هكذا سألني والدي عندما كان معي في السيارة إلى أين تأخذني يا بني؟ نظرت إليه وهو جالس بقربي فرأيت إنساناً ضعيف البنية قصير القامة، التجاعيد تملأ يديه ووجهه، عيناه فقدت بريقهما امسك بعصاه واتكأ عليها قلت له اجلس جيداً يا والدي لربما اضطررت أن استخدم الفرامل بسرعة فتضرب رأسك بشيء، نظر إلي وكأنه لم يسمعني ثم قال لم تجبني إلى أين نذهب؟ لم أعرف ماذا أقول له، هل أخبره بأنني سأرمي به في دار للعجزة كما طلبت زوجتي، نعم إنني ارميه هناك، وكما يقال أخذته لحماً ورميته عظماً، أتخيله واقفاً أمامي بكل قوته ونشاطه بكل هيبته ورجولته رجلاً طويل القامة عريض المنكبين، لا أصدق كيف أصبح الآن، كنت أهابه في صغري مع انه كان حنوناً وطيباً وكان يحبني جداً لأنني الولد الوحيد بين فتاتين، لكن وبالرغم من حبه الكبير لي إلا انه لم يدللني يوماً بل كان يعاملني كما يعامل شقيقتي اللتين تزوجتا في سن مبكرة وغادرتا المنزل لتعيشا بعيداً واحدة في عمان والأخرى في أبوظبي، بقيت بمفردي في المنزل الكبير لا يشاركني بشيء أحد، وعندما تخرجت في الجامعة أصرت والدتي عليّ وزوجتني ل***ة إحدى صديقاتها وعندما عدت من شهر العسل وفور دخولي إلى المنزل توفيت والدتي فجأة وبدأ المرض يفتك بأبي، أخذت زوجتي تتململ فقلت لها اسمعي يا بنت الحلال هذا أبي إياك والتذمر اعتبريه والدك، قالت لا أنا لا أتضايق من وجوده لكننا ما زلنا في شهر العسل يكفي ان والدتك قد توفيت بعد أسبوعين على زواجنا وبدل ان نستقبل المهنئين استقبلنا المعزين والآن والدك مريض ويجب ان يجري جراحة في القلب مما يعني انك ستبقى معه في المستشفى إلى ان تستقر حاله وأنا ماذا افعل؟ ما هو ذنبي؟ ما هذا الحظ يا ربي؟ شعرت بحزنها وتفهمت موقفها وقلت لها الحق معك سامحيني ولكن الأمور ليست بيدي، ماذا أفعل فقد فقدت والدتي فجأة دون سابق إنذار أعني إنها لم تمرض أو شيء، انت تعلمين فقد نامت ولم تستيقظ كان موتها مؤلماً جداً سبب لي صدمة لم أكن أتوقعها، لم استطع ان أحزن عليها كما يجب بسبب وجودك معي لم أشأ إزعاجك بحزني المتواصل وكلامي عنها، أما الآن فوالدي بحاجة إلى ويجب ان أكون بجانبه، فالله وحده يعلم متى يفارقنا لذا انا لا أطلب منك إلا ان تحتملي معي قليلاً.
