تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » من الأدب الكردي المعاصر !!.

من الأدب الكردي المعاصر !!. 2024.

يحق للريح أن ترتع في جسدك فتملؤك صخباً وعنفواناً..أنت وإن كنت هاجسي في بعض اللحظات.. ولكن ..تجعلني أكابد كراهيتك".
تناسوا هذا الكلام ودعوني أحدثكم عن أمر حلّ بي جعلني أهذي قليلاً..جميل أن تجد نفسك تهذي.. ليس دائماً..الساعة الآن الواحدة ظهراً.. من يوم سبت كئيب يكرهه كل من ارتبط بعمل رسمي..أنا لا أختلف كثيراً عن بقية الخلق.. فأنا مجرد ناسخ على آلة كاتبة تحولت بفعل التطور إلى جهاز حاسب آلي.. أراحني هذا الجهاز من جهد التفكير بكيفية طباعة الخطابات بصورة ترضي رئيسي بالعمل الذي يصغرني سناً.. قدرٌ هذا..من منكم فكر بجدلية المراكز؟ عموماً لا أعبأ بذلك فكلٌ لما كُتب له..ربما تتساءلون: ماذا يعنينا من ذلك.. لا بأس.. أتفق معكم أن العمل الرسمي كئيب وأيامه متشابهة.. فيوم السبت هذا يشبه أي سبت قبله باستثناء أيام الإجازات التي نادراً ما أحصل عليها.. ولكن.. هذا السبت غير..بالذات عندما أشار عقرب الساعة إلى الواحدة ظهراً ..
أنا هنا أجلس على مقعد أمام جهاز الحاسب وأصابعي تلتهم أحرف لوحة المفاتيح لأكتب خطاباً يعج بمصطلحات إدارية فجّة..كنت أوشكت على إنهائه لأذيله باسم رئيسي .. ثقلت يداي وهما تضغطان على لوحة المفاتيح..عندها شعرت بتحول ذلك الجهاز إلى صندوق خشبي أصم.. خفت كثيراً.. كدت أقع.. اتجهت إلى مكتب رئيسي وأنا أرتجف رعباً لأخبره بذلك الأمر.. أردت أن أحمل بعض الأوراق.. فوجئت بتحولها إلى قطع خشبية..تركت كل شيء واتجهت إلى مكتب الرئيس.. يذهلني دائماً مكتب الرئيس.. أنتم معي.. أغلب "المديرين" يحبون أن تتضخم الأشياء حولهم فالمكتب ..ضخم..والمقاعد كذلك.. ليبدو المراجع أمامهم قزماً..هل لاحظتم ذلك وأنا هنا مرؤوس ..لاحظتم مدى تقزمي؟
لحسن الحظ كان الباب مفتوحاً..دلفت..انتشلت كلمات التحية من بين فكّيّ.. لم يجب كالعادة.. أصبحت واقفاً قبالته.. أعرف أنه سيصرخ في وجهي وسيسأل: ماذا تريد؟ وأين الخطابات؟ وقد هيأت نفسي لأقول له: ثمة أمر حدث لجهاز الحاسب.. وسيصرخ بصوت أعلى: وما شأني؟ اتصل على الصيانة ودبر نفسك..
أعرف..وأعرف أنكم ستقولون: إذا كنت تتوقع هذا فلماذا تذهب إليه لتخبره؟! ولكنكم تعرفون أن جهاز الحاسب الآلي لم يتعطل، بل تحول إلى كتلة خشبية..وهنا أعتقد أنه من المهم أن أخبر مديري أو رئيسي بالعمل- سموها كما شئتم-…
وها أنا أقف قبالته..مؤشر الساعة لم يبرح الواحدة.. ورئيسي يقابلني بابتسامة مادا ًيده لمصافحتي..
يا لسعادتي.. ويا للطمأنينة التي بدأت تدب في جسدي.. مددت يدي .. كانت يده هي الأعلى محاطة بكل الأشياء الضخمة ويدي تتدثر بالتقزم.. ولا بأس.. فاليوم سبت والساعة الآن الواحدة ظهراً ..
يبدو أنه مبتهج..
لذا فكل كلمة سيقولها قد تفيدني..
اتجهت يدي بكامل أصابعها ليده الرحبة المعطاءة لتصافحها..
لم أشأ أن أفسد نشوة ملامسة جزء من جسده بالكلمات التي تخرج من فمي..ليكن تركيزي موجهاً ليدي ولأعط مجالاً لفمي بعد ذلك عندما تركن يدي بجانبي مزهوة بالسلام واللقاء..
اقتربت كثيراً لتصل يدي إليه..
