الألغاز الشعبية لها العديد من المسميات التي تعرف بها، وقد تختلف معاني وأسماء كلمة لغز حسب البيئة أو المنطقة أو البلد، كما أننا نجد الاختلاف في مفهوم اللغز ومدلوله اللغوي، ولكن كلمة (لغز) هي الكلمة المشهورة والمتداولة في البلاد العربية لدقة مفهومها وسلاسة لفظها·
وبعض التسميات التي باتت متعارفاً عليها فصيحة وبعضها دارجة أو محلية معروفة لدى بعض الشعوب في المنطقة، أما في الإمارات فيسمى هذا الفن بالألغاز، ولاتوجد تسمية أخرى له في حين أن للألغاز عدة تسميات متعارف عليها في بعض الدول المجاورة، فمن تسميات الألغاز ( الحجى) و ( الغطاوي) و ( الحزورة) و(الفزورة)·
ففي العراق تسمى الألغاز (حزورات) أو (حـزازيـر) مـن حـزر وتعنـي قـدر بالحدس أو بالتخمين، والتخمين من خمن يخمن·
وفي الكويت تسمى ( الغطاوي) ومفردها (غطاية) وتعني أن الجواب في اللغز مغطى أو مخفي، والغطو كلمة دارجة في اللهجة الكويتية وتعني الألغاز والأحاجي، والكلمة فصيحة من غطو الشيء أي ستره و أغطوا والغاطية الستر·· أما في السعودية فتسمى ( الحجايا) أو (الغبايا) و الفوازير ومنهم من يسميها ( أحاجي) أو (الأحاجي)·
والحجي تعني الأحجية من حجى، وحجى الأمر ظنه أو ادعاه ظاناً ولم يستيقن، والأحاجي من الكلام المغلق منه أو غير المفهوم من أول وهلة·
والفزورة أو اللغز من فزر، والفزر الشق أو ال**ر، وفزر الشيء أي فتته، وهذه التسميات معروفة وشائعة في الأقطار العربية، وكلها ترمز إلى شيء واحد هو اختبارات الذكاء التي عرفها العلم فضلاً عـن كونـها أداة تسلية وتثقيف·· هذه التسميات وإن اختلفت في الألفاظ والمعاني والكلمات فإنها جميعها تعبر عن مفهوم واحد ألا وهو الإغماض والإخفاء والسؤال، فالألغاز تطرح سؤالاً بطريقة مستترة أو خفية بحيث لا يستطيع المستمع التوصل إلى الإجابة بكل سهولة بل يحتاج إلى التفكير والمعرفة والتمعن في الكلمات ودلالاتها اللفظية واللغوية·
الجذور التاريخية للألغاز
منذ القدم عرف العرب الألغاز (الحزورة) والأحجية وجمعها (حجاوي) وقد وردت كثير من الحكايات ال***فية والشعبية ذات اللغة السحرية عند مختلف الشعوب، ولكن تفرد العرب بالكنوز السحرية الملغزة منذ أقدم نصوص عثر عليها مثل ملحمة جلجامش·
وتفنن العرب بالحزور والألغاز ومباريات الذكاء و الفصاحة وهذا ما كشفت عنه الرموز التراثية القديمة للحضارات العربية منذ جلجامش وقصة أحيكار أو أهيكار السريانية ذات الجذور البابلية·
و إلى جانب ذلك فقد عثر على كثير من الألغاز في البرديات الفرعونية، والمأثورات الجاهلية ثم الإسلامية فيما بعد، مروراً بالعصور التاريخية القديمة والحديثة التي تحفل بالأحجية والملغزات وفنون القول والتلاغز بين الناس، وخاصة بين الشعراء والحكواتية والملغزين·
كما وجدت الألغاز مدونة في المخطوطات السنسكريتية والمدونات الصينية والمخطوطات اليابانية، ويعتبر الشرق مهد هذا النوع من التعبير الأدبي، حيث وجدت في المخطوطات السنسكريتية القديمة بعض الألغاز التي تسأل عن الكون ومظاهره والعلل المسيرة له· ويزخر التراث العربي بأنواع عدة من الألغاز سواء ما ورد في رسائل الملوك والأمراء أو ما تبادله الشعراء في مساجلاتهم الشعرية لإظهار قدرتهم اللغوية والفكرية، وكذلك ما ورد في كتب الأدب والتاريخ من ألغاز يتبادلها المفكرون والأدباء للتعبير عن ثقافتهم ودرايتهم بفنون الفكر والأدب وامتلاكهم ناصية اللغة وإضافة إلى ما ورد في التاريخ العربي القديم من ألغاز سجلها لنا الحكواتية والشعراء، فإن التاريخ الإسلامي والنصوص القرآنية والنحوية واللغوية وجمال الآيات القرآنية ونسيجها البديع في حد ذاته كنز كبير يضاف إلى الإرث العربي القديم في فنون ومجالات الأدب والبلاغة في اللغة العربية·
وترتبط الألغاز والحزورات بحكايات وقصص يرويها العامة ويرددونها فيما بينهم مثل حكايات أسطورية عن الجن والعفاريت، وحكايات رمزية تورد في أسلوب لغزي عن بنات الجن وزواجهن من الإنس، وكثيراً من الأحيان نجد شيوع فنون التلاغز في الحياة البدوية عند العرب منذ قديم الزمان، وعند الحضر يطرح أحد الملوك لغزاً على عامة الشعب، وإذا توصل إلى الحل أحد من الرجـال يزوجـه ***تـه، وترتبط الألغـاز بحكايات الحب والعشق، وكثيراً ما تدور الحزورة والألغاز أثناء الأسفـار البحرية والبرية، وذلك ما يرويه السفارة عندما يظلون شهوراً عديدة بين البحر والسماء فيتلاغزون وتدور بينهم الأحاجي التي يغالبها السحر والرموز والطلاسم المعماة أو المحبوكة في مضمون سحري ممعن بالنصوص اللغزية·
منقول