هذا الكلام كان منذ عشرة أعوام ر**ت خلالها بولدين وبنت ملؤوا حياتي بهجة وكان والدي خلال هذا الوقت يعيش معنا او بالأصح نحن نعيش في منزله، لكنه لم يكن سعيداً إذ ان زوجتي كانت تتضايق من وجوده وكنا نتشاجر كثيراً بسبب هذا الموضوع إلى ان بدأت تهددني بأن تترك المنزل وتأخذ أولادنا في حال لم آخذ لها منزلاً مستقلاً بعيداً عن والدي، قلت لها يا حبيبتي هذا المنزل لنا باسمي أين تريدين ان نسكن فقالت لو بشقة صغيرة أنا اقبل لكن لا أريد ان يكون والدك معنا قلت الله! ولماذا ما الذي فعله لك فهو بالكاد يكلمك وتكلميه أجابت طريقة ونوعية طعامه تشعرني بالغثيان، أجبتها أنسيت ان والدك يأكل مثله أكنت تشعرين بالغثيان منه؟ ثم انك لا تستطيعين فرض الطعام الذي تحبينه عليه، قالت ليس هذا فقط فأنت لا تكون هنا في النهار فهو يصم آذاننا بصوت التلفزيون الصادر من غرفته، فالصغار لا يستطيعون التركيز في واجباتهم المدرسية، ثم ان هناك رائحة تنبعث من غرفته لا أدري ما هي، تذكرت للتو يا الهي حميد ذهب بإجازة إلى بلده منذ حوالي الأسبوع، ولا أحد يهتم بنظافته ودوائه توجهت إلى غرفته لأجده جالساً على الكنبة مطأطئاً رأسه، فاعتقدت انه نائم اقتربت منه فنظر إلى نظرة مليئة باللوم والعتب، شعره طويل وذقنه ي**وها البياض وِزاره غير نظيف، صينية الطعام لا تزال كما هي على الطاولة لم يقترب منها، المكيف مطفأ صدمت ولمت نفسي على إهمالي له، فأنا بالفعل لم أره منذ يومين كان قبلاً يجلس قليلاً في المجلس مع صديق عمره فكنت أبقى معهما لدقائق وأذهب لأرى الأولاد، اقتربت منه وقلت له تعال يا أبي قم معي قال بصوت مرتجف وكأنه خائف إلى أين تأخذني؟ قلت إلى دورة المياه يجب ان تستحم وتبدل ملابسك قال لا استطيع ان أسير على قدمي فقد كدت أقع بالأمس وأنا عائد من دورة المياه، فجلست على هذه الكنبة إلى الآن قلت منذ الأمس وانت جالس هنا؟ ألم تنم في سريرك؟ قلت يا ولدي لقد خانتني قدمي فجأة ماذا أفعل حاولت ان أقوم عدة مرات لكنني لم استطع فبقيت مكاني خوفاً من ان أقع على الأرض وقلت في نفسي بأن ولدي سيمر ليراني فيساعدني لكنك لم تمر لا بأس فالكنبة مريحة، حملته بين يدي وضعته في فراشه قائلاً سأعود بعد لحظات لا تتحرك فضحك قائلاً وكأنني استطيع! نزلت بسرعة إلى حيث ينام السائق وطلبت منه المجيء معي أول شيء فعلته كان وضعه في مغطس من الماء الدافئ والصابون وطلبت منه ان ينظفه ويهتم به إلى حين عودتي، فور خروجي وجدت زوجتي بانتظاري قائلة ماذا يجري أين تذهب؟ قلت يجب ان آتي بأحدهم للاهتمام به إلى حين عودة حميد قالت تعال اجلس أريد ان أقول لك شيئاً قلت ليس الآن عندما أعود قالت بل الآن انه حل لمشكلة والدك قلت ما هو أجابت لما لا تأخذه إلى المستشفى فهناك يهتمون به أكثر ويعطونه الدواء بوقته قلت لكن والدي ليس مريضاً هو فقط يشكو من العجز قالت انه ليس مستشفى بالمعنى الصحيح بل هو أقرب إلى استراحة للشواب فهناك يهتمون به كما يوجد الكثيرون من سنه فيستأنس بوجودهم صدقني هذا أفضل له من جلسته هنا وحيداً في غرفته طوال النهار، وهكذا تذهب لزيارته يومياً وتأخذ الصغار معك فتطمئن عليه ويرتاح بالك، ها، ما رأيك؟ قلت لا أدري فأنا لا استطيع هل تقبلين انت ان ترسلي والدك إلى هناك؟ قالت بالطبع إذا كان هذا الشيء لمصلحته فأنا لا أتردد ثم هناك مئات من العجائز فهل جميعهم لا يحبون آباءهم، انه فقط مكان للراحة والتسلية لا غير.
