..أشعر بأني في التسعين من عمري
تحية تقدير وإعجاب ومحبة لشخصك الكريم، فهذه ليست المرة الأولى التي اكتب لك فيها. كم أنا سعيدة للقائك بعد غياب طويل.. وفقك الله في المرة الأولى لمساعدتي، وكلي أمل في هذه المرة..
أخي العزيز عمري 32 عاماً. أعاني من مشاكل بعد الطلاق الذي مضى عليه 6 سنوات ونصف. ما عدا مشكلتي مع أمي فهي لا تعرف الكلام الحلو، ولا حتى التصرف الرقيق الذي يترجم ما بداخلها من مشاعر الحنان والود.. بعد الطلاق زادت مشاعرها جفافاً.. تطالبني بأن أتحمل جميع الأعباء المادية عن كل الموجودين في البيت على الرغم من أنهم قادرون مادياً، ولا مسؤوليات عندهم، ومرتباتهم أعلى من مرتبي بكثير.. وإذا تقربت منها بالكلمة الطيبة أو التصرف الحنون تبدأ بوضع شروطها بطريق غير مباشر، يعذبني بل يكاد يقتلني الحب المشروط.. أمي لا تشعر بي ولا تساندني. أمي تفرق بيننا: الذكور أولا ثم الإناث.. والإناث أيضاً درجات. وهذه النقطة تثير أعصابي وتجعلني لا أهتم بها وأكرهها، فأنا لا أثق بها، لذلك دائماً أتوقع الشر منها.. موضوع حب أمي لي لا يهمني كثيراً، المشكلة أنني أعيش معها في نفس البيت وهي تنغص علي حياتي بكثرة الكلام الجارح والطلبات التي لا تنتهي.. ولا يربطني بها سوى مقولة (الجنة تحت أقدام الأمهات)، (الإحسان للأم حتى لو ظلمت) فأنا أعيش في صراع.
على فكرة أنا تحدثت معها عن هذا الموضوع ولكن دون فائدة، أنا أكرهها وهي تعرف ذلك من كثرة المشاكل. أصبحت عصبية جداً، وهذا أثر على علاقتي مع الناس، لذلك أنا الآن وحيدة، مزاجي متعكر، لا أستطيع التحدث مع أحد، أتمنى أن يكون عندي صديقات لكني عاجزة، بداخلي حاجز يحول دون تحقيق هذه الأمنية… حاولت من فترة لكنني فشلت. أنا لا أذهب إلى أي مكان. فيه تجمع إلا العمل.. وهذا المكان لا يوجد فيه النوع الذي أريده. وأنا على يقين أن وجود الصداقة في حياتي سيخفف عني كثيرا، ولكن كيف وأنا دائماً متعكرة المزاج وعصبية وأفكر دائماً بمشاكلي:
– الشعور بالحزن مهما حاولت إدخال السعادة إلى قلبي فهو لا يشعر، أريد أن أرجع كما كنت متفائلة.. عندي أهداف في الحياة.. أتحدى المشكلات.
– أشعر بأن عمري 90 سنة.
– أجد صعوبة في اختيار الزوج.. أريده حنوناً ، خفيف الصوت، يستطيع التعبير عن مشاعره، يعرف ما له من حقوق وما عليه من واجبات.. قادراً على حل مشاكله، يستشعر الجمال، ويعرف كيف يتذوقه، كيف أعرف أن كل هذه الصفات موجودة في الشخص المتقدم.. أريد أن أختار صح ..
وأتمنى من لله العلي القدير أن يحفظك ويرحمك ويحفظ ويرحم من تحب.. وأن ينير قلبك بالإيمان كما أنرت لي الطريق سابقا، وأن يكون ذلك في ميزان حسناتك يوم القيامة.
أشكرك لأنك دللتني على مجلة "النور"، هذا النوع من المجلات كنت أبحث عنه من
أختك: رابعة
ملاحظة: اختصرت كثيراً من المشكلة، لم أستطع أن أعبر عنها بالقلم والورقة لأنها أكبر بكثير من أن تكتب.. صدقني أنني أشعر بانقباض قلبي عندما أتكلم عن مشكلتي.. أرجوك ادع لي أن يرحمني الله ويفرجها علي ( لأن دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجاب) وأنا متأكدة أنك سوف تشعر بمدى حجم المشكلة على الرغم من اختصاري الشديد.
أختي الكريمة:
أشكرك أولاً على ثقتك، وحسن ظنك، وأدعو الله أن يعينني على إرشادك إلى ما يخرجك مما أنت فيه، وما يصلح بينك وبين والدتك، فهذا مفتاح ذاك، أي أن رضا أمك عنك سبباً في انتهاء معاناتك التي تعيشين فيها.
لقد اعترفت، أختي، أنك أصبحت "عصبية جداً ، وذات "مزاج متعكر جداً "، وعاجزة عن التحدث مع الآخرين.. أليست هذه الصفات كافية لتبعد أمك عنك، وتبعدك عن أمك؟!
