الفرق الزمني بين قول الدكتور زيدان، وتصريح قائد القوات الأميركية بالعراق ريكاردو سانشيز..
في لقائي مع الشيخ الأستاذ العلامة الدكتور عبد الكريم زيدان، في صنعاء يوم الأحد 12من شهر جمادي الآخرة من عام 1445هـ 10/8/2003م.
سألته عما يتوقع لبلاده العراق من الغزو الأمريكي؟
فأجاب باختصار شديد بما يأتي:
قال:
لقد أصيب العراق بكارثة عظيمة.. بالاحتلال الأمريكي.. الذي يريد من احتلاله تحقيق تغيير المنطقة العربية كلها، من أجل الهيمنة الصهيونية عليها..
ومن أهم ما يريدون تحقيقه.. إيجاد صراع طائفي ديني في العراق.. يراهنون فيه على تمكين الشيعة..
ومعلوم أن العراقيين مشتتون بين الشيعة بطوائفهم.. والسنة بطوائفهم.. والأكراد.. الذين يتعصبون لقوميتهم مع أنهم سنة شوافع..
والمقاومة قد تتزايد وتزعج الأمريكان.. وقد يثور الشعب الأمريكي بالمظاهرات والاحتجاجات..
فتضطر الإدارة الأمريكية إلى سحب الجيش من المدن.. وتثبيت قواعد له حول منابع النفط.. والمواقع الاستراتيجية.. وفرض هيمنة (…. ) على البلاد..
وبالأمس الخميس 21/7/1424هـ 18/9/2003م صرح القائد الأمريكي، أنه يريد سحب الجيش الأمريكي المعتدي، من المدن العراقية، واتخاذ مواقع خارج المدن، وإسناد الشؤون الأمنية فيها إلى من يدربونهم من العراقيين….
الفرق الزمني بين ما قاله الدكتور زيدان، وما صرح به القائد الأمريكي (39 يوما فقط) ….
تعقيب..
إن الدكتور عبد الكريم زيدان مشهود له بالعلم والفضل لدى علماء العصر، وهو حتماً لا يعلم الغيب، كما أنه ليس بكاهن، ولا يقصد الكُهَّان، بل هو ضد ال***فات والشركيات.
فعلى أي شيء بنى رأيه هذا الذي بدأت أمريكا تصرح بإمكان تطبيقه..؟
لعله بنى رأيه على قرائن، لم أوفق لسؤاله عنها وقت الاجتماع به..
ومعلوم أن المفكرين في الشؤون السياسية والعسكرية والدولية، يربطون بين ما جرى في الماضي وما يجري في الحال، وما يمكن أن يحدث في المستقبل ثمرة لأحداث الماضي والحاضر.
وبعد التصريح الذي أدلى به القائد الأمريكي وتذكري لما قاله الدكتور زيدان، فكرت قليلاً في الأمر..
فبدا لي ما يأتي:
ظاهر للعيان مما ذكره الدكتور زيدان من أن "المقاومة قد تتزايد وتزعج الأمريكان"..
فقد وقع الجيش الأمريكي المعتدي في مستنقع لم يكن يدور بخلده ولا بخلد قواده الذين ركبوا رؤوسهم في عدوانهم..
ولهذا بدأ قادة الإدارة الأمريكية السياسيون منها والعسكريون، يستغيثون بدول العالم لينقذوهم بالرجال والمال مما حل بهم…
ثم ما ذكره الدكتور زيدان كذلك، بقوله:
"وقد يثور الشعب الأمريكي بالمظاهرات والاحتجاجات.."..
فقد بدأت أسر الجيش وأقاربه تتظاهر فعلاً، وإن لم تكن تلك المظاهرات قد وصلت إلى الثورة العارمة في جميع الولايات الأمريكية…
ثم ما ذكره الدكتور زيدان من أن الأمريكان سيسعون إلى" إيجاد صراع طائفي ديني في العراق "..
يضاف إلى ذلك.. أن الأمريكان لا يمكن أن يفرطوا في غنيمة قد وقعت بأيديهم، وهي السيطرة على العراق التي خططوا لها من فترة طويلة، ليضمنوا وضع أيديهم على منطقة الخليج بأكملها..
ويحققوا بذلك الأهداف الآتية:
الهدف الأول:
تمكين اليهود من تقوية دولتهم وتوسيعها، بحسب ما يحلم به الصهاينة، من الفرات إلى النيل…والذين لا يأخذون هذا الهدف مأخذ الجد، لا يخلون من أحد أمرين: الأمر الأول أن يكونوا واهمين… والأمر الثاني: أن يكونوا قد وقعوا في شباك الولاء اليهودي بأساليب اليهود الماكرة.
