تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » خواطر ـ الموبايل وأيامه ؟! ـ بقلم: صلاح عويس

خواطر ـ الموبايل وأيامه ؟! ـ بقلم: صلاح عويس

  • بواسطة
في جلسة هادئة جلسنا نستمتع بجو الربيع في الامارات.. كانت الجلسة خلوية في حديقة منزل مضيفنا العزيز، ولا ندري كيف جرنا الحديث من هذا الجو الخلوي البديع الى الهاتف «الخليوي» او «الموبايل» ونوادره.

وأخذنا نتذكر الايام الاولى لانتشار هذا النوع وكيف كان منظر الناس يبدو غريبا ونحن نشاهد بين وقت وآخر سيدة او رجلا يضع يده على اذنه ويشيح بذراعه ويده وشفتيه، بل كان بعضنا يتصور ان حديث هذا الرجل او السيدة موجه اليه هو، وقد يتهيأ للرد عليه او عليها، وكم كان يحس بالخجل عندما يكتشف ان الحديث لا يخصه. وتصبح الورطة انكى واشد اذا كانت المتحدثة سيدة يغطي شعرها الهاتف الصغير واقتضى حديثها فيه ان تبتسم وهي تحرك شفتيها فاذا برجل ما يصور له غروره ان «جماله الفتان» قد سحرها، ويا ويله لو راودته نفسه على الاقتراب من «الفريسة الجميلة»!!

وانبرت السيدة زوجة مضيفنا لتنتقل بالحديث الى نوع آخر من الخليوي وهو المسمى بالانجليزية «هاند فري» اي الذي تستخدمه وقد تحررت يداك منه بحيث تقود سيارتك وانت آمن، وتصبح البلوى اكبر اذ يختفي الموبايل عن انظار الناس ويبدو المتكلم كالمجنون يحادث نفسه. وروت مضيفتنا كيف كانت تقود سيارتها ذات يوم اذ جاءتها مكالمة من صديقة لها، وطال الحديث وتخلله بالطبع تلويح بالايدي «الحرة او الفري بالانجليزية» ولا بأس من بضع ضحكات ودودة. واستغرقت السيدة في حديثها ـ وهي بالمناسبة سيدة أعمال ـ وفجأة حانت منها التفاتة الى الأمام واذا بها تجد عشرات الرؤوس والعيون تطل عليها من سيارة لنقل العمال وقد اشرأبت أعناقهم من اول صف داخل السيارة الى حافتها الخارجية المطلة على سيارتها.. ولكم ان تتخيلوا قدر الخجل والارتباك اللذين داهما محدثتنا.

المهم.. اخذني هذا الحديث بعيدا الى موضوع آخر هو قدرة اللسان العربي على استيعاب الكلمات الاجنبية وتطويعها الى حد اشتقاق الافعال والصفات منها ودمجها في لغة الحياة اليومية مثل التليفون وتَلْفَنَ، والتشييك «بمعنى الفحص» الى آخره.

وعلى طريقة النحاة وأترابهم أخذت أتلاعب بكلمة «موبايل» وأتصور ان من الممكن اشتقاق الأفعال التالية منها: «مَوْبَلَ ـ يُمَوْبِلُ ـ ومَوْبِلْني.. الخ».

وشطح بي الخيال الى عصر أمير الشعراء احمد شوقي وقصيدته الجميلة «جارة الوادي» وصوت الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب وهو يتغنى بتلك القصيدة وخاصة ذلك البيت الذي يقول:

وتعطلت لغة الكلام وخاطبت

عيني في لغة الهوى عيناك

فماذا لو عاش شوقي بيننا الآن واستولت على ذهنه مسميات مستحدثات وأدوات عصر التكنولوجيا؟!

هل من المستبعد ان يصبح ذلك البيت مثلا على الوجه التالي:

وَتَمَوْبَلَتْ لغة الكلام… الى آخره.

ولعل أمير الشعراء سوف يلاحظ أن لغة الكلام ولغة العيون تعطلت بالفعل واندثرت بعد عصره الرومانسي الجميل، وحلت محلها لغة «الموبايل»، بل انه قد يجد لغة اخرى ايضا تختلف عن رسائل الحب والغرام في أيامه التي كانت تحمل عطر ذلك الزمان ورسم القلب والسهم الذي يخترقه او طبعة الشفتين على الورق، وسيرى بدلا منها ـ على شاشة الموبايل ايضا ـ رسوم أشكال قبيحة ذات خطوط جامدة تخلو من الجمال والدفء والحياة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.