السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
6 – الإفراط في الواقعية:
وهو خطأ في الطرف المقابل للخطأ السابق، فينطلق صاحبه من نظرته لبشرية الناس وامتناع عصمتهم إلى تبرير الأخطاء والدفاع عنها بحجة الواقعية، وهي نظرة تنع** أيضاً على أهداف المرء وبرامجه فتصبغها بصبغة التخاذل ودنو الهمة والطموح.
وتسهم هذه النظرة في تكريس الأخطاء وإعطائها صفة المشروعية، ولعل من أصدق الأمثلة على ذلك ما اعتدناه من الفوضى في مواعيدنا وأوقاتنا، حتى أصبح الانضباط شذوذاً، وصار يقال إن في بني فلان رجلاً منضبطاً في مواعيده وأوقاته.
فالمثالية في التعامل مع هذه القضية تتمثل في التشدد في الدقائق فلا يقبل المرء عذر من تأخر عن موعده ولو لدقائق قليلة، والواقعية المفرطة تتمثل في التساهل بما هو أكثر من ذلك وهو الأغلب، وحين يراد تحديد الموعد تترك هذه الروح الفوضوية أثرها في تفكيرنا فنضيف ساعة أو نحواً من ذلك احتياطاً.
7 – إهمال البعد الزمني في تصحيح الخطأ:
لقد خلق الله الإنسان من عجل فهو يستعجل النتائج والثمرات بطبعه، ويريد أن يحقق في ساعات ما لا يتم إلا في أيام، وحين يضاف إلى ذلك حرصه على بلوغ الغاية وحماسه لها يزداد الأمر عجلة.
إن إهمال البعد الزمني في التفكير مرض ورثه بعض الدعاة والخيرين من عقلية المجتمعات الإسلامية التي لا تفكر إلا فيما تزرعه اليوم وتحصده في الغد وتأكله في اليوم الثالث.
فهل يمكن أن تعالج الأخطاء التربوية المتراكمة -التي أصحبت تشكل جزءاً من كيان الشخص وتربيته، وترسبت لديه من خلال مؤثرات عدة- في أيام قصيرة، أو من خلال توجيهات بخطأ هذا السلوك، ووجوب نهج السلوك الآخر؟
والأمر أكثر وأشد تعقيداً حين ننظر إلى جيل الصحوة أجمع، فعمره لا يزال قصيراً، وهذا الجيل المتوافد على الخير والهداية نتاج تربية آباء وتربية أمهات وتربية مؤسسات تربوية عامه؛ إنه إفراز لمجتمع يعيشه، فمسؤولية واقعه التربوي ليست قاصرة على الصحوة ذاتها.
وحين نسعى إلى تصحيح الأخطاء في هذا الجيل، وإلى تحقيق قدر من النضج فلا بد أن نعطيه المدى الزمني الذي يمكن أن يؤهله لحل هذه المشكلة إذا أردنا أن نكون واقعيين.
8 – إحراج الواقع في الخطأ:
إنه ليس من أهداف تصحيح الخطأ إصدار حكم بإدانة صاحبه وإثبات التهمة في حقه، لذا فالجدل الطويل حول إثبات التهمة، أو السعي للتصريح بالاعتراف بالتقصير والوقوع في الخطأ أمر لا مبرر له.
وحين يأخذ المربي في حسبانه مراعاة مشاعر الناس وعواطفهم، ويكون همه منصباً على الإصلاح والتغيير فلن يسعى لإحراج صاحبه، ولقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى مراعاة هذا الجانب.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر" (رواه البخاري (2234) ومسلم (1703).
فمع أن هذه الأمة قد وقعت في ذنب عظيم وخطيئة كبيرة، إلا أن إقامة الحد كانت كافية في زجرها فلا ينبغي المبالغة والتثريب عليها.
وقد طبق النبي صلى الله عليه وسلم هذا الهدي في سنته العملية؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب قال:"اضربوه" قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله، قال:"لا تقولوا هكذا؛ لا تعينوا عليه الشيطان" (رواه البخاري (6777).
وقد ينشأ الإحراج نتيجة الإصرار على الإدانة وانتزاع الاعتراف بالخطأ، أو نتيجة المواجهة المباشرة، أو نتيجة اللوم والتأنيب والإغلاظ في الحديث.
9 – المبالغة في تصوير الخطأ:
إن الاعتدال سنة الله في الكون أجمع، وحين يقع الخطأ فليس ذلك مبرراً للمبالغة في تصوير حجمه والحديث عنه.
إن تحويل الحادثة إلى ظاهرة، والمشكلات الفردية إلى قضايا عامة، وربط المشكلات المعقدة بقضية محددة؛ كل ذلك إفراز للمبالغة في التعامل مع الأخطاء وتجنب الاعتدال، وما أكثر ما نسمع أمثلة صارخة تثير الاستغراب حين الحديث عن ظاهرة من الظواهر، وكون هذه الأمثلة تملك قدراً من الغرابة أعظم دليل على شذوذها وأنها مما لا يقاس عليه.
وحتى في الحديث عن المعاصي والمخالفات الشرعية -فما لم يقد الأمر إلى الاستهانة بحدود الله- لا يجوز تحويل الشبهة إلى أمر مقطوع بتحريمه، واللمم والصغيرة إلى موبقة من الموبقات.