عدت إلى الواقع بعد سماع صوت والدي وهو يقول لماذا لا ترد علي أين تأخذني؟ قلت إلى المستشفى أجاب لكنني لست مريضاً وها انا أسير على قدمي ألم ترني صحيح إنني لا أسرع لكن الحمد لله لم أكن بحاجة إلا لقليل من التدليك، لا أريد الذهاب أعدني إلى منزلي، لكنني أكملت طريقي ولم احفل بكلامه كنت أقول لنفسي هنا أفضل، زوجتي على حق، وما هي إلا دقائق حتى أصبحنا على مدخل الاستراحة أوقفت السيارة وترجلت منها متوجها إلى بابه فتحته حملت قدميه ووضعتهما على الأرض ثم أمسكت بيده لأساعده على الوقوف فأمسك مقبض الباب بيده الأخرى وثبت نفسه به إلا إنني سحبته وجررته إلى الداخل وهو يشد نفسه إلى الخلف فلا أكاد اسحبه خطوتين إلى الأمام فيعود إلى الخلف خطوات ثم أتى رجلان من الداخل مع كرسي نقال وضعاه عليها وجراه إلى الداخل أمام مكتب الاستقبال، لم استطع ان انظر إليه ملأت الاستمارة وأعطيتهم الأوراق التي طلبوها مني سابقاً، ذهبت لآتي بحقيبة ملابسه واقتربت منه قائلاً يا يبا لا تحزن فهنا سترتاح انا افعل هذا لمصلحتك صدقني نظر إلي والدموع في عينيه، وقال أتمنى يا ولدي ان يهتم بك أولادك في المستقبل ويعرفون مصلحتك وراحتك كما تهتم انت الآن وقال للرجل هيا خذني إلى غرفتي من فضلك.
جلست في سيارتي أضرب بيدي على المقود دموعي تنهمر على خدي ضميري يؤنبني قلبي يتم** من الألم رؤية دموعه تقتلني، لا أدري كيف وصلت إلى المنزل لأجده خاوياً من دونه شعرت للمرة الأولى بأن أولادي لا يسدون إلا جزءاً من هذا الفراغ الذي تركه والدي، استقبلتني زوجتي بملابس جديدة وعطر فواح استقبلتني بترحاب لم تفعله من قبل وكأنني عائد من معركة نظرت إلى عيني المتورمتين من كثرة البكاء، وهزئت مني قائلة يا سلام لِمَ البكاء فهو لم يمت انه على بعد دقائق منك، قلت لها لا استطيع تركه هناك سأذهب الآن لأعود به إلى المنزل، كيف فعلت هذا، كيف سمعت منك كيف أقنعتني، انا سوف أخدمه وأعطيه دواءه لقد أهملته بما فيه الكفاية وبالآخر أرسلته إلى مكان غريب عليه لا يعرف أحد فيه أخرجته من منزله غصباً عنه، يا لي من ولد عاق أرجو ألا يكون الأوان قد فات سأعود الآن إلى هناك وأطلب منه السماح قالت ان عدت به إلى هنا فلن تجدني انا وأولادك، قلت لها ماذا؟ أعيدي ما قلت أجابت كما سمعت لن تجدنا هنا فأنا لم اصدق بأن هذا الكهل قد ذهب ولا استطيع ان أكمل معك ان هو عاد فتحت الباب على مصراعيه قائلاً الباب يفوت جمل، ستحل واحدة مكانك وستنجب لي الأولاد فافعلي ما تريدين لأنني سأعيد أبي جنتي وناري والذي لا أستطيع ان آتي بغيره ليحل مكانه.
المصدر
يعني الوالدين من صغرهم يربونهم ويهتمون فيهم وينظفونهم و يحاتونهم ولا حتى يتأففون منهم بس العيال يوم يكبرون ردو الآباء شره ما كانو عيالهم عليه …بس يا تره من اللي يهتم فيهم ويداريهم…؟؟؟؟؟؟
سعيد الحظ اللي يشل والدينه على كفوف الراحه …هذوله جنتنا ونارنا اللي وصانا الله سبحان وتعالى ورسولنا فيهم …
فأتقوا الله
شكرا لج يا صمت الجروح
اما الزوجه فيوجد غيرها الكثير
ثم من لم يرحم كهوله ابويه لن يرحمه ***ائه
افعل يا *** ادم ما شئت كما تدين تدان
جزاك الله خيرااا الموضوع جميل
اللهم أعنا على طاعتك وطاعة والدينا يارب
شكرا صمت الجروووح على القصه
وفي انتظار المزيد ان شاء الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم أنك غفو كريم تحب العفو فاعفوا عنا
[/gdwl]