أم تعجبني عبارتك عن أمك "لا أهتم بها، وأكرهها، فأنا لا أثق بها" ثم تقولين "موضوع حب أمي لا يهمني كثيراً "! وأرى أن العلة هنا، في إخفاقك في **ب رضا أمك عنك، أي أن مشكلاتك الكثيرة،ومعاناتك الطويلة، لن يوقفها إلا رضا أمك عنك.
وأقول مطمئناً: إن الشيطان نجح في بث مشاعر الكراهية في نفسك تجاه أمك، وجعلك تتوقعين الشر منها، حتى صرت تتهمينها بأنها هي التي تنغص عليك حياتك.
لكني، من جهة أخرى، لا أعفي والدتك من مسؤوليتها تجاهك، ولا يعني نصحي لك.. أن الحق معها، لأن الإسلام كما يدعو الأبناء إلى بر آبائهم وأمهاتهم.. يدعو الآباء والأمهات إلى أن يعينوا أبناءهم على برهم.
ووالدتك أخطأت في أمور؟ منها قسوتها، وأنها "لا تعرف الكلام الحلو" كما وصفتها في رسالتك. وكذلك إيثار أبنائها على بناتها، وهذا غير جائز في الإسلام، لا بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر أنه لو كان مفضلاً أحداً لفضل الإناث على الذكور. ثم إن والدتك، كما تقولين، تؤثر أخواتك عليك، وهذا أيضاً لا يجيزه الإسلام.
إذن، أقول، إن على أمك أن تقدر حالك، وبخاصة بعد انفصالك عن زوجك، وكونك مطلقة، فهذا جرح تبقى آثاره في النفس، ويحتاج من يداويه ويعالجه، ولعل أمك خير من يعالجه ويداويه.
وعليك أيضاً أن تتقربي من أمك، وتتوددي إليها، حتى وإن صدتك في المرة الأولى، والثانية، والثالثة….فإنها، أخيراً، لا يمكن إلا أن تفتح صدرها لك، وتعطيك من حبها وعطفها ما أنت بحاجة إليه.. وإن كنت زعمت في رسالتك أن حب أمك لك ما عاد يهمك.
ولاحظي أنك فقدت حتى صديقاتك، ومن غير المعقول أن تكون صديقاتك جميعهن على خطأ.. وأنت على صواب! لا شك في أنك تحتاجين إلى صداقة- كما ذكرت في رسالتك: الصداقة في حياتي ستخفف عني كثيراً- وأرى أن والدتك ينبغي أن تكون في مقدمة صديقاتك.. بعد إصلاح ما بينكما طبعاً.
ولكنك لن تستعيدي صداقاتك قبل أن تنجحي في استعادة شخصيك القديمة، ثقتك بنفسك، هدوءك ورباطة أعصابك، مزاجك الرائق الصافي، حديثك الباسم اللطيف. وقبل أن تبدأي بهذا كله؟ استعيني بالله تعالى، فإذا لم يعنك الله فإنك لن تنجحي في فعل شيء، كما قال الشافعي رحمه الله:
إذا لم يكن من الله عون للفتى فأول ما يقضي عليه اجتهاده
يبقى أن أقف قليلا عند الصفات التي تريدين توفرها في زوجك، وهي "حنون، خفيف الصوت، يستطيع التعبير عن مشاعره، يعرف ما له من حقوق وما عليه من واجبات، قادر على حل مشاكله، يستشعر الجمال ويعرف كيف يتذوقه.. "!
ولا أخفي عنك أنني كنت أبتسم وأنا أقرأ هذه الصفات، فهي جميلة عظيمة، بلا شك، ولكنها، يا رابعة، قلما تجتمع في رجل، ولو انتظرت رجلاً تجتمع فيه هذه الخصال الحسنة.. لانتظرت طويلا.
إن صفة واحدة، ذكرتها من ضمن الصفات، لو توفرت في الرجل، لأغنت عن كثير غيرها، وهي قولك "يعرف ما له من حقوق.. وما عليه من واجبات "، فلو عرف كل زوج ما عليه من واجبات وأداها، وعرفت كل زوجة ما عليها من واجبات وأدتها.. لاستقرت الأسر، وقل الخلاف، وأصبح الطلاق نادرا.
على أي حال، فلا أريد أن تتخلي عما تتمنينه، لكني أريدك أن تكوني واقعية بعض الشيء، تحمدين الله على ما يتوفر في زوجك من صفات ترضينها، وتصبري على ما في زوجك من صفات لا ترتاحين إليها.. فهذا حال معظم الزوجات.
وفقك الله، وأصلح ما بينك وبين أمك، وشرح صدرك، ور**ك بالزوج الذي يسعدك، ويعينك على أمر دينك.
منقول من الدر المكنون
والله الموفق
و ر**ك الله الزوجة الصالحه