و اتقوا يوماً ترجعون فيه إلي الله ثم توفي كل نفس ما **بت وهم لا يظلمون يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وتري الناس سكاري وما هم بسكاري، ولكن عذاب الله شديد، يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده، ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً، إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور، كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلي عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون، أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة.
وإن الموت لأمر لا يتطرق إليه شك، بل هو أمر مسلم به، ومع هذا يتغافل عنه كثير من الناس ان فعلي المسلم ان يكثر من ذكره، وأن يستعد له. ذلك ان ذكر الموت ليهون علي الإنسان هموم الدنيا، ويزهده فيها، كما انه يكفر عنه ذنوبه.
روي *** أبي الدنيا ان النبي ^ قال: (أكثروا من ذكر الموت فإنه يمحص الذنوب ويزهد في الدنيا) وقال ^ : (أكثروا ذكر هادم اللذات) فما علي المسلم إلا ان يتزود من دنياه لآخرته قبل ان يفوته الأوان. قال تعالي: وتزودوا فإن خير الزاد التقوي، واتقون يا أولي الألباب أرأيت يا أخي لو أن إنسانا أراد ان يسافر سفرا طويلا، ألا يتأهب له ويحمل معه الزاد الكافي مخافة ان يجوع علي الطريق. وان سفرنا إلي الآخرة لطويل نحتاج فيه إلي الزاد، وزادنا في هذا السفر هو تقوي الله سبحانه وتعالي، فمن تزود بها نجا وقطع الطريق بسلام، ومن لم يتزود بالتقوي فقد خاب وخسر، فالسعيد من تزود لسفره وأعد له عدته، والشقي من اغتر بهذه الدنيا، وانهك فيها وانغمس في الشهوات حتي أدركته المنيه وهو للطاعة تارك وعلي المعصية مصر ففي مثل هذا يقول الله عز وجل حتي إذا جاء أحدهم الموت، قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت، كلا إنها كلمة هو قائلها، ومن ورائهم برزخ إلي يوم يبعثون وقال تعالي: يا أيها الذين آمنوا لا تلهيكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله، ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون، وانفقوا مما ر**ناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلي أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين، ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون وروي أحمد والبهيقي والحاكم عن *** عباس رضي الله عنهما ان رسول ^ قال: (اغتنموا خمسا قبل خمس حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك) وقال بعضهم: يا من بدنياه اشتغل قد غره طول الامل، الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل فاعلم يا أخي نبهني الله وإياك من رقدة الغافلين، إن لكل إنسان أجله الذي قدره الله تعالي له في سابق علمه الأذلي. فلا يتقدمه لحظة ولا يتأخره قال تعالي فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) وإن أجل كل إنسان مبهم، فلا يعلم متي أتيه الموت، ولربما جاءه الموت علي حين غفلة، من غير نذير، وهو يؤمل في الحياة أمالا بعيدة، فلا تغتر بشبابك وتظن إنه لا يموت إلا الشيخ، فكم مات من شباب، وكم مات من كهول، كانوا أطول منك آمالاً في الحياة، وأشد حرصاً علي الدنيا، فكم من بان لم يسكن ما بناه، وكم من زارع لم يأكل مما حصده.
فتنبه يا أخي من غفلتك، واستيقظ من نومك، واعلم أنه لابد من اليوم الذي نلقاك فيه علي فراش المنيه وأنت تجود بالروح. والأهل والأحباب من حولك يخاطبونك فلا تجيب، بل أنت مشغول منهم بما أنت فيه، من شدة الموت وسكراته، وتدور عيناك تنظر إليهم نظرة المستغيث وهم يخاطبونك يا فلان، هذا ولدك، وهذا فلان حبيبك، وهذا أخوك فلان، وهذا صديقك فلان، وكأن في اذنيك وقرا فلا تملك إلا ان تنظر إليهم نظرة المودع الآسف. علي ما فاته، وما فرط في جنب الله، فلا ولد يستطيع رد روحك، ولا أخ ولا أم ولا أب ولا زوج، ولا ينفعك ما شقيت بجمعه، واسمع قول الله تعالي: فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون، ونحن أقرب إليه منكم، ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين، ترجعونها إن كنتم صادقين، فأما إن كان من المقربين، فروح وريحان وجنة نعيم، وإما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين، واما إن كان من المكذبين الضالين، فنزل من حميم، وتصلية جحيم، إن هذا لهو حق اليقين، فسبح باسم ربك العظيم.
نقلا من جريدة الراية القطريـــــــــة ( لدكتور محمد عبد الرحمن شعيب )
موضوع مؤثر على القلوب.
زادك الله علماً يا أخي.
والسلام عليكـــــــم