<DIV align=right><STRONG><FONT color=#663366 size=4>ربما بالغت المدارس التربوية الغربية في إطلاق الحرية للطفل ؛ بحيث ينطلق ويلعب ويمرح ومعن مربوه ، حتى يحس بالتعلق بالمدرسة ، وتكون العودة إليا في اليوم التالي شيئًا محببًا إلى نفسه ، لأنها تجلب له كل ما يسّرُ ، وتجنبه كل ما يكدر ، وتوفر له كل ما يرغب … وبالمقابل ربما كانت المدرسة على الطفل في بلاد المسلمين عبئًا يوميًا وهمًا ملازمًا وحزنًا متجددًا ، وخاصة إذا كان قدر الطفل أن يكون بيد مربٍ ضعيف الصبر أو كاره لمهنته أو لا يطيق التعامل مع الصغار ، أو حريص على هيبته ووقاره أكثر من حرصه على توفير الجو النفسي المريح للطفل .<BR>إن الطفل لا يتعلم وهو خائف ، ولا يتربى وهو حزين ، إنه حين يشعر بالأمن ويتفاعل مع أجواء المرح المفعم بالتوجيه ، ويعامل بالملاطفة التي لا تُفسد النظام ، يكون على أكبر درجة من الاستعداد بقلب مفتوح وذهن حاضر وأُذن واعية .<BR>إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وصفه أصحابه بأنه (من رآه بديهة هابه ، ومن خالطه معرفة أحبه ) فلا تعارض بين تحصيل محبةالطفل وبين ضمان ضبط سلوكه .<BR>جاء في أخبار سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان في بيته مستقليًا على ظهره وأولاده يقفزون على بطنه ، وزاره عامل له فرأى ملاعبته لأولاده ، فتعجب مما رأى واستنكر أن يكون حال الرجل في أهله هكذا . فقال له عمر : كيف أنت مع أهلك ؟<BR>قال العامل : إذا دخلت سكت الناطق – أي يهدأ الجميع هيبة وخوفًا من عقابه فأمر عمر بعزله عن العمل الذي وُليّ عليه ، وقال له اعتزل فإنك لا ترفق بأهلك وولدك ، فكيف ترفق بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وفي رواية أن الرجل ، قال : كيف تفعل هذا وأنت أمير المؤمنين ؟ فقال عمر : ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي ، فإذا كان في القوم كان رجلاً . وفي هذا ورد أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ من كان له صبي فلتصابى له ] أي فلينزل إلى مستواه كأنه مثله .<BR>ويمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على غلام يبكي على عصفور له مات . فيحاول أنيذهب حزنه بأن يمسح رأسه ويلاطفه قائلاً له : يا أبا عمير ! ما فعل النغير (أي العصفور) .<BR>ويشب الحسن صلى الله عليه وسلم ، وما زال يذكر من أيام طفولته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشرب ماءً باردًا – ذات مرة – فملأ فمه ثم مجَّ مجَّة في وجه الحسن (رشه من فمه ) يلاعبه ويؤانسه ولم تمنعه هيبته ووقاره من النزول إلى مستوى طفل لإدخال السرور إلى قلبه .<BR>ووردت أخبار بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمد لسانه للحسن ويضحك . ويركب الحسن والحسين على ظهره .. وهو ساجد فيطيل السجود لئلا يعكر أُنسه …<BR>ويروي المسعودي عن عادات نساء العرب ! (وكان من عادة العربية ألا تنوّم ولدها وهو يبكي ، خوفَ أن يسري الهم في جسه ، ويدب في عروقه ، ولكنها كانت تنازعه وتضاحكه حتى ينام وهو فرح مسرور ، فينمو جسده ويصفو لونه ودمه ، ويشفَ عقله …).<BR>كما كانت المرأة العربية تنشد لأطفالها أناشيد قصيرة يتمايلون معها ، مما سُميَ فيما بعد بـ (شعر ترقيص الأطفال) ، ومنه هذه الأبيات التي تقولها امرأة لطفلتها تبين من خلالها أنها فرحة بأن ر**ها الله بنتًا وليست ساخطة لذلك :<BR>وما عليّ أن تكون جارية<BR>تكنس بيتني وتُردد العارية<BR>تمشط رأسي وتكون الفالية<BR>وترفع الساقط من خماريه<BR>حتى إذا ما بلغت ثمانية<BR>رديتها ببردة يمانية<BR>زوجتها مروان أو معاوية<BR>أزواج صدق بمهور غالية<BR>قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسابق السيدة عائشة وهي حديثة السن ويدعها تسبقه ويجدها مع صويحبات لها يلعبن بلعب من القطن والصوف ، فيضحك لهذا ويسائلها ما هذا ؟ فتقول فرس سليمان فيضحك ، ويرفعها لتطل على ساحة المسجد ، وترى الحبش وهم يلعبون بالحراب ، فلا يتضجر ويدعها حتى تعلن بنفسها أنها قد اكتفت ، وكاتن يمر بالصبيان في الطريق فيسلم عليهم . فما بال أتباع محمد صلى الله عليه وسلم يغفلون هذه الملاطفة مع بنيهم وتلاميذهم وهو قدوتهم صلى الله عليه وسلم .<BR>والنشأة الصحيحة السلمية للأبناء تحتاج إلى المؤانسة وهذا القرب ؟ فهل نتنازل عن شيء من وقار الرجولة مع مجتمع الطفولة ؟<BR><BR>الأستاذ : محمود الخزندار<BR></FONT></STRONG></DIV>