تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » ما هذه القسوة؟

ما هذه القسوة؟ 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يقول الحق تبارك وتعالي: " ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" [البقرة 74]

نزلت هذة الآية الكريمة في بنى إسرائيل ولكنها للأسف أصبحت تنطبق على كثير من المسلمين الذين أصبحت قلوبهم لا تهتز ولا تتأثر بذكر الله أو بآياته التى حولنا في كل مكان. قسوة القلوب أصبحت شائعة ورقة القلوب أصبحت في ندرة!! ولا حول ولا قوة إلا بالله.

جلست في يوم من أيام شهر رمضان في انتظار صلاة الظهر بأطهر بقاع الأرض. جلست في الحرم المكي الشريف بعد أن خُتم القرآن وسمعنا كلام الله خلال الشهر المبارك. وكان بجواري بعض الأخوات اللواتي بدأن في سرد طرائف عن أطفالهن وصرن يضحكن ويقهقهن….أقيمت الصلاة وصلينا وما أن انتهت الصلاة حتى أُذن مرة أخرى … "الصلاة على الأموات والطفل يرحمكم الله!" والجميع يعلم أن في الحرمين الشريفين نسبة كبيرة من الصلوات المفروضة يتبعها صلاة جنازة.

بما أني كنت بالصف الثاني بالطابق الثاني -وهو كالشرفة تطل على الكعبة والطائفين- رفعت بصري بعد الصلاة فرأيت الأموات محملون على الخشب… رجلان وامرأتان وطفل. وكان الطفل صغيراً جداً ووضع في صندوق مكشوف، ومن صغر حجمه وضعت وسادة بين رأسه وحافة الصندوق حتى لا يتحرك داخله عند حمله!

كل منهم محمول وحيداً فريداً… اهتزت مشاعري؛ فقد كانت تهتز لتلك الصلاة ولكن هذة المرة كان الوقع على نفسي أكبر لأني رأيت الجنازة.

وسمعت إحدى جاراتي تقول "خمس جثث!!" وردت الأخرى قائلة "أمس في إحدى الصلوات كان هناك تسع أو عشر دفعة واحدة"… ثم جلسن واستكملن حديثهن عن الأطفال وبدأن يضحكن مرة أخرى وكأن شيئاً لم يكن.

الأنفس لم تتزلزل لهذا الموقف الرهيب… ما هذة القسوة؟ ما هذا الجفاء؟ يرون الموت بأعينهم ولا تهتز مشاعرهن؟؟ جلست وأسندت رأسي على ركبتيَ وبدأت في البكاء… لم أبكي على المحمولين فحسب؛ ولكني بكيت على نفسي وعلى ما سأسير إليه… بدأت أفكر ماذا لو كانت تلك الصلاة التي لا ركوع فيها ولا سجود هي صلاة عليَّ… سأجلس هذا المجلس وأنام تلك النومة مهما طالت حياتي ومهما تأخرت آخرتي.

هؤلاء الأموات طويت صفحاتهم.. لا صلاة لهم بعد الآن.. لا حسنات ولا أعمال خير توضع في الميزان.. ما أن قبضهم ملك الموت لا يستطيعون أن يحركوا ولو إصبعاً واحداً … انتهى أمر دنياهم وصاروا في دار علم لا عمل عندهم بعد أن كانوا في دار عمل أغلبهم غافل عنها ولا علم لهم بها.

أين أعينهم التى نظروا بها إلى الحلال وأيضاً إلى الحرام؟ أين أموالهم التي أنفقوها في سبيل الله أو في المعاصي؟ أين ألسنتهم التي تكلمت بالصدق أو بالزور؟ أين آذانهم التى استمعت إلى الخير وأبت أن تسمع غيره أو استمعت إلى الشر واندمجت فيه؟ أين جاههم؟ أين شخصياتهم؟…. أين هم؟ أين هم؟… كل شيء سكن وأصبحوا لا شيء!

تصوري نفسك مكانهم… يا من أرضيت صديقاتك وعصيت الله.. يا من اغتبت أخواتك.. يا من تعديت على حقوق جيرانك.. يا من تنامين عن صلاة الفجر للذة النوم… يا من تعقي والديك… يا من تركت الحجاب الذي أمر الله به… يا من تكاسلت عن الصلاة… يا من كان الكذب طريقك… يا من… ويا من… لكل منا أن تتخيل نفسها… التي أساءت إلى زوجها… التي بخلت على أخواتها … والتي والتي… سنلقى الله! سنلقى الله!

وماذا إذن؟ ماذا سنقول؟ هل سنقول: " رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ" [المنافقون 10]

لن يكون هناك مهلة متى جاء الأجل وانقضى العمر فالله سبحانه يقول: " وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" [المنافقون 11]

ويقول الحق: " حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون" [المؤمنون 99-100]

فيقول الإنسان لربه "أرجعني… أرجعني لعلي أعمل صالحاً في الدنيا إذا رجعت إليها…. صالحاً من الإيمان وما يتبعه من الأعمال الخيرة… ولكنها كلمة يقولها ولو أُجيب إلى ذلك لما حصل منه الوفاء.

الموت حتم لازم لا مناص منه لكل حي من الخلوقات. " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ" [العنكبوت 57) فماذا أعددنا لهذا اليوم؟

مهما طال عمرنا فإننا في هذة الحياة الدنيا ماكثون لفترة قصيرة؛ وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" [رواه البخاري] .. من يتأمل هذا الحديث يجد أنه عندما يكون غريباً في مكان ما فإنه يكون أكثر حذراً، وكل خطوة يخطوها بحساب. يسأل ويستفستر ويتحقق من طريقته حتى لا يضل. وفي حال السفر لا يأخذ معه إلا ما يحتاجه ولا يثقل حمله بما لا ينفعه في سفرته.

حياتنا في هذة الدنيا يجب أن تكون على هذا النحو؛ نتزود فيها بما ينفعنا فقط ونترك ما لا ينجينا يوم الحساب. حياتنا ما هي إلا محطة من المحطات التي نقف عليها في طريق عودتنا إلى الله.

فلنخشَ الله ونقم حدوده استعداداً لذلك اليوم الذي لا مفر منه، ولنحاسب أنفسنا قبل هذا اليوم الذي لا مفر منه…. هل صلينا الفجر في وقته؟ هل حافظنا على جميع الصلوات؟ هل قرأنا شيئاً من كتاب الله؟ هل ثابرنا على الأذكار عقب كل صلاة؟ هل حافظنا على السنن الراتبة؟ هل خشعنا وتدبرنا في صلاتنا؟ هل قرأنا شيئاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هل ابتعدنا عن جلساء السوء؟ هل بكينا اليوم من خشية الله؟ هل استغفرنا الله من ذنوبنا؟ هل دعونا الله أن يثبت قلوبنا على دينه؟ هل حمدنا الله على نعمه الجليلة؟ هل تصدقنا على الفقراء والمحتاجين؟ هل تجنبنا الكبر والاعتزاز بالنفس؟ هل تذكرنا الموت؟ هل تذكرنا القبر؟ هل تذكرنا أهوال اليوم الآخر؟….. أسئلة جم غفيرة….

فلنتقِ يوماً نرجع فيه إلى الله! فالموت آت لا مناص منه!

منقول

شكراً على الموضوع
دمــــوع بارك الله فيك وجزاك الله خير وشكراً لك على الرد والتواصل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.