الحمد لله الذي جعل التربية مشتقة من اسمه (رب العالمين)، وجعل أشرف الأعمال عمل المؤدبين، وأرسل إلى عباده خيرة المربين، والصلاة والسلام على مَن كان ولا يزال أفضل قدوة للمربين، سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فأهم مشكلة تواجه الأمة اليوم ، هي الإنسان وبناؤه ؛ بناءً متصلاً بتراثه وثقافته ، متفاعلاً مع عصره ، وملتـزماً بقضايا مجتمعه وأمته.
وإذا أُهمل الإنسان ونشأ بلا تربية انفصل عن جذوره ، فضاع وأضاع مَن حوله.
وإذا علمنا ذلك ينبغي علينا التعرف على غايات التربية المنشودة ، والتي تتمثل في إيجاد جيل يحمل الصفات الآتية:
* العلم النافع.
* العمل الصالح.
* الخُلُق القويم.
والطريق إلى ذلك تهذيب النفوس ، وتثقيف العقول، وبناء الأمم .
فالتربية في مجملها:
الإنسان في جوانبه الجسمية، والعقلية، والعلمية، واللغوية، والوجدانية، والاجتماعية، والدينية، وتوجيهه نحو الصلاح، والوصول به إلى الكمال.
الاهتمام بحامل التربية:
تقدم المجتمعات ونجاحجها من نجاح التربية فيها .
من الأمور التي اجتمع عليها المربون إقرارهم بأهمية التربية بوصفها عاملاً رئيساً في توجيه الأفراد نحو أهداف المجتمعات ، ويجمع المربون والمصلحون والحكماء على أن البيت والأسرة هما محضن التربية الأول:
فإذا كان المحضن واعياً لدوره مقدِّراً لمسؤوليته استقام الجيل ونما.
وإذا كان المحضن مستهتراً بمسؤوليته جاهلاً دوره ضاع الجيل وفسدت الأسرة.
فالأسرة هي الدائرة الأولى من دوائر التنشئة الاجتماعية، وهي التي تغرس لدى الطفل المعايير التي يحكم من خلالها على ما يتلقاه فيما بعد من سائر المؤسسات في المجتمع، فهو حينما يغدو إلى المدرسة ينظر إلى أستاذه نظرةً من خلال ما تلقاه في البيت من تربية، وهو يختار زملاءه في المدرسة من خلال ما نشَّأته عليه أسرته، ويقيِّم ما يسمع وما يرى من مواقف تقابله في الحياة، من خلال ما غرسته لديه الأسرة، وهنا يكمن دور الأسرة وأهميتها وخطرها في الميدان التربوي.
والإنسان يولد ولادتان : ولادة عضوية جسدية ، وولادة تربوية اجتماعية.
وإذا لم يكن في مقدور المجتمع التحكم بولادته الإنسان الطبيعية، فإنه قادر على التحكم بولادته الاجتماعية، وهي الأهم.
في الحديث عن المحضن الأول للتربية يجب الانتباه إلى وعاء هذا التربية، وهي المرأة (الأم) التي يعيش معها الجيل أكثر وقته، ويمضيه أول سني عمره، ويكتسب من معين المرأة غراس الحياة.
وهنا يكون دور المرأة الأم في:
* المحافظة على فطرة الناشئ ورعايتها.
* تنمية المواهب والاستعدادات لدى الناشئ.
* توجيه الفطرة والمواهب نحو الصلاح اللائق.
* التدرج في العملية التربوية.
وللمرأة دور بارز في إنهاض المجتمع وتطويره ، ومعارف المرأة وتربيتها له أثر كبير في أخلاق الأجيال .
فالطفل الذي يرى أمه مقبلة على مطالعة الكتب واكتساب العلوم والمعارف، والاشتغال بالتربية والتنشئة، غير الطفل الذي يرى أمه مقبلة على مجرد التزين والتبرج وإضاعة الوقت بهذر الكلام والزيارات غير اللازمة.
فالتربية: أم فاضلة وزوجة صالحة .
ومما ينبغي التنبيه إليه أن قضية التربية يجب ألا تكون تابعاً بل يجب أن تحتل الصدارة في الاهتمام والرعاية، وأن تأخذ التربية زمام المبادرة الفعلية، بأن يكون دورها دور الموجه والقائد؛ سعياً وراء مصلحة المجتمع، وتحقيقاً للمنفعة فيه.
رسائل المرأة في الحياة :
رسالة عبادة : قال الله تعالى: ( وَقَرْن فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) [الأحزاب:33].
رسالة علم: قال الله تعالى: ( واذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ـ أي القرآن ـ وَالْحِكْمَةِ ـ أي السنة النبوية ـ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ) [الأحزاب:34].
رسالة تربية: قال الله تعالى: ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًاً ) [الأحزاب: 32].
رسالة رعاية بيت الزوجية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راع والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" .
رسالة توجيه المجتمع: قال الله تعالى: ( والْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ؛ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ، وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ، وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمَ ) [التوبة:71] .
أثر تربية المرأة في تحقيق التنمية الشاملة :
في الجملة :
إن تربية المرأة تعني تربية المجتمع بأكمله حيث أن لها دورها في التعبئة الشاملة من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية خاصة فيما يتعلق بالمسائل التنفيذية مثل: حملات التوعية من أجل الادخار، ورفع الوعي الغذائي، ورعاية الأطفال، والتزام الأمهات بقواعد الصحة العامة، وتحسين مستوى الخدمة في جميع مراحل التعليم، انتظام التلاميذ في الدراسة.
ورحم الله *** باديس القائل: مَن علَّم ذكراً (رجلاً) فقد علَّم فرداً، ومَن علَّم أنثى (امرأة) فقد علَّم شعباً.
وما أجمل قول معروف الرصافي:
يهذبها كحضن الأمهــــات * * * ولم أر للخلائق من محـــل
بتربية البنيـن أو البنــات * * * فحضن الأم مدرسة تسامت
بأخلاق النسـاء الوالدات * * * وأخلاق الوليد تقاس حُسناً
كمثل ربيب سافلة الصفات * * * وليس ربيب عالية المزايـا
كمثل النبت ينبت في الفلاة * * * وليس النبت ينبت في جِنان
وعوداً على بدء ؛ إذا أردنا حلاً لمشكلات الأمة، ونصراً على مختلف الصُعُد ؛ فالتربية هي الوسيلة الأمثل .
فالنصر العسكري يحتاج إلى نصر اقتصادي، ونصر اجتماعي، ونصر ثقافي، ونصر تربوي.
فنصر صلاح الدين سبقه نصر تربوي؛ من خلال أئمة أعلام .
فتكوين قيادات المستقبل هي أهم أهداف التربية.
منقول بتصرف واختصار عن الدكتور علاء الدين زعتري ..
وفيكما بارك الرحمن وجزاكما خيراً على المرور ..