فيه. وفعل الخير فلا تعدموه: "وافعلوا الخير لعلكم تفلحون", أنفقوا من مال الله الذي آتاكم وجعلكم مستخلفين فيه فإن لله ملائكة يقولون: "اللهم أعطِ منفقاً خلفاً وأعطِ ممسكاً تلفاً" [صحيح البخاري (1442) صحيح مسلم (1010)], وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرا**ين.
عظموا الله بتقديره وإجلاله: وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه, عظموه بتعظيم شعائره, "ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب", عظموه بتعظيم حرماته: "ذلك ومن يعظم شعائر الله فهو خير له عند ربه", إن خيراً لكم عند ربكم أن تغضوا أبصاركم وتحفظوا فروجكم ذلك أزكى لكم إن الله خبير بما تصنعون, إن خيراً لكم عند ربكم أن تكفوا عن أكل الحرام من الربا والرشوة والغش وأكل مال اليتيم وأكل أموالكم بينكم بالباطل, إن خيراً لكم عند ربكم أن تنكروا على من فعل ذلك وتدعوه إلى الكف عنها والتوبة منها, إن خيراً لكم عند ربكم أن تعظموا حرماته بمعرفتها واجتنابها والتحذير منها والإنكار على الواقع فيها: "ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم", رب واقع في الحرام قد دنا أجله ولم يتب, رب غافل لاهي قد حان موته ولم يتب: "من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه" [صحيح مسلم (2699)], ومن قعدت به فعلته لم ينهض به جميل صورته, "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" [صحيح مسلم (2567)]
دعوا الأماني والزموا الجادة فعلاً وتركاً: "ليس بأمانيكم ولا بأماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً" "ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفاً" فأسلموا وجوهكم لله وأحسنوا واتبعوا ملة الحنيف إبراهيم فبذلك أمر نبيكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وما أنتم إلا أتباعه: "قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قِـيَماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين" "قل أغير الله أبغي رباً وهو رب كل شيء ولا ت**ب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون".
فيا عبد الله فدع ال**ل وانشط لترضي الله فما العمر إلا أيام إذا انقضى بعضها فقد انقضى بعضك كل يوم يأتي عليك فقد نقص من عمرك يوم, فعمرك حقاً هو ما بقي من أيام في أجلك أما ما قد مضى فقد فات بما فيه من خير ومن شر: "وما تدري نفس ماذا ت**ب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير".
إن من علامات قبول الطاعة الطاعة بعدها, فواصلوا الطاعات وأوصلوا القربات ولا يكن آخر عهد أحدكم بالقرآن خاتمة رمضان ولا بالقيام آخر لياليه ولا بالبر والجود أيامه الخوالي, فالرقيب مطلع والكرام الكاتبين لا يبخسونك حقك: "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين" "ووُضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً", فما شيء من عملك بضائع بل ستجازى علي الفتيل: "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان", "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها" "من جاء بالحسنة فله خير منها".
فارغبوا إلى الله فيما عنده من الجزاء, وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
من خطب الشيخ عبدالرجمن السديس -إمام وخطيب المسجد الحرام