إن الله عز وجل يعطي المال المسلم والكافر لأنه زهرة الدنيا التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة ، يعطيه المسلم تكرما وتفضلا ويعطيه الكافر ابتلاء وامتحانا ليزداد به إثما على إثم والله عز وجل وحده العليم بأحوال الناس جميعا مسلمهم وكافرهم ، غنيهم وفقيرهم .
إن الإسلام يدعو إلى التكافل الاجتماعي في حياة المسلمين جميعا ، لذلك حث المسلمين على الانفاق في وجوه الخير ، وبشر المنفقين بالخير الوفير في الدنيا والآخرة .
إن للصدقة أثرا نفسيا طيبا تحدثه في نفس المحتاج إذ يشعر من خلالها بالتضامن والتكافل القائم بينه وبين أخوانه المسلمين والمقصود من الصدقة والإنفاق في سبيل الله هو المحافظة قدر الإمكان على شعور المسلم وصيانة كرامته كيفما كانت الظروف . وإ***ج الصدقة والإكثار من الإنفاق في وجوه الخير فيه تزكية لنفس معطيها من الشح والبخل ، وهي أيضا تطهير لنفس آخذها من الحسد والضغينة التي تتجسد في تمني زوال النعمة عن الغير ، ويكفي في عموم فضل الإنفاق وجدواه في حياة المسلمين أجمعين أن فضل وأثر الإنفاق الحسن لا يقتصر في المنفعة على الطرف المعطي وإنما يعم النفع المعطي والآخذ ، ففي الإنفاق تكافل اجتماعي وتجسيد حقيقي لمعنى التعاون على البر والتقوى ، فيجب علينا أن نحرص على الإنفاق ولا نبخل ، لأن ما عند الله باق وما عندنا ينفذ ، ولأن أجر الصدقة عظيم وثوابها عميم والذين ينفقون ابتغاء وجه الله وطمعا بما عند الله من خير ، جزاؤهم كبير يوم القيامة ، وفي الدنيا يبارك الله لهم في أموالهم وأولادهم وأعمارهم ويسعدهم ويبعد عنهم المصائب والمحن ، لذلك ترى الذين ينفقون يزيد مالهم وينمو ويزدادون خيرا على خيرهم [ فما نقص مال من صدقة ] و [ أنفق يا بن آدم ينفق عليك ] .
ووجوه الخير والعمل الصالح والبر باب واسع يلج منه المسلم حتى يبلغ عند الله أسمى الدرجات وأعلاها ، على أن يعمل مبتغيا بذلك وجه الله والدار الآخرة ، وما يتبع إنفاقه ويبطله بالمن والأذى والرياء والسمعة ، ووجوه الإحسان كثيرة ينبغي للمسلم أن يسهم فيما يستطيع منها من بناء المساجد وتوفير مياه للشرب وطباعة الكتب الدينية ، وتوزيع المصاحف ، ومساعدة مشاريع تعليم القرآن الكريم ، وإعانة المجاهدين في سبيل الله ، ومواساة المنكوبين والمشردين من المسلمين والمصابين بالمجاعة .
وفي هذا البلد الطيب ـ ولله الحمد والمنة ـ جمعيات خيرية كثيرة ومتعددة تستقبل التبرعات والصدقات من المحسنين وتصرفها في المشاريع الخيرية العديدة في أرجاء العالم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ سبع تجري للعبد بعد موته وهو في قبره : من علم علما أو كرى نهرا أو حفر بئرا أو غرس نخلا أو بنى مسجدا أو ورث مصحفا أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته ] . والإنفاق يشمل بعمومه ما كان على الأهل ، فإن النفقة على الأهل تقتضي الأجر والثناء للمؤمنين المنفقين ، فقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ حين عاده مريضا عام الفتح [ وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا ازددت بها درجة حتى ما تجعل في في امرأتك ] أي فم امرأتك .
وفي الآية الكريمة بيان لصفة الصدقة ووقتها ، فصفتها السر والعلانية ، ووقتها الليل والنهار ، ولعل تقديم الليل على النهار والسر على العلانية للإيذان بمزية الاخفاء على الإظهار .