وقادت هذة الرغبة فى إعادة تأسيس دولة والنجاة من التنكيل إلى تشكيل المنظمة الصهيونية فى عام 1897 وقد عهد الى هذه المنظمة بمهام
الوصول إلى الرغبة المنشودة فى إقامة دولة يهودية .
و من المهم أن تلاحظ أن هؤلاء اليهود الذين كانوا عرضة لأعمال التنكيل ليس لهم أدنى علاقة عرقية باليهود الساميين الذين عاشوا في فلسطين و احتلوا جزءا منها.و نذكر بأن اليهود الساميين الأساسيين قد جرى نقلهم بعيدا إلى العبودية و الشتات خلال فترات تاريخية عديدة من قبل عدة ملوك و ممالك:
أ) قامت مملكة آشور بالاتصال أولا بمملكة إسرائيل الشمالية عندما هزم شلمناصر الثالث القوى المتحالفة لدمشق و حماة و إسرائيل و بقية الدول في معركة قرقر سنة 854 و استولت المملكةالآشورية سنة 735 ق. م تحت (قلسر الثالث ) على مدينة السامرة وفي سنة 722 ق.م أخمد خليفته سرجون ثورة في مدينة السامرة و بعد حصار دام ثلاث سنوات استولى على المدينة ثانية و قام بتهجير سكانها (فيما عدا المعدمين) إلى ديار آشور و جلب أسرحدون و***ه و آشور بنيبال بعض الشعوب المقهورة من الشرق و أسكنها في ديار السامرة ونتج عن تزاوج هؤلاء مع اليهود الذين خلفوا في ديار السامرة بما يسى بالسامرة .
ب) في سنة 625 ق.م اضمحلت قوة مملكة آشور و ظهرت قوة عظمى و هي دولة البابليين تحت حكم نبوخذ نصر من 562- 406 ق.م . واستولى هذا الملك على مملكة إسرائيل الشمالية و نقل أواني الطقوس التي كانت تستخدم في الهيكل أثناء الصلوات من نبلاء يهوذا و كذلك نقل الملك يهوياكين ملك الإسرائيليين مع أمه و زوجاته و ثلاثة آلاف أمير و سبعة آلاف رجل قادر إلى بابل .و أحرق نبوخذ الهيكل و هدم مدينة القدس و سبى الجميع إلى بابل ( فيما عدا المعدمين ) و تدعى عمليات التهجير في أيامنا الحالية باسم (الشتات) مشيرة بذلك إلى اليهود الذين جرى تحويلهم إلى العبودية خلال عمليتي الفتح التاريخيتين.
ج) كانت هناك عمليات سبي أخرى على مستوى أدنى قام بها حكام مصر و سوريا وروما أيام بومبي ساعدت على زيادة تبعثر وتشتت الإسرائيليين و بالنسبة لحقائق التاريخ نجد أن اليهود الذين احتلوا في مرة من المرات فلسطين أو ( أرض الميعاد ) التوراتية تشتتوا للأبد و اختلطوا بين شعوب العالم ، ومنذ أيام الإسكندر الكبير 332 ق . م هاجر الإسرائيليون بالآلاف إلى الأقطار و المدن المجاورة بقصد العمل و التجارة .
وبالنسبة لهؤلاء اليهود الذين رغبوا سنة 1897 بإعادة امتلاك فلسطين لتكون وطنا قوميا لهم ، لم يكن لهم أدنى علاقة باليهود الساميين الذين وجدوا قبل 2500 سنة مضت . و مرد هذا ليس تمازج الدم عن طريق الزواج فحسب بل يعود أيضا إلى الأعداد الكبيرة من غير الساميين الذين تحولوا إلى اليهودية و أبرز مثال نجده لدى الخزر و هي قبيلة تعيش اليوم في روسيا الحالية .