صافحته..
أجل صافحته..
أعرف أنكم ستقولون: وماذا يهمنا إذا أنت صافحته، فكثير من الصغار يصافحون الكبار.. ولا يحدث شيء.. ولكن اعذروني إذا قلت لكم: إن رئيسي من فصيلة الكبار ولكنه من فصيلة نادرة.. عذراً لهذا المصطلح.. ولكن ما أقوله حقيقة فهو من النادر جداً أن يتفضل علينا بابتسامة.. قد يقول أحياناً: كيف حالك، ولكنه لا يبتسم..ولا يصافح.. يومئ أحياناً برأسه مسلّماً.. وهذا يكفينا.. ولكن ها أنا أصافحه..
هل أكتفي بذلك؟
لحظة..
انتظروا..فقد. فقد حدث شيء مهم عندما صافحته..
أرعبني .. وسيرعبكم…سيجعلكم تبتعدون عني..
لقد تحول رئيسي إلى كتلة من الخشب.. ليس تمثالاً..بل كتلة من الخشب..سقطت على الأرض..سمعت صوت سقوطها.. لقد امتص التضخم الذي يتسم به مكتبه صوت ذلك السقوط على الرغم من أن الصوت كان مريعاً..بالذات لي..
ماذا أعمل؟ قررت أن أغلق باب المكتب وأن أضعه على كرسيه الوثير..
المشكلة أن كل شيء أمسك به يتحول إلى كتلة من الخشب.. فكرت أن ألهو قليلاً..
رائق أنا..لا بأس..أمسكت بكتلة المدير الخشبية.. فوجئت بتلك الليونة لذلك الخشب.. ليونة أشبه بالطين المهيأ لعمل أواني الفخار .. الأمر الذي أجج الحماس في داخلي..لأكون منه شيئاً..
تتفقون معي أن أي مرؤوس سيسعد عندما تأتيه الفرصة بالعبث برئيسه.. بالذات إذا كان متسلطاً..
وكل مرؤوس مثلي لديه من التراكمات ما يحفزه على فعل ذلك..
أكيد تتفقون معي..
فماذا أفعل بهذه الكتلة الخشبية اللدنة؟
بعضكم ابتسم.. ربما قرأ فكرة خبيثة ارتسمت في ذهني..
ولكن ما ذنب ال****؟
هي محاولة وسأغادر بعدها المكتب..
اليوم سبت.. وعقرب الساعة لازال يشير إلى الواحدة ظهراً .. والخشب اللدن يتشكل في يدي..لم أستطع أن أنحت ****اً..ولكنه شيء أشبه بذلك.. حقيقة ليس أشبه بذلك فالخشب تحول إلى كائن مخيف.. ليس بالإنسان ولا الحيوان..يذكرني كثيراً بما أشاهده في أفلام الرعب وغزاة الفضاء..
وضعت تلك الكتلة على كتلة الكرسي الوثير الخشبية.. وغادرت مسرعاً عائداً إلى مكتبي..لمحت الساعة التي أضعها دائماً بجانب جهاز الحاسب لمعرفة وقت انصرافي إلى البيت.. كان قلبي يخفق كثيراً..تحاشيت أن ألمس أي شيء.. فوجئت بأن مؤشر الساعة غادر الواحدة كما غادرت مكتب المدير.. تذكرت كتلة جهاز الحاسب الآلي..فوجئت بأن الجهاز عاد إلى سابق عهده.. عدت إلى مشروع الخطاب..اتجهت أصابعي إلى لوحة المفاتيح لتلتقط أحرفاً أسطر بها اسم رئيسي.. كل شيء طبيعي .. طبعت الخطاب.. أخذت بقية الأوراق..
تقولون: كانت غفوة أثناء العمل..ربما..ولكن ما شاهدته أشبه بالكابوس المزعج..قرأت المعوذتين.. ربما هي إشارة لقرب فترة التقاعد..هذا مصير أصحاب الوظائف الرسمية.. وعموماً عندما يتحقق ذلك سأكون حراً.. أخذت الأوراق..ابتسمت قليلاً..تذكرت كيف أنني قبل دقائق كنت أعبث بكتلة المدير الخشبية..تصنعت الجدية ودلفت مكتب المدير.. كل شيء على ما هو عليه سابقاً.. اتجهت عيناي إلى المدير..قابلني ذلك الكائن المخيف..
لمحت ساعة الحائط خلف مكتبه..
كانت عقاربها تشير إلى الواحدة إلا دقيقة.

منقول

تسلم يا انكوندا على الموضوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.