الهدف الثاني:
السيطرة الكاملة على منطقة الخليج التي يعتبرها الأمريكان من المناطق الحيوية بالنسبة لهم، مثل أوربا الغربية والم**يك واليابان… كما صرح بذلك الرئيس السبق "ن**ون" في كتابه "الفرصة السانحة"..
الهدف الثالث:
إعادة ترتيب المنطقة ضمن الترتيب العام الذي يطمحون إلى تحقيقه في العالم كله، وهو جعل دول العالم كلها سامعة مطيعة للإدارة الأمريكية في كل شيء..
بما في ذلك التنازل عن سيادتها، لا فرق بين الشؤون السياسية والاقتصادية والتجارية والعسكرية والاجتماعية، بل والثقافية التي تدخل في دائرتها "العقيدة وأنظمة الحكم"..
وقد نص على عزم أمريكا على إعادة "ترتيب العالم" الرئيس ن**ون في كتابه السابق الذكر…
الهدف الرابع:
إجبار الدول الصناعية على التعاون مع أمريكا في كل ما يحقق أهدافها، باغتنام فرصة سيطرتها على مصادر الطاقة في العالم كله وبخاصة طاقة منطقة الخليج، التي تجعل دول أوربا واليابان وأستراليا وغيرها تحت رحمة أمريكا، فتضطر إلى مجاراتها في تحقيق رغباتها وأهدافها…
هذه الأهداف تجعل أمريكا تتشبث بالبقاء في العراق ولا تفرط في الجلاء عنه..
ولكنها ستحاول التقليل من خسائرها البشرية، بما ذكره الدكتور زيدان وما صرح به القائد الأمريكي، من إ***ج غالب جيشها من المدن، وإنشاء قواعد له في الأماكن الحساسة "الاستراتيجية" وبخاصة منابع البترول، والسعي لـ"إيجاد صراع طائفي ديني في العراق.."
وسوف لا تفعل أمريكا ما فعلته في الصومال وفي فيتنام من سحب جميع قواتها من العراق، لأن العراق صيد ثمين لليهود بالذات…
هذه بعض القرائن التي جعلت الدكتور زيدان يبني رأيه عليها..
ولا بأس أن نذكر شيئاً آخر وهو فراسة المؤمن التي يمنحه الله تعالى إياها..
كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري قَال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ثم قرأ.. (( إن في ذلك لآيات للمتوسمين )).. [سنن الترمذي، برقم (3127) وقال: هذا حديث غريب إنما نعرفه من هذا الوجه وقد روي عن بعض أهل العلم وتفسير هذه الآية إن في ذلك لآيات للمتوسمين قال للمتفرسين].
وذكر الهيثمي في هذا المعنى حديثين آخرين، وحسنهما:
أحدهما عن أنس قَال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم ).. [رواه البزار والطبراني في الأوسط وإسناده حسن].
والثاني عن أبي أمامة:
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ) [رواه الطبراني وإسناده حسن.. مجمع الزوائد (10/268)].
والعبرة التي يجب أن يأخذها العراقيون، من شيعة وسنة وغيرهم، هي الحذر من الفخ الأمريكي الذي يخطط له الأمريكان، بإبعاد جيشهم من المدن، وإسناد الأمن فيها إلى العراقيين.
فإنهم قد يراهنون على تنافس الطوائف الدينية وغيرها في أن تكون لكل طائفة السيطرة الغالبة في الجيش وفي الشرطة، فيؤدي ذلك التنافس إلى الصراع والتقاتل، والمزيد من الانفلات الأمني، وسقوط القتلى والجرحى من العراقيين، بدلاً من سقوط المحتلين…
نسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين في العراق وفي غيره على كلمة الحق، وأن يجنبهم التنازع المؤدي إلى الفشل، وأن يحبط مساعي أعداء الأمة للإيقاع بين أبنائها..
ملحق.. إعادة انتشار..
وفي محاولة للحد من الخسائر اليومية التي تلحق بقواته، أعلن قائد القوات الأميركية بالعراق ريكاردو سانشيز أنه يدرس إمكانية سحب هذه القوات من بعض المدن العراقية إذا اتضح أن قوات الأمن المحلية جاهزة لتولي المسؤولية في تلك المدن..
وتعليقاً على ذلك قال المحلل السياسي العراقي الدكتور عبد الرزاق النعاس للجزيرة:إن هذا الإعلان يعتبر نتيجة طبيعية للخسائر الضخمة في الأرواح والمعدات التي تتكبدها القوات الأميركية يومياً..
وأضاف النعاس في حديث للجزيرة أن عدم فهم الأميركيين لسيكولوجية المجتمع العراقي وللطبيعة الطبوغرافية للمنطقة دفعهم لإعادة النظر في انتشار قواتهم بالعراق..
آمين يارب العالمين
وتسلم اخ المناصر