وبما أن صنع القرار في الدولة يسير في ركب أهدافها؛ إذ ترمي من ورائه إلى تحقيق هذه الأهداف مرحليًّا أو نهائيًّا، فإنه من الطبيعي أن تختلف هذه العملية ونوعية القرارات في الدولة الإسلامية عنها في غيرها من الدول.
والإسلام في الواقع لم يغلق باب فاعلية ومبادرة الإنسان في مجال التشريع، وإنما حدد إطاره، فثَمَّة قسم من أمور الحياة الإنسانية أصدر القرآن والسنة فيه حكمًا قاطعًا، أو وضَعَا له قاعدة خاصة، وفي مثل هذا الأمور لا يستطيع أي فقيه أو قاصد أو مشرع أن يُغَيِّر ما صدر فيهما من أحكام أو ما تقرر لهما من قواعد، بل فقط ينظم إدارة التطبيق وتنظيم شئونه.. أي سياساته. لكن هذا لا يعني أن الإنسان لا يستطيع التحرك في ميدان التشريع في كثير من الأمور، فدائرة العفو والتجديد والاجتهاد في مستجدات الحياة وفق مقاصد الشرع مفتوحة.
هناك إذاً مجال للتشريع والتقنين في الدولة الإسلامية، ونستطيع أن نقسم القرارات في الدولة الإسلامية إلى أنواع ثلاثة وفق معيار النص عليها في الشريعة ودرجاته.
1 – قرارات تنفيذية لأمور ورد فيها نص في الكتاب والسنة:
فما جاء فيه نص، قضى فيه النصُ وخرج عن اختصاص البشر، فلا يمكن أن يكون محلاًّ للشورى (صناعة القرار)، إلا أن تكون الشورى مقصودًا منها التنفيذ، أي تنفيذ ما جاء به النص، ففي هذه الحالة تجوز بشرط أن لا يخرج التنفيذ عن معنى النص وروح التشريع، وهذه النوعية من القرارات تشمل أمور العبادات والمعاملات.
2 – قرارات في أمور لم يَرِدْ فيها نص، وهذه الأمور تنقسم إلى:
– أمور فكرية وفنية يغلب عليها التخصص كالرأي في الزراعة والصناعة والتعليم والناحية العسكرية والطبية وجميع القوانين المتعلقة بتنظيم الشئون الإدارية، وهذه مسألة عقلية تعتمد على المعلومات السابقة والخبرة والتمرس والتجربة والفهم للواقع والقدرات الفردية كالذكاء وسرعة البديهة وقوة الربط بين أطراف الموضوع ووضوح الرؤية.
– أمور عامة: يتحملها العامة، وهذه يتجلى سلطان الأمة فيها، ويُقضى فيها غالبًا برأي الأغلبية.
والقرارات التي تدور في إطار ما لم يرد فيه نص تنقسم من حيث درجتها إلى:
– مسائل لم تُدلِ فيها الشريعة بحكم، لكنها أصدرت حكمًا في أمور تشابهها، وتكون ممارسة التشريع في هذا القسم بفهم أسباب الأحكام وعللها فهمًا عميقًا، وتنفيذها في الأمور التي تكمن فيها نفس العلل والدواعي، وتحديد ما هو مُسْتَثْنَى من هذه الأمور وما يخلو حقيقة من أسباب الحكم ودواعيه.
– مسائل لم تتبنَّ فيها الشريعة أحكامًا بعينها، وإنما أعطت في شأنها بعض المبادئ العامة الجامعة، أو بَيَّن فيها الشارع المُسْتَحب المطلوب فعله، والمكروه الذي ينبغي منعه وإزالته.
ومهمة التشريع في هذه الدائرة فهم مبادئ الشريعة وأصولها في هذه المسائل، ثم وضع القوانين في الأمور الواقعية الفعلية، بحيث تُبْنَى على ما أوضحته الشريعة من أصول ومبادئ وبحث يتحقق منها القصد الذي أراده الشارع وهدفه، أي الاستنباط للأحكام من روح التشريع.
– مسائل سكتت الشريعة عنها تمامًا، فليس فيها حكم صريح أو قياسي أو مستنبط، وهذا السكوت في حد ذاته دليل على أن الله تعالى أعطى الإنسان حق إبداء رأيه في أمور ومسائل هذا القسم، ومن ثَمَّ يمارس الإنسان التشريع فيها بحرية تامة شريطة أن يتطابق ما يشرعه ويتلاءم مع روح الإسلام ومبادئه العامة، ولا يَشُذُّ في اجتهاده عن مزاج الإسلام العام الذي ي**و نظام الحياة الإسلامية ويسوده.
وهذا يعني تفرد الدولة الإسلامية بالنظر إلى نوعية القرارات بنطاق لا مجال فيه لصناعة القرار إلا في إطار النص، حيث توجد نصوص ملزمة من القرآن والسنة، وهو ما لا يميز الحكومات الأخرى سواء الليبرالية أم الشيوعية. فالأغلبية لا تستطيع في ظل الحكومة الإسلامية أن تتعدى حكمًا شرعيًّا، على حين أنه لا توجد حدود شرعية في الحكومات غير الإسلامية لدرجة إباحة الزنا بل الشذوذ، وهو ما لا يُطرح أساسًا للبحث في إطار الدولة الإسلامية ما دام هناك نص.
وصراحة موضوع ممتاز وشرح مبسط وسهل للنظام الاسلامي…
ولكن ما يغص في النفس هو عدم وجود آلية لهذا الكلام النظري ونتمنى وجوده بشكل فاعل وليس بالشكل الحالي المترهل …
لانه حتى بتطبيق الالية ، ستظهر عدة تحديات لهذا النظام سواء كانت داخلية في تنظيم الامور او خارجيا عن طيق مواجهة النظام الغربي بصوره المختلفة…
وظهور مثل هذه الالية يعني انصهار العلمانية والحداثية وغيرها من التيارات تحت لواها وهو ما سوف يظهر لنا جبهات صراع ان لم تكن الالية على مستوى من الوعي بما تهدف اليه وبما تمليه الظروف المحيطة دون الاخلال بالتوجه العام لها….
مرة اخرى شكرا اخ عاشق الاحمر على موضوعه….