الفصل الثاني: تجنب الأسباب المؤدية إلى فقد الأخوة الإسلامية أو ضعفها..
وفيه تمهيد و ثمانية مباحث:
المبحث الأول: اجتناب الظلم.
المبحث الثاني: اجتناب الحسد.
المبحث الثالث: اجتناب الاحتقار والسخرية.
المبحث الرابع: اجتناب الهجر والقطيعة.
المبحث الخامس: ترك ما يثير الشك والخوف في نفس المسلم.
المبحث السادس: اجتناب الغيبة والنميمة.
المبحث السابع: ترك المنافسة للمسلم فيما بدأ فيه من المعاملات.
المبحث الثامن: الابتعاد عن الغش والكذب.
تمهيد..
إن ما سبق في الفصل الأول هو نماذج لما يقوِّي الأخوة الإسلامية بين أفراد المجتمع، ويثبت أواصر المحبة والود والتعاون، على البر والتقوى ويحقق السعادة للجميع والأمن على الحقوق..
وفي هذا الفصل نذكر نماذج، هي على ع** ما ذكر في الفصل الأول، تعود على الأخوة الإسلامية بالنقض، أو تضعفها وتوهي رابطتها، وتشيع البغضاء والتنافر بين أفراد المجتمع، وتجعل بعضهم خائفاً من بعض، غير آمن له على حقوقه ومصالحه..
وكل خصلة تكون سبباً لحدوث ذلك بين المسلمين حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما حث على ما يقوي أخوتهم ومحبة بعضهم لبعض..
المبحث الأول: اجتناب الظلم..
إن تدمير الظلم لحياة البشر وتقويضه لصرح الأخوة الإسلامية، أمر معلوم بالضرورة لا يحتاج إلى شرح وإيضاح..
والظالم عندما يعتدي على غيره، يعلم أنه ظالم، وليس المقصود هنا بيان ما ورد في الظلم من نصوص الكتاب والسنة وغيرهما من كلام العلماء بياناً شاملاً، وإنما المراد بيان أن الظلم من أعظم الأسباب المحطمة لصرح الأخوة الإسلامية..
فإن المسلم إذا ظلمه أخوه المسلم سيحاول دفع الظلم عن نفسه ومن هنا يحدث النزاع والخصومات..
ولو فرض أن المظلوم صبر على ظلم ظالمه، فإنه لا يثق فيه ولا يأمنه على شيء من حقوقه..
ولهذا كان الظلم من أول ما يناقض الأخوة الإسلامية، فيجب اجتنابه والقضاء عليه للمحافظة على رابطة الأخوة الإسلامية..
روى عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه… ) الحديث. [البخاري (3/98) ومسلم (4/1996)].
فقوله صلى الله عليه وسلم: ( المسلم أخو المسلم ) تقرير للأصل الذي يجب أن يكون بين المسلم والمسلم، وهو الأخوة الإسلامية المقتضية للود والصفاء وسلامة الصدور والنصح والتعاون بينهما..
وقوله بعد ذلك: ( لا يظلمه ) تحذير من أهم العوامل المناقضة لتلك الأخوة، وفي طليعتها الظلم أي أن يظلم المسلم أخاه المسلم…
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ( ولا يسلمه ) أنه يجب على المسلم أن لا يسلم أخاه المسلم إذا ظلمه أحد، بل يجب أن يدفع عنه الظلم إذا كان قادراً عليه..
فالمسلم ليس منهياً عن ظلم أخيه المسلم فحسب، بل هو مأمور مع ذلك بدفع الظلم عن أخيه إذا صدر من غيره عليه ولا يسلمه له..
وفي حديث أبي ذر، رضي الله عنه:
عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه: ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ) [مسلم (4/1994)].
والآيات والأحاديث الواردة في التحذير من الظلم وبيان مخاطره وأضراره كثيرة جداً..
وإن من أعظم أسباب تأخر الأمة الإسلامية وخسارتها، انتشار الظلم بينها، الذي أصبح أمراً مألوفاً، في بلدانها، حيث يظلم القوي فيها الضعيف، على مستوى الأفراد والجماعات والأحزاب والدول، فلا يجد المظلوم من ينصره على ظالمه..
ولهذا سلط الله تعالى على الأمة كلها، أعداءها من اليهود والصليبيين والوثنيين عليها، تحقيقاً لسنة الله في خلقه، عندما ينتشر بينهم السوء الشر، ويعم أرضهم الظلم والمنكر، فلا تقوم منهم فئة كافية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأخذ على يد الظالم ودفع ظلمه عمن ظُلِم..
قال تعالى: (( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )) [الأنفال:25].
وفي حديث حذيفة بن اليمان:
عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ) [أحمد (5/388) و الترمذي 4(/468) وقال: "هذا حديث حسن"].
موقع الروضة الإسلامي..
http://216.7.163.121/r.php?show=home…enu&sub0=start