(والسماء بنيناها بأيدٍ وإنا لموسعون) [سورة الذاريات: الآية 47].
لغويّاً الأيد معناها القوة، والكلمة مشتقة من وآد وأيّدَ أي قوّى، وهذا المعنى لكلمة الأيد نستخلصه أيضاً من قوله تعالى: (واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار)[سورة ص: الآية 45]، و (واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنه أوابٌ) [سورة ص: الآية 17].
ومن مثاني قوله تعالى: (والسماء بنيناها بأيدٍ وإنا لموسعون)، أي الآيات الكريمة التي تشرحها، قوله: (أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما…) [سورة الأنبياء: الآية 30]، و(أأنتم أشدُّ خلقاً أم السماءُ بناها. رفع سمكها فسواها. وأغطش ليلها وأخرج ضُحاها) [سورة النازعات: الآية 27 – 29]، ذلك أن فصل السماوات والأرض يستتبع بالضرورة توسّعهما. وعلى ضوء استعراض تاريخ اكتشاف توسع الكون تظهر المعاني الإعجازية الكامنة في الآيات الكريمة أعلاه.
ففي عام 1912 تبيّن للعالم (سليفر) (Melvin Slipher) أن المجرات تتباعد عن مجرتنا بصورة متزايدة.
وفي عام 1916 جاءت نظرية النسبية العامة لأينشتاين تؤيد نظرية توسّع الكون.
وفي عام 1929 أكد العالِمان همسن (Humasom) وهوبل (Hubble) نظرية توسع الكون، ووضع (هوبل) القاعدة المعروفة باسمه أو قانون تزايد بُعد المجرات بالنسبة لمجراتنا وبالنسبة لبعضها البعض، وبفضل هذا القانون أمكن حساب عمر الكون التقريبي.
ومع تقدم علوم الفيزياء الحديثة أمكن بواسطة دراسة طيف (Spectre) ضوء النجوم والمجرات وانزياحه نحو الأحمر (Red Shift) أن تُحسب السرعة التي تبتعد بها المجرات عن بعضها البعض (كلما تباعدت النجوم والمجرات عنا انزاح طيفها نحو اللون الأحمر).
فمجموعة المجرات المعروفة بكدس العذراء (Amas de la Vierge) يتزايد بعدها عن مجرتنا المسماة (باللبنيّة) 1200 كلم في الثانية؛ ومجموعة المجرات المعروفة بكدس العُدار (Amas de l’hydre) والذي تفصله عنا مسافة ملياري سنة ضوئية تقريباً (السنة الضوئية تعادل 10 آلاف مليار كلم) يتزايد بعدها عنا 60 ألف كلم في كل ثانية. وبصورة عامة فإن المجرات وتجمعات المجرات وأكداس المجرات هي أشبه ما تكون بكتل غازيّة هائلة من الدخان، ما تزال تتوسع وتنتشر ويتوسع معها الكون منذ حصل الانفجار الهائل في الكتلة الغازية الأولى. ويشبّه العالِم الفلكي المعاصر هيوبرت ريفز (Hubert Reeves) الكونَ بقالب من الحلوى انتثرت عليه حبات من العنب هي المجرات، وهذا القالب يتوسع في مجال يخلقه لنفسه كما ينتفخ قالب الحلوى في الفرن.
ولقد أجاب هذا العالِم عن سؤال طُرح عليه عن نظرية توسّع الكون وهل هي حقيقة علمية فأجاب: نستطيع القول اليوم إن توسّع الكون هو شبه مؤكد (quasi – cartain).
إضافة إلى ذلك يقول علماء الفلك إن انفجار الكتلة الغازيّة الأولى وتوسّع الكون المستمر الذي نشأ من هذا الانفجار هو السبب المنطقي الذي يشرح الظلمة الحاكمة في الكون الذي هو شبه خالٍ بالرغم من ملايين المليارات من النجوم التي تسبح فيه. كما أن الانفجار الكبير وتوسّع الكون هو السبب في انتشار الضوء بعد أن كان محبوساً داخل الكتلة الغازيّة الأولى، ولا يستطيع الإفلات منها بحكم قوة الجاذبية الكامنة فيها. ونقرأ في كتاب الله الكريم ما يشرح ذلك بكلمات:
(أأنتم أشدُّ خلقاً أم السماءُ بناها. رفع سمكها فسواها) [سورة النازعات: الآية27، 28].
وقد بين علم الكونية اليوم أن بناء السماء وتسويتها كان بفعل رفع سماكة الكون أي بتوسّعه الناتج عن الانفجار الكبير.
(وأغطش ليلها وأخرج ضُحاها) [سورة النازعات: الآية 29].
كان الكون حتى ثلاثمئة ألف سنة من بدء نشأته شديد الظلمة.
وبعد ثلاثمئة ألف سنة من بدء نشأة الكون ظهر الضوء وذلك عندما استطاعت جزئيات الضوء (Photons) التي يتكون منها أن تترك الكتلة الكونية البدائية التي كانت محصورة فيها، وذلك بعد أن تغلبت قوة الدفع الناتجة عن الانفجار الذي حصل في الكتلة البدائية للكون على قوة الجاذبية الكامنة فيها والتي كانت تمسك بجزئيات الضوء وتمنعه من الظهور والانتشار. فالضوء لم يظهر إلا بعد ثلاثمئة ألف سنة من بدء نشأة الكون، وبفعل الانفجار الكبير والتوسع الذي حصل في كتلة الكون البدائية. فالظلام سابق في وجوده على النور كما أثبتت العلوم الفيزيائية الحديثة وكما أشار إلى هذه الحقيقة القرآن الكريم في قوله تعالى: (وأغطش ليلها وأخرج ضُحاها)، و (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) [سورة الأنعام: الأية1].
لماذا الليل أسود؟
لقد تساءل علماء الفلك منذ قرون عن سبب سواد الليل بالرغم من مليارات النجوم والمجرات التي تلمع في الليل، ولم يستطيعوا الإجابة عن هذا السؤال بصورة علمية إلا في القرن العشرين من خلال مبدأ توسّع الكون الذي يباعد ويشتت نور النجوم والمجرات. فالليل أسود لأنه لا يوجد ما يكفي من النجوم لملء السماء بالضياء. فكلما توسع الكون تشتت ضوء النجوم ووصل إلينا ضئيلاً، لذلك يبدو الليل أسود. أما في كتاب الله فالإشارة واضحة إلى أن زيادة سماكة السماء أي توسّع الكون هو الذي سوّى السماء وأظلم ليلها وأخرج ضياءها، كما سبق شرحه في الأسطر القليلة أعلاه.
ومع اتفاق أغلبية علماء الفلك في النصف الثاني من القرن العشرين على حقيقة توسع الكون سقطت فرضية أزلية الكون وقدمه، وثبت علميّاً أن للكون بداية ونهاية. وقد كان آخر من أذعن لهذه الحقيقة الفلكية وأشدّ من حاربها، كما أسلفنا، هم علماء الفلك من التابعين للمدارس المادية الإلحادية التي تقول بقدم وأزلية الكون، فسبحان الذي صَدَقَنا وعده فأرغم المكابرين على الاعتراف ضمنيّاً بوجوده رغم أنفهم مصداقاً لقوله تعالى: (قُل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيدٍ. سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق، أولم يكف بربك أنه على كل شيءٍ شهيدٌ. ألا إنهم في مريةٍ من لقاء ربهم، ألا إنه بكل شيءٍ محيط) [سورة فصلت: الآيات 52 – 54].
كمان العلم يؤكد ذلك.
مشكور يا خويا.