ثانيا : قدمت الحكومة البريطانية في سنة 1917 أثناء الحرب العالمية الأولى وعدا إلى الصهاينة : أن البريطانيين سيؤيدون تأييدا تاما أهدافهم و رغباتهم فيما يتعلق بفلسطين و جاء وعدهم ضمن إعلان وعد بلفور المشهور في سنة 1916 ثار العرب ضد فرنسا و بريطانيا بعدما اكتشفوا الخداع الذي مارسته القوتان العظيمتان لاحتلال وطنهم و تقديم بلادهم لقمة سائغة إلى المنظمة الصهيونية .
وعندما يقرأ المرء جيدا في خطط و مواقف القوى الأوروبية الرئيسة نحو الشعب العربي في فلسطين نجد من الصعب العثور على قصة موازية في الخداع المدهش و انعدام الأمانة في الأدب التاريخي أو الأسطوري.
ففي الوقت الذي تقبل فيه البريطانيون مساعدة الشعب العربي ضد الغزو الألماني للشرق الأوسط ، تآمروا بالسر و باعوا حلفاءهم العرب إلى الحلم الصهيوني في إنشاء وطن قومي جديد و أرسل وزير الخارجية البريطاني رسالة إلى المنظمة الصهيونية وبشكل محدد إلى البارون روتشيلد يشجع فيها اليهود على الاستيلاء على فلسطين لتكون وطنا قوميا لهم.
و مع أن وعد بلفور الذي جرى قطعه في عام 1915 فإن البريطانيين أبقوه سرا ليستفيدوا من مساعدة العرب في القتال ضد الألمان و نعلم الآن أنهم أبقوه أيضا سريا بسبب انشقاق خطير كان قائما بين اليهود المحافظين و اليهود المتمسكين بادعاءات المنظمة الصهيونية و ميثاقها .
لقد استغرقت كتابة وعد بلفور عامين و قد صدرت كلماته عن وزارة الخارجية البريطانية و لكن النص أعيد النظر فيه جرى تعديله من قبل المنظمات في أمريكا و إنجلترا.
و بينما كان الجنرال اللنبي في الثاني من تشرين الثاني 1917 يشق طريقه في فلسطين و معه جيشه الريطاني أصدر آرثر بلفور وزير الخارجية البريطاني الوعد المشهور الذي حمل اسمه و قدمت هذه الوثيقة موافقة بريطانيا بشكل رسمي على جعل فلسطين وطنا قوميا للشعب اليهودي .
و حكم البريطانيون فلسطين خلال الثلاثين سنة المقبلة تحت لواء ما يعرف باسم الانتداب الذي أصدرته عصبة الأمم القديمة و بدأ الوطنيون العرب في مقاومة الاحتلال البريطاني لوطنهم .و منح وعد بلفور الصهيونية دعم قوة شرق أوسطية رئيسة و هكذا انطلقت الصهيونية دينيا و سياسيا في ظل الانتداب ، و قد عانى البريطانيون من غضب العرب و اليهود على السواء خلال ثلاثين عاما من الاضطرابات والإرهاب و القتل و الأعمال الوحشية و لأول مرة جرى استخدام مصطلح جديد بدون أي معنى هو مصطلح الوطن القومي لليهود الصهاينة .
عاش في فلسطين عام 1914 ثلاثة آلاف من المزارعين اليهود و مع نهاية الحرب العالمية الأولى 1918 انقسم سكان فلسطين إلى 644000 من العرب و فقط56000 من اليهود ،و بديهي أن اليهود لم يستولوا على فلسطين عدديا أو صناعيا من الالفين و خمسمئة سنة الماضية و لتوضح بأن كلا من البريطانيين و اليهود كانوا يعرفون صحة هذا ، فهذه البلاد عادت ملكيتها إلى الأجداد الساميين للشعب العربي الحالي .
