ما يحدونا إلى البوح بها من دون أن يعترينا أدنى شك في صحة الإجابة هو حقائق التاريخ , ومجريات الأحداث , وعمق التجربة.
ربما كان بمقدورنا أن نسكت عن ترديد الكلمات الإنشائية عن الأنظمة العربية وعجزها عن القيام بأي دور لمقاومة المشروع الصهيوني , أو أن نصرخ بما يعتمل في نفوسنا من حنق على كل آباء رغال الدالين على المسالك النافذة إلى قلب العالم الإسلامي ومن ثم إطلاق سهام الصهيونية من قوس الخيانة وجعبة العمالة ؛ لكن ليس بمقدورنا عن أن نصمت على السماح لهذه الحالة الرسمية أن تصير حالة شعبية تتفشى أسقامها في جسد الأمة الإسلامية برمته ؛ لا بل وتتجاوز ذلك إلى التغلغل أكثر وأكثر إلى أن تلف قيودها معاصم وحتى أعناق بعض الإسلاميين والوطنيين الغيورين على هذه الأمة ومكتسباتها .
نعم هناك حبور وانتشاء لدى الشعوب العربية والإسلامية من الخليج إلى الخليج جراء انتصارات المقاومة العراقية وعملياتها الجريئة والفاعلة , هناك شعور بالفخار إذ استطاعت مقاومة لا نظامية أن تنجح فيما أخفقت فيه جيوش عربية جرارة لاذت بالعجز والتحفت بنظريات الاستراتيجيا العسكرية التي تسقط من حساباتها إرادة الأمة والتصاقها بدينها وتترسها بعقيدة انتصرت من قبل على إمبراطوريتي الفرس والروم وأخضعت الهنود وأدبت الصينيين وأذلت الروس وجابت مشارق الأرض ومغاربها في بضعة عقود .
نعم هناك هذا الفخر وتلك الروح الكريمة التي دبت نسائم خيرها في ربوع الأمة الإسلامية , هناك الشباب المحبط اليائس وقد بدأ يتنسم عبير الحرية هنا وهناك …
هناك كل هذه المعاني الجميلة , بيد أن هذا كله لن يصنع نصرا على إمبراطورية هي من أقوى الإمبراطوريات والقوى العظمي في التاريخ , وإنما يصنعه التفاف الأمة الإسلامية ـ كل الأمة ـ حول هذه المقاومة لا التفاف المصفقين حول سيرك منصوب , وإنما التفاف المصطفين أكتافا بأكتاف وسواعد بأخواتها في معركة الأمة القاصمة لعدوها المتجبر بمشيئة الله سبحانه وتعالى.
[|] نحاول أن نختزل المعركة في خاماتها الأولية : مقاومة لا تحمل هوية ظاهرة ؛ لكنها خرجت من رحم هذه الأمة الإسلامية تحمل مشروعا لدحر المحتل الذي بدت البغضاء من أفواه قادته , محتل يعترف أمام العالم برمته وفي جنبات مبنى الأمم المتحدة أنه يستحق عن جدارة لفظ الاحتلال ؛ فيما ‘تتورع’ الأنظمة العربية عن وصمه بالمحتل. تعلمون لم ؟ لأنها لو اعترفت , وخانها ‘ورعها’ للزمها أن لا تفرق بين احتلال فلسطين واحتلال العراق , وكلاهما ـ وأيم الله ـ طائر واحد بجناحين متماثلين , نفس سمات الاحتلال هنا وهناك : هذا احتلال صهيوني يهودي وذاك صهيوني مسيحي , هذا ينكل بالمدنيين ويمارس سياسة الأرض المحروقة وذاك على شاكلته , كلاهما يعتقل الآلاف من أبناء الشعبين , كلاهما يسعى لإقامة ‘دولة إسرائيل الكبرى’ من النيل إلى الفرات , كلاهما يسرق الثروات , كلاهما يزور في مبرراته لشن أي عدوان , كلاهما يصم المقاومة ـ التي هي بإجماع كل العالم وكل القوانين والفلسفات نضال مشروع ضد الاحتلال والظلم ـ بالإرهاب , كلاهما يوحي إلى أجرامه التي تدور بفلكه ومن حوله أن أغلقوا حدودكم في وجه المقاومين ..
ودول عربية ـ كما تقدم ـ لا تريد أن تعترف بهذه المقاومة وبهذا الاحتلال وكأنها تعيش بين السحاب , والسبب معروف : كنتم فيما مضى تستضيفون منظمة التحرير الفلسطينية في غير ما بلد عربي , وتحتفظون بممثليات لها في كل عواصمكم , وتستقبلون رئيسها استقبال الملوك والرؤساء , بل ربما بالغتم في أريحتكم معه ليظن البسطاء أنكم تحملون هم القضية الفلسطينية , فما بالكم اليوم تحجمون عن فتح أبوابكم للمقاومة العراقية , والاعتراف بها ,وما بالكم لا تشجعون ظهور أي كيان سياسي يسعى لتمثيل المقاومة المسلحة ؟ لماذا هذا اليتم الذي تحياه المقاومة العراقية بسببكم ؟ ألأنكم تخشون غضب نصب ‘الحرية’ الأمريكية الذي ظلتم عليه عاكفين ؟ حتى المقاومة الفلسطينية التي تعاني من بطش اليهود الذين يحكمون العالم بـ’الإنابة’ [مثلما قال رئيس وزراء ماليزيا السابق محاضر محمد] يتنفس بعض قادتها السياسيين الهواء برغم كل الظروف على نحو لا يلقى الأهل في بلاد الرافدين معشاره .
وقد يكون موقف الدول العربية غير جديد ولا خاف على جميع من هم مثلنا ممن تربى ونشأ في تلك البلاد الموغلة في التخلف والقهر , غير أن ثالثة الأثافي ؛ وأخشى ما أخشاه أن يتبع بعض الإسلاميين والوطنيين في بلاد العرب ساستهم في إهمال المقاومة العراقية والمساهمة سكوتا في خنق هذه المقاومة وإحكام قبضة الصهاينة عليها.
تلك هي الحالقة , أن نساهم في وأد وليد الكرامة والعزة قبل يكبر , ونسكب إ**ير حياة الشهداء والمناضلين على أرض الأعداء . إن كل إسلامي من واجبه أن ينتفض جوار أخيه لي**ر الطوق المضروب إعلاميا ولوجيستيا على المقاومة العراقية . ومن واجب كل عالم وداعية ارتضى أن يذيب الخوف في نفسه أن ينهض مصححا لإخوة الدين حراس الإسلام في الشرق مسيرتهم , بدلا من أن يريح نفسه عناء المتاعب بإطلاق عبارات ‘قتال فتنة’ ,و’راية عمياء’ ليستريح ويستريح القوم .. فالله العلي القدير أنشدكم ـ إن كانت كذلك ـ فاجعلوها أنتم راية شهباء وضاحة منيرة يا .. يا .. ‘أفاضل الشهداء’