المطلب الخامس: بذل السيد جهده في عتق عبيده..
قضت سنة الله الكونية أن يختلف الناس، وأن يتبع ذلك حروب، وأن يغنم المنتصر الأموال ويسبي النساء والذرية، ويأسر الرجال ويسترق الجميع..
وهذا ما كان الناس يفعلونه قبل الإسلام، بل كانت طرق الاسترقاق متعددة، فمن الناس من يسترق المرأة، ومنهم من يسترق الأجير، ومنهم من يسترق ذا لون معين.
فلما جاء الإسلام أبطل تلك الطرق كلها، ما عدا طريق الحرب، فقد أبقى جواز استرقاق أسرى الحرب، لأن الكفار كانوا يسترقون المسلمين إذا أسروهم، فأعطى الله المسلمين حق استرقاق عدوهم معاملة بالمثل.
ومعلوم أن العبيد بالمصطلح الشرعي، غير موجودين الآن في غالب العالم الإسلامي، ويقال: إنهم لا زالوا موجودين في موريتانيا وبعض البلدان الأفريقية، والله أعلم بشرعية ذلك.
ولكنهم – أي العبيد – قد يوجدون في المستقبل، كما وجدوا في الماضي، ولذا تبقى أحكامهم الواردة في الشريعة الإسلامية أحكاما قابلة للتطبيق إذا وجدوا.
والنصوص الواردة في السنة تدل على أن رايات الجهاد سترتفع، وستكون ملاحم مع أعداء المسلمين، من اليهود وغيرهم، ودواعي الجهاد وأسبابه متوفرة الآن، لأن أعداء الإسلام يشنون حملات ظالمة على البلدان الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها…
ومن أهم دواعي الجهاد احتلال اليهود للأرض المباركة وعدوانهم المشاهد على أهلها، وقد وعد الله المسلمين بالنصر على أعدائهم إذا اتخذوا أسباب النصر التي أمرهم بها، ومنها إعداد العدة المستطاعة.. [يراجع في أسباب النصر كت***ا "الجهاد في سبيل الله – حقيقته وغايته"].
وإذا كان قادة المسلمين مقصرين في إعداد العدة، لرفع راية الجهاد اليوم، فسوف لا يستمر الحال على ما هو عليه، فالقوي اليومَ ضعيفٌ غداً، والضعيف اليومَ قويٌّ غداً، والأيام دول..
(( إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ )) [آل عمران(140)].
هي الأمور كما شاهدتها دول
،،،،،،،،،،،،،،، من سره زمن ساءت أزمان
والإسلام لا يضيره عيب أعدائه له، لتشريعه الرقَّ، لأنه شرع – في الأصل – للمعاملة بالمثل، فقد كان الرق مشروعاً عند الأمم قبل الإسلام كما سبق، بوسائل شتى، وكان من وسائل الاسترقاق، أخذ الأسرى في الحروب، فعامل الإسلام أعداءه بمثل معاملتهم للمسلمين..
فإذا عقدت بين الأمم – ومنهم المسلمون – اتفاقات ومعاهدات على عدم الاسترقاق، جاز ذلك، لأن الاسترقاق ليس واجباً في الإسلام..
بل للإمام أن يعامل الأسرى بما يرى فيه مصلحة للمسلمين..
وهو مخير بين خمسة أمور:
الاسترقاق..
أو إطلاقهم على مال يؤخذ منهم..
أو مفاداة أسرى المسلمين بهم..
أو المن عليهم بدون مال..
أو القتل.. وكلها وقعت في العهد النبوي.
قال *** الخرقي رحمه الله:
"مَسْأَلَةٌ وَإِذَا سَبَى الإِمَامُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ.. إنْ رَأَى قَتَلَهُمْ.. وَإِنْ رَأَى مَنَّ عَلَيْهِمْ وَأَطْلَقَهُمْ بلا عِوَضٍ.. وَإِنْ رَأَى أَطْلَقَهُمْ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ.. وَإِنْ رَأَى فَادَى بِهِمْ.. وَإِنْ رَأَى اسْتَرَقَّهُمْ.. أَيَّ ذَلِكَ رَأَى فِيهِ نِكَايَةً لِلْعَدُوِّ وَحَظًّا لِلْمُسْلِمِينَ فَعَلَ" وذكر *** قدامة الأدلة على كل خصلة من هذه الخصال…[9/179)].
وأوجب الله عتق الرقبة كفارة للقتل الخطأ في ثلاث حالات، لا ينتقل منه إلى غيره إلا إذا تعذر..
تضمنتها الآية الكريمة في قوله تعالى: (( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً )). [النساء:92].
وجعل تعالى عتقهم من مصارف الزكاة..
فقال: (( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )) [التوبة (60)].
وخيَّر تعالى من حلف فحنث، أن يكفر بواحدة من ثلاث، منها تحرير رقبة..