اعتمد وعد بلفور على كلام مزدوج و خداع بارع لا مثيل له .إذ من المفترض إضافة فقرة ( لحماية الأكثرية المحلية من السكان العرب القاطنين في فلسطين) ، فمنذ عام 1917 و حتى اليوم نلاحظ ان فلسطين بأكملها قد جرى الاستيلاء عليها من قبل الساسة الصهاينة ، و العالم بأسره قد آمن بهذا و أيد و شارك في ( سرقة ) بلاد بأسرها من أمة بأكملها ، إن كل شيء عادت ملكيته سابقا إلى السكان العرب من أراض و بيوت وعادات و اقتصاد قد حل محله إشراف و نفوذ و تحكم إسرائيل و قد لحق هذا حتى اسم البلاد بالذات . وقد جرى الترويج إعلاميا إلى الادعاء القائل بأن فلسطين وطن قومي لليهود و أن اليهود يطلبون العون فقط لاستزداد ما هو حقهم المشروع . جرى الترويج إلى حد اتهام الإنسان بالتمييز العنصري و باللا سامية إذا لم يكن مؤيدا لاحتلال فلسطين وسرقتها.
و تبعا لوعد بلفور وعد الجنرال اللنبي وجيمس بلفور السكان العرب في فلسطين بأن حقوقهم ستجري رعايتها و كذلك فعل مؤتمر سان ريمو و الرئيس ولسون في الفقرة الثانية عشر من مبادئه الأربعين صحيح أن الجميع قد( وعدوا ) بتقديم معاملة عادلة للشعب العربي . إنما في نفس الوقت عملوا بشكل واضح على تأييد و تمويل التدمير الكامل للسكان العرب و تهجيرهم و إحلال سواهم محلهم .
و أيدت الولايات المتحدة و فرنسا وعد بلفور ليس من باب الشعور بالعدالة و التعاطف بسبب سوء حال اليهود بل من باب الاعتبارات العسكرية و السياسية ، وقد قبل مواطنو البلدان الثلاث ( بريطانيا و فرنسا و الولايات المتحدة ) المتدينون و عديمو الخبرة الانتداب بشكل أعمى لأنهم رأوا فيه بالمرثية الأولى من الوفاء بالوعود التوراتية لليهود و أيد آخرون الوعد معتبرين إياه طريقة شرعية للتعويض عن المظالم التي حلت بالابرياء من الشعب اليهودي .
و لكن الفلسطينيين لم يكن لهم أدنى علاقة بالتنكيل باليهود وهكذا اصبح المنكل به منكلا بالآخرين .
و السؤال: من الذي اعطى القوى الثلاث العظمى بما في ذلك المنظمة الصهيونية الحق في ( إعطاء ) وعود و في ممارسة التحكم بالشعب الفلسطيني و بلاده ؟
و قد تجنب الوعد التسمية أو الإشارة إلى استمرار وجود السكان العرب فقد جرت تسميتهم بكل بساطة ( الطوائف غير اليهودية ) و كأنهم كانوا بالفعل أقلية في البلاد و ذلك بدلا من ذكر المهاجرين من اليهود الذين كانوا يشكلون 8% من مجوع السكان .
و منذ ذلك الوقت و حتى يومنا هذا جرى تجاهل السكان الفلسطينيينرالمهجرين و المشتتين و حتى المنبوذين من قبل الجميع و كأنهم (بكل بساطة) ليسوا موجودين .
ثالثا : هنالك حقيقة قليلة الانتشار و لكنها صادقة هي أنه قبل وعد بلفور الزائف كان اليهود القلة الذين في فلسطين يعيشون بين السكان العرب الفلسطينيين في سلام ووئام كعلاقة الثقة و السلام القائمة في نابلس بين العرب و أقلية ضعيفة في السامرة الذين هم منبوذين حتى من قبل أهل دينهم اليهودي مع أنهم وثيقو الصلة باليهود .
و هنالك عنصران رئيسان يجب معرفتهما :
1) هنالك محاولة من قبل بعض القوى لإيقاف الظلم الذي حل بالفلسطينيين أو التعويض عنه وإزالته .
2) هنالك محاولة مضادة من قبل بعض الدول لإدامة هذا الظلم لا بل لمده و نشره .
من كتاب : سرقة أمة
للكاتب الأمريكي : وليم و. بيكر