تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » ( الطائر الذي قرر الرحيل .! )

( الطائر الذي قرر الرحيل .! ) 2024.


كان منا وفينا .. يخوض فيما نخوض فيه ..
متلألئ كأنه للتو خرج من صدفته التي كانت تحميه زمن الولادة والتكوين .!
كان بيننا واحدا منا ، بل كان علما فينا ..
يضحك مما منه نضحك .. ويأكل مما منه نأكل .. يشاركنا الأفراح والأتراح .
فتى كان عذب الروح … يأسرك إذا خالطته .. ويجبرك على محبته ، إذا ازددت قرباً منه ..
..
غير أنه انكمش فجأة … لم يعد ذلك الفتى المتلألئ ..
وقال قائل فينا :
دعوا الطائر المسكين فترة ، فلعله ينفر نفرة فلا يعود إلى عشه مرة أخرى ..
وتركناه على أمل أن يفيء .. وكانت عيوننا حينذاك لا تغفل عنه..
فإذا بالخطوة التالية تكون أشد مرارة ،
لقد هجرنا بلا وداع .. وانقطع عنا بلا سلام .. وغرس نفسه في تربة أخرى غير تربتنا ..
..
..
وهاجت أسئلة كثيرة .. وتحرك طوفان من المشاعر المتضاربة .. وحاول البعض منا معه ، غير أنهم عادوا من رحلتهم إليه بخفي حنين .. بل حتى خفي حنين لم يجدوها !!
لا أمل في عودة الطائر المهاجر إلى عشه القديم …
لقد نفض يديه بالكلية منا .. كأننا أصبحنا عدوى ستصيبه إن هو اقترب منا ..!
ونحن الذين كنا نملأ عليه حياته بالحب والمسرة .. !
بل نحن الذين كان شعاره معنا وهو يخالطنا :
أنتم عيوني التي أرى بها الدنيا .. وقلبي الذي ينبض بين جدران صدري …!!
يا لهذا الحب الغامر ، كيف انقلب بغضا مخيفاً ..!!
مشكلتنا معه أننا لا ندري سببا لهذا كله ..
– –
– –
– –
التقيت بصاحبي الأثير إلى نفسي ، وحدثته حديث ذلك الفتى ، فما كان منه إلا أن ناولني ورقة وقلماً،وأخذ هو ورقة وقلما .. وقال :
..ليكتب كل منا رسالة إلى ذك الفتى الحبيب ..فماذا ستقول ..؟
– –
– –
– –
كعادتي .. مستعجل لا أتمهل ، خطفت الورقة وشرعت أكتب كأنما أسابق بقلمي أفكاري :

أنت معنا كل شيء .. أنت بدوننا غصن لا يصلح للإثمار ، لأنه خرج من تربته ..!
أنت معنا عين الرابح ..وأنت بعيد عنا . قد تربح قليلا ، لكنك تخسر بالتأكيد كثيرا ، وكثيرا جداً ..
نحن بدونك سنسير . أنت بدوننا لن تستمر طويلا في المسير ..!
نحن الشجرة التي مهما ت**رت أغصان فيها ، ستبقى شجرة .. أنت فرع صغير ، سيصيبه الذبول ثم الجفاف ولابد ..
أنت بدوننا منقطع .. ومعنا أنت موصول ..
نحن بدونك كثير ولا نزال نتكاثر .. فاختر لنفسك الحياة ، أو الموت …!!



وناولت صاحبي ورقتي وأنا في حالة انتشاء لظني أنه سيعجب بما كتبت ..!
غير أنه قرأها ثم أعادها إلي وهو يقول :
لقد خاب ظني فيك .. وطاش سهمي الذي بريته طويلا ..!
ثم ناولني ورقته ..
فإذا فيها كلام معطر يهز النفس هز الندى للزهرة عند ولادة فجر يوم جديد ..!
كان مما جاء فيها :

تُـرى هل يهجر البلبل روضه الذي ولد فيه ، وعاش عليه ن وتنعم بملذاته ..؟!
تُـرى أيستطيع بلبل أن يغرد في غير بستانه الذي اعتاد أن يهتز لتغريده ..؟!
ترى أيتصور أن يقاطع بلبل مجموعة البلابل التي تشدو معه كل صباح ، فتُسكر بألحانها الجماعية أشجار هذه الروض وأزهاره ..؟!
لا يهجر البلبل مجموعته إلا لسبب واحد فقط …هو الموت ..!
فهل يكون البلبل الصغير أحسن حالا من كثير من الناس ذوي العقول ؟؟

– –
– –
– –
تُـرى أيمكن للزهرة أن تنتشي في غير تربتها .. وأن تعطي شذاها الأول وهي مقطوعة من مغرسها حيث ولدت ..
أنت زهرتنا ، ونحن مغرسك ..
أنت عبقنا .. ونحن زهرة ينقصها العبير بدونك ..!
– –
– –
تُـرى أيمكن للحجر أن يتزحزح من مكانها في البناء الكبير ، لأنه اصبح يرى أن موقعه غير ملائم .. !؟
إن البناء كله سيقع ..
أنت حجرنا ..ونحن بناؤك ..
تُـرى أيمكن للروح أن تنسى يوماً هذا الجسد الذي يحبسها ..
فتقرر أن تغادره وترحل عنه _ بلا تدخل من يد ملك الموت _ !؟
إنها إن فعلت ذلك .. فإنما تجنى ابتداء على نفسها ..



تُـرى هل يمكن أن تنفك قطرة الماء عن الماء وهي منه وفيه ..!؟
ولو تفككت قطرات الماء عن الماء ، فماذا يبقى من الماء ؟؟
قبل أن ترحم نفسك ، ارحمنا ..
وقبل أن تنظر إلى ذاتك ، انظر إلينا ..


نعـم .. يمكن للنبتة أن تغرس في غير أرضها ، ،
ولكن للوطن حنين يهز حتى روح الأشياء ..
أليست لك روح تهزك إلينا ، ونحن وطنك الأول ، الذي رضعت منه ، وكبرت عليه ؟
هل نحن إلا وطنك .. وهل أنت إلا رايتنا المرفوعة التي نشمخ ونحن نتطلع إليها..؟!


هجرتَ ..فآذيت ..
وقطعت .. فأدميت ..
وقررت .. فأبكيت ..
فلعلنا أسأنا إليك من حيث لا نشعر .. ؟
لعلنا قتلنا لك آمالا كنت تعلقها علينا .. ونحن لا ندري ..!؟
نطالبك أن تطالب إذن بالقصاص ، أو أخذ الدية !!
ولن نقبل منك عفوا …. إلا في حالة واحدة
حالة واحدة هي : أن تبقى بيننا ولنا ومعنا إلى الأبد …
لا نزال نترقب قدومك كما تترقب الأرض العطشى ماء المطر ،كي يرويها …..



ومضت رسالته على هذا النحو تتدفق في عذوبة وليونة ورقة .
وخيل إلي أن ذلك الفتى ما إن قرأها حتى أقبل باكياً منتحبا وهو يقول :
ما الحب إلا للحبيب الأول …!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.