الفرع الخامس: إعطاؤها المهر المتيسر.
ولا بد للمرأة من مهر يعطيه الزوج لها، ولكن ينبغي عدم المغالاة فيه.
قال *** قدامة، رحمه الله:
"الأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب، فقوله تعالى: (( ..وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ.. )) [النساء: 24].
وقوله تعالى: (( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً.. )) [النساء: 4]. قال أبو عبيد: يعني عن طيب نفس بالفريضة التي فرض الله تعالى".
ويجوز أن يكون كثيراً إذا كان الزوج موسراً، كما قال تعالى: (( …وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً.. )) [النساء: 20].
إلا أنه لا يجوز أن تكون المغالاة في المهور سببا لمنع الشبان والشابات من الزواج، كما هو الواقع في هذا الزمان الذي كثر فيه الفساد وحيل بين الشاب والشابة أن يتزوجا على سنة الله ورسوله، بسبب غلاء المهور وكثرة ما يطلب منه من الحلي والملابس وأنواع الزينة والأثاث، والولائم المبالغ في إنفاق الأموال إلى حد التبذير والإسراف فيها، حتى أصبح الزواج عند كثير من الشباب لا يطاق بسبب ذلك، فكثرت العوانس وكثر العزاب وانتشر الفساد.
والواجب على ولاة أمور المسلمين من العلماء والحكام والعقلاء في البلدان الإسلامية، وكذلك تجارهم أن يوجدوا حلا لهذا الأمر الخطير، حتى يتمكن الشبان والشابات من الزواج المشروع، وهو من أسس تخفيف الشرور التي تحصل في الأقطار الإسلامية، التي تكاد تصل إلى ما وصلت إليه دول الكفر من الفسوق والفواحش والمنكرات، ومن أهم الحلول أن يكون الأغنياء والزعماء قدوة لغيرهم في التخفيف من المهر والولائم وغيرها حتى يقتدي بهم غيرهم.
ومن أهم الحلول أن تكون هناك صناديق تبرعات كافية، للذين لا يجدون ما يمكنهم من إقامة حياة زوجية سعيدة، وينبغي أن يعود أغنياء المسلمين إلى الجود بإيقاف بعض أموالهم على المشروعات الخيرية، ومنها زواج الفقراء [راجع في مقدار المهر، فتح الباري (9/204ـ217) والمغني ل*** قدامة (7/210ـ212)].
وعلى حكام الشعوب الإسلامية أن يعنوا بهذا الأمر، ويسعوا إلى تزويج الشباب بإيجاد وسائل ذلك، من الزكوات والتبرعات، أو أي مورد مشروع لبيت أموال المسلمين، فإن المصالح التي تترتب على تزويج الشباب عظيمة جداً، كما أن المفاسد التي تترتب على عدم تزويجه خطيرة جداً.
وإذا كان مهر أغلب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة درهم، أي أن مهر الواحدة لم يزد على اثنتي عشرة أوقية فهل غيرهن أفضل منهن؟
وقد استنكر النبي صلى الله عليه وسلم كونَ رجلٍ أصدق امرأته أربع أواق، وقد جاء إليه ليصيب إعانة منه صلى الله عليه وسلم..
فقال عليه الصلاة والسلام: ( على أربع أواق؟ كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك، ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه، فبعث بعثاً إلى بني عبس، بعث ذلك الرجل فيهم ). [مسلم (2/1040)].
وقال الشوكاني رحمه الله:
"فيه – أي أحد أحاديث الباب – دليل على أفضلية النكاح مع قلة المهر، وأن الزواج بمهر قليل مندوب إليه، لأن المهر إذا كان قليلاً لم يستصعب النكاح من يريده، فيكثر الزواج المرغب فيه ويقدر عليه الفقراء، ويكثر النسل الذي هو أهم مطالب النكاح..
بخلاف ما إذا كان المهر كثيراً فإنه لا يتمكن منه إلا أرباب الأموال، فيكون الفقراء الذين هم الأكثر في الغالب غير متزوجين، فلا تحصل المكاثرة التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم". [نيل الأوطار (6/190ـ191)].
قد يتعجب القارئ من دعوتي في هذا الفرع إلى التقليل من المهر، مع أنه في حق المرأة التي تستفيد من كثرته، ولكن التعجب يزول إذا علم المرء أن عوانس كثيرات يتململن من تمسك أوليائهن بغلاء مهورهن، الذي يكون سبباً في عدم استطاعة الراغبين فيهن التقدم لخطبتهن، وكثيرات منهن يشكون من ذلك فالشابات في أمس الحاجة إلى تخفيف مهورهن، ليستطيع من يرغب فيهن ويرغبن فيه أن يتزوجهن.
وبهذا الفرع تأمن المرأة على أخذ ما فرض الله لها من صداق، وعلى عدم جعل المغالاة في المهور سداً في طريق زواجها.