المبحث الثامن عشر: النصح لكل مسلم..
في اللسان: النصح: نقيض الغش…
وفي الحديث: ( الدين النصيحة، لله ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم ).
قال *** الأثير:
"النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة، هي إرادة الخير للمنصوح له، فليس يمكن أن يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة تجمع معناها غيرها". [ترتيب اللسان (3/646) والحديث سيأتي ذكره وذكر مصدره].
وإذا علم أن النصيحة هي إرادة الخير للمنصوح، فإن من المناسب أن يكون هذا المبحث هو خاتمة مباحث الفصل الأول من هذا الباب، وهو السعي لتحقيق الأخوة الإسلامية وتقويتها، لأن هذا المبحث جامع لمعاني المباحث السابقة وغيرها، مما لم يذكر بالنص عليه.
فقد بين تعالى أن النصح هو وظيفة الأنبياء والرسل وأتباعهم، وأن الأنبياء والرسل وأتباعهم لا يريدون إلا الخير للمنصوح لوجه الله تعالى، لا يريد من الناس جزاءً ولا شكوراً.
فقال تعالى عن نوح عليه السلام: (( أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ )). [الأعراف: 62].
وقال عن هود عليه السلام: (( أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ )) [الأعراف: 68].
وقال عن صالح عليه السلام: (( فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ )). [الأعراف: 79].
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه على النصح لكل مسلم..
كما في حديث جرير بن عبد الله البجلي، رضي الله عنه، قال:
"بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة… والنصح لكل مسلم". [البخاري (1/20) ومسلم (1/75)].
ومن أجمع الأحاديث في النصيحة الشاملة لمستحقيها، حديث تميم الدارمي رضي الله عنه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الدين النصيحة )..
قلنا: لمن؟
قال: ( لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم ). [مسلم (1/74)].
ولم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا العموم في النصيحة الذي تضمنه حديث جرير: ( النصح لكل مسلم ) وحديث تميم ( …ولأئمة المسلمين وعامتهم )..
بل نصَّ صلى الله عليه وسلم على النصح في أبواب متعددة، اهتماماً به، لما يحققه من الخير في المجتمع الإسلامي، إذا نصح كل فرد فيه لأخيه المسلم وأسرته ومجتمعه.
فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على النصح في محيط الأسرة..
كما في حديث أبي أمامة:
عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقول: ( ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيراً له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته.. وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله ). [*** ماجة (1/596) قال المحقق: "في إسناده علي بن يزيد، وقال البخاري منكر الحديث، وعثمان بن أبي العاتكة مختلف فيه، وله شاهد من حديث عبد الله بن عمر، ص597"].
والمرأة إذا نصحت عمَّ خير نصحها الأسرة كلها، في التربية والخدمة وحفظ المال، وحفظ نفسها، والقيام بكل واجب، إما بنفسها أو عن طريق أولادها وخادمها.
وفي محيط الولاية السياسية حثَّ بعض الرعية على النصح لواليها، وحثَّ الوالي على النصح لرعيته، وإذا أدت الرعية النصح لواليها، وأدى الوالي النصح لرعيته، استتب الأمن في البلاد وتمتعوا جميعاً بالعدل والسلام، ولم يقدر أعداء الإسلام على إثارة الأحقاد بين الراعي ورعيته..
لأن النصح يقتضي من الراعي الإشفاق على رعيته، والعدل بينهم، وإيتاءهم حقوقهم، وكف الظلم عنهم وتنفيذ أحكام الله فيهم.
والنصح من الرعية يقتضي طاعة ولي الأمر في غير معصية الله، ومناصرته والوقوف ضد من أراد به سوءً، وعدم الخروج عليه ما لم يأت كفراً بواحاً..
وأعداء الإسلام إنما يحدثون الشقاق بين الولاة ورعيهم بسبب اعتداء يقع من الولاة على الرعية، أو بغي من الرعية على ولاتهم، فإذا نصح كل منهم للآخر النصح الشرعي الذي يحقق مصالح الأمة، لم يجد الأعداء إلى التحريش بينهم سبيلا.
روى أبو هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ( إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويبغض لكم ثلاثا: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويسخط لكم قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال ) [الموطأ (2/990) ومسلم (3/1340) وليس فيه "وأن تناصحوا"].
وفي حديث معقل بن يسار، رضي الله عنه، قال في مرض موته لعبيد الله بن زياد:
إني محدثك بحديث، لولا أني في الموت لم أحدثك به، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما من أمير يلي أمر المسلمين، ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة ). [مسلم (1/126)].
وروى *** مسعود رضي الله عنه:
عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( نضر الله امرأً سمع مقالتي، فوعاها وحفظها، وبلغها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم، إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن الدعوة تحيط من ورائهم ) [الترمذي (5/34ـ35).
ومن ذلك النصح لجماعة المسلمين الذي أوصى به بعض السلف، وهو الربيع بن خيثم، رحمه الله..
قال:
"بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به الربيع بن خيثم، وأشهد الله عليه، وكفى بالله شهيدا، وجازيا لعباده الصالحين ومثيبا، فإني رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، وإني آمر نفسي ومن أطاعني أن نعبد الله في العابدين، ونحمده في الحامدين، وأن ننصح لجماعة المسلمين". [سنن الدارمي (2/292)].
وفي محيط المعاملات الاقتصادية وغيرها حضَّ صلى الله عليه وسلم كذلك على النصح..
قال الإمام البخاري، رحمه الله: باب إذا بين البيعان، ولم يكتما ونصحا…
وساق حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ) أو قال: ( حتى يتفرقا، فان صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما ). [البخاري (3/10)].
قال الحافظ رحمه الله: وقال *** بطال: أصل هذا الباب أن نصيحة المسلم واجبة". [فتح الباري (4/310)].
وفي محيط الخدمة وأداء العمل، حضَّ على النصح صلى الله عليه وسلم..
كما في حديث عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما:
عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( إذا نصح العبد سيده وأحسن عبادة ربه، كان له أجره مرتين ). [البخاري (3/124) ومسلم (3/1284)].
وفي حديث أبي هريرة، رضي الله عنه:
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خير ال**ب **ب يد العامل إذا نصح ). [أحمد (2/334)].
ترى لو نصح كل مسلم لأخيه المسلم وأسرته المسلمة ومجتمعه المسلم، هذا النصح الشامل الذي لا يشذ عنه أي مجال من مجالات الحياة، هل يخاف أحد من أحد على نفس أو مال أو عرض؟.
وهل يفقد الأمن في أغلب المجتمعات الإسلامية، كما هو الحال في هذا الزمن..!!!
(( وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )). [الأنعام: 81ـ82]
موقع الروضة الإسلامي..
http://216.7.163.121/r.php?show=home…enu&sub0=start
"كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"
بارك الله فيك يا أخي الكريم …
ونقلك طيب .. إن شاء الله تعالى
شكرا لك
روح وريحان..