كما قال تعالى: (( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )). [المائدة:89].
خُيِّر في الإطعام وال**وة والعتق.. ولا ينتقل إلى الصيام إلا إذا لم يجد واحدة مما ذكر.
وأوجب سبحانه على من ظاهر من امرأته، ثم أراد إبقاءها زوجة له، أن يعتق رقبة، ولا ينتقل منها إلى غيرها إلا إذا لم يجدها..
قال تعالى: (( وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ )). [المجادلة: 3،4].
وحث الرسول صلى الله عليه وسلم على العتق ووعد عليه بالجزاء العظيم..
كما روى أبو هريرة، رضي الله عنه:
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ( من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها، عضواً من أعضائه من النار حتى فرجه بفرجه ). [مسلم (2/1147)].
وشرع صلى الله عليه وسلم عتق من لطمه سيده كفارة لتلك اللطمة..
كما في حديث *** عمر، رضي الله عنهما، قال:
إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه ). [مسلم (3/1278)].
وفي حديث معاوية بن سويد، قال:
لطمت مولى لنا فهربت، ثم جئت قبيل الظهر، فصليت خلف أبي، فدعاه ودعاني، ثم قال: امتثل منه فعفا، ثم قال: كنا بني مقرن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس لنا إلا خادم واحدة، فلطمها أحدنا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ( اعتقوها ) قالوا: ليس لهم خادم غيرها، قال: ( فليستخدموها، فإذا استغنوا عنها فليخلوا سبيلها ). [مسلم (3/1279)].
وهذان الحديثان يدلان على أن العبد يجب أن يعيش لدى سيده آمناً من الاعتداء، فإن لم يجد لدى سيده الأمن، فينبغي للسيد أن يعتقه لينجو من الخوف الذي أصيب به بسبب رقه عنده.
وإذا كان العبد مشتركاً بين جماعة، فأعتق أحدهم نصيبه منه عَتَق سائره، ووجب على المعتق أن يعوض من ماله شركاءه نصيبهم منه، فإن لم يكن للمُعتَقِ نصيبُه مال، طلُبَ من العبد أن يسعى في تحصيل نصيبهم، من غير أن يشق عليه في ذلك..
كما في حديث أبي هريرة، رضي الله عنه:
عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( من أعتق شقصاً في عبد أعتق كله، إن كان له مال، وإلا يستسع غير مشقوق عليه ). [البخاري (3/113ـ114) ومسلم (3/1287)].
أي إن كان للمُعتِق نصيبَه مال، فعليه أن يعطي شركاءه نصيبهم، لأن العبد قد تحرر كله بسبب عتقه نصيبه، وإن لم يكن للمعتق مال، طلب من العبد أن يسعى في مال الآخرين من الشركاء، وروايات مسلم عن أبي هريرة وغيره توضح هذا المعنى.
وأمر الله تعالى المالكين أن يلبوا طلب العبيد مكاتبتهم، إن علموا فيهم خيراً، والمكاتبة عقد بين العبد والسيد، على مال يدفعه العبد منجماً أو دفعة واحدة إن قدر، ويعتبر العبد بعد دفع المال حراً، وأمر السيد أن يعين عبده بإعطائه شيئاً من مال الكتابة، أو إنقاص شيء منه ليتمكن من تحرير نفسه.
قال تعالى: (( ..وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ.. )). [النور:33].
والظاهر أن الخبر المشروط علمه في العبد المكاتب، يشمل صلاحه في دينه وأخلاقه، وفي قدرته على ال**ب واستغنائه عن الناس به.
ورغب النبي صلى الله عليه وسلم في عتق الأمة وتزوجها، لرفع قدرها وجعلها ركناً في بناء الأسرة المسلمة..
كما روى أبو موسى الأشعري، رضي الله عنه، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران ). [البخاري (3/113ـ114)].
وشرع صلى الله عليه وسلم ذلك بفعله ليكون قدوة لغيره، كما شرعه بقوله..
روى أنس بن مالك، رضي الله عنه:
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها". [البخاري (6/121) ومسلم (2/1045)].
ولقد كان صلى الله عليه وسلم شديد الاهتمام بالرقيق، ولهذا أوصى به في آخر لحظات حياته مع وصيته بالصلاة.
قال علي رضي الله عنه:
كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم ). [أحمد (1/78) وأبو داود (5/359) و*** ماجة (2/901) قال الشوكاني في نيل الأوطار (7/3) وهو يعلق على حديث أنس الذي في معناه: حديث أنس أخرجه أيضاً النسائي و*** سعد، وله عند النسائي أسانيد منها ما رجاله رجال الصحيح].
اتمنى لك السعاده في حياتك العلنيه والعمليه
مع خالص تحياتي دمعه حزينه
ر**نا الله وإياكم العلم النافع.. والعمل الصالح.. وال*** البار..
آمين..