10 – الاحتفاظ بصورة سلبية عن المخطئ:
يتطلع كثير ممن يقع في الخطأ ويلومه الناس على ذلك أن يثبت لهم أنه قد تجاوزه، وأن يغير هؤلاء النظرة السلبية التي ارتسمت لديهم تجاهه.
لذا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرعى هذا الجانب فهو يعتني صلى الله عليه وسلم ببيان الخطأ لمن يقع فيه حين يقتضي الموقف البيان، لكنه لا يتحول إلى نظرة ثابتة ترسخ الشعور بالفشل والإحباط لدى الواقع في الخطأ، أو تؤدي به إلى الشعور بأن هذا الخطأ أصبح أمراً ملازماً له لا يفارقه.
عن أنس رضي الله عنه أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض..} إلى آخر الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"اصنعوا كل شيء إلا النكاح" فبلغ ذلك اليهود فقالوا: مايريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه؛ فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله، إن اليهود تقول كذا وكذا فلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل في آثارهما فسقاهما فعرفا أن لم يجد عليهما(رواه مسلم (302).
وحتى حين يقتضي الخطأ الإغلاظ على صاحبه والتشديد عليه، فإنه لا يبقى ملاحقاً له في كل موقف، كما حصل مع أسامة بن زيد -رضي الله عنه- في موقف يرويه هو فيقول: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"يا أسامة أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟" قلت: كان متعوذاً، فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم(رواه البخاري (4269) ومسلم (96).
وبعد هذه الواقعة أمَّره صلى الله عليه وسلم على جيش أكبر من ذلك، ألا وهو الجيش الذي سيغزو الروم وشعر بعض الناس أن هذه المهمة ربما ينوء بها أسامة -رضي الله عنــــه-، وأنه لو ولي غيره كان أولى فبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لهم؛ فعن *** عمــــــــر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثاً وأمر عليهم أسامة بن زيد، فطعن الناس في إمارته، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وايم الله إن كان لخليقاً للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده" (رواه البخاري (4469) ومسلم (2426).
لقد أعطى هذا الموقف أسامة -رضي الله عنه- وغيره الشعور بأن الإنسان يمكن أن يتجاوز الخطأ، وليس بالضرورة يبقى علماً عليه لا يفارقه.
لذا فإن ما يمارسه بعض الآباء من تكرار تذكير أبنائهم بأخطائهم أمر مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ومنهجه في التربية.
11 – الاقتصار على الأسلوب المباشر وحده:
وذلك بالحديث المباشر الصريح أن هذا الأمر المعين خطأ، وأن الشخص الذي قام بذلك العمل قد أخطأ.
وثمة أخطاء تستوجب الحديث الصريح المباشر عنها، وثمة حالات لا يسوغ أن يتجاوز وصفها والحديث عنها هذه الكلمات أو مشتقاتها أو ما ينوب عنها، لكن ذلك لا يعني الاعتماد على هذا الأسلوب وحده.
ومن تأمل المنهج النبوي وجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي كل ذي حق حقه؛ فتارة يتحدث عن الخطأ حديثاً صريحاً دون مواربة، وتارة يوميء ويشير إليه، ومن هذه المواقف التي كان صلى الله عليه وسلم يستخدم فيها هذا الأسلوب:
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان الناس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم والعوالي، فيأتون في الغبار يصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم العرق فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسان منهم وهو عندي فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا" (رواه البخاري (902) ومسلم (847).
وعن ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنها- أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت: أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي؟ قال:"أوفعلت؟" قالت: نعم، قال: "أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك" (رواه البخاري (2592) ومسلم (999).
وحين رأى *** عمر -رضي الله عنهما- رؤيا وقصها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل" (رواه البخاري (1122) ومسلم (2479).
وعن سليمان بن صرد -رضي الله عنه- قال استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس وأحدهما يسب صاحبه مغضباً قد احمر وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"( رواه البخاري (6115) ومسلم (2610).
إن مثل هذه الأساليب غير المباشرة تترك أثرها في النفس، فهي توصل الرسالة التي يريدها المربي، وتنقذ المواجه بالخطأ من الحرج والخجل، وتشعره بحسن الخلق والتقدير والتوقير، إنه أسلوب الكرام العظام.
نسأل الله عز وجل أن يقينا شر أنفسنا، وأن يرينا الحق حقاً وير**نا اتباعه، والباطل باطلاً وير**نا اجتنابه، إنه سميع مجيب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه،،،
شكرا لموضوعك القيم الذي أتمنى من الجميع قراءته لروعته . . وليقف كل منا على كيفية تصحيح أخطاءه . . أو المواقف التي يتعرض لها ولكي لا يقع بالخطأ . . فعلاً عزيزتي نحن نحتاج أن نقوم بدراسة السيرة النبوية من جميع الجوانب حتى نتعلم من خير مربي . . والذي يجب أن يتخذه كل من يمتهن مجال التربية القدوة له في جميع أعماله وأفعاله . .
إن أعظم سيرة هي سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم والتي يجب علينا أن نقتدي به ونربي أجيالاً صالحين لهذا المجتمع أو بالأصح هذا الزمن . .
تحياتي لك ولقلمك الصاق عزيزتي . .
وفي انتظار مواضيعك الرائعة كروعة أسمك. .
اختك. . زهرة . .