تابع: المطلب الخامس: بذل السيد جهده في عتق عبيده..
تنبيه:
قد يقال: ما الحاجة إلى نقل هذه النصوص للاستدلال بها على أن الإسلام عني بتحرير الرقيق، في عصر لم يعد فيه للرقيق مكان، إذ جاء عصر الحرية وحقوق الإنسان وتحرير الرقيق.!!!
والجواب من وجهين:
الوجه الأول:
إن الاستعباد في هذا العصر أخذ صوراً أخرى، والمستضعفون فيه أشد ذلاً من العبيد الأرقاء، عصر استعبدت فيه دولٌ دولاً وشعوباً، وشركات قطعاناً من البشر، وأغنياء عدداً من الفقراء، وإن لم يسم المستعبِد سيداً. ولا المستعبَد عبداً، فالرق المذل موجود وإن لم يسم رقاً. وهذا الرق أولى بالرحمة ومنحه الحرية، لأنه مستعبد بغير وجه مشروع.
[وإن المشاهد التي يعرض الشيء اليسير منها، لأسرى المسلمين الذين اقتادتهم أمريكا في حملتها الصليبية الصهيونية، إلى غواتنامو، لخير شاهد على الاستعباد الذي يندر أن يوجد له نظير، الدولة التي تتعاطاه هي دولة حماية الحريات وحقوق الإنسان في مطلع القرن الحادي والعشرين..! فليقارن المسلمون وغير المسلمين، بين الرق في الإسلام، والرق عند أعداء الإسلام الطاعنين فيه..!!!].
فذلك مثال للأسير المستعبد عند دعاة الحريه..!!!
وهذا مثال واحد أسوقه بدون تعليق، من الأمثلة التي وقعت للأسير في صدر الإسلام:
روى أبو هريرة رضي الله عنه قال:
بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلاً قِبَل نجد، فجاءت برجل من بني حَنِيفة يقال له: "ثمامة بن أثال" فربطوه بسارية من سواري المسجد..
فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:
( ما عندك يا ثمامة؟ ) فقال: عندي خير يا محمد، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت..
حتى كان الغد، ثم قال له:
( ما عندك يا ثمامة؟ ) قال: ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر..
فتركه حتى كان بعد الغد، فقال:
( ما عندك يا ثمامة؟ ) فقال: عندي ما قلت لك، فقال: ( أطلقوا ثمامة ).
فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد، فقال:
أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إليّ، والله ما كان دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحب الدين إليّ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى..؟
فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة، قال له قائل: صبوت، قال: لا، ولكن أسلمت مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة، حتى يأذن بها النبي صلى الله عليه وسلم.. [البخاري رقم 4372، فتح الباري (8/87) ومسلم (3/1386)].
الوجه الثاني:
أن الرق في الإسلام ما زال مشروعاً، إذا وجد سببه وهو الجهاد في سبيل الله، وإذا كان الجهاد في سبيل الله الآن غائباً في أغلب المعمورة فإنه آت بإذن الله على رغم أنف الأعداء الكفار الصرحاء الذين يهاجمون الإسلام لتشريعه الجهاد واتهامه بشتى الاتهامات، وعلى رغم أنف أبناء المسلمين الذين نصبوا أنفسهم سدوداً ضد الجهاد في سبيل الله..
وإذا جاء الجهاد في سبيل الله وجد الرقيق – إن لم يتم اتفاق على إلغائه بين الأمم كما سبق – وإذا وجد الرقيق احتاج إلى تلك التوجيهات الشرعية لتحريره ورحمته والإشفاق عليه.