الأمن الأسري
المقدمة
إن الأسرة في المنزل صورة مصغرة للمجتمع، فيها أفراد لهم حاجات وحقوق، وعليهم واجبات، وفيها الكبير الذي يعتبر أميرا، والصغير الذي يعتبر مأمورا، وفيهم من له فضل على غيره ويد على من سواه، وفيها القوي القادر، والضعيف الحاسر، وفيها العالم البصير، والجاهل الضرير، وفيها القدوة الحسنة السابق في أعمال الصالحين، والفاجر القاعد في ركب المتخلفين، وفيها المقتصد الذي يؤدي الفرائض ويجتنب المحرمات، وي**ل عن المندوبات، وينشط في تناول المكروهات، وفيها العدل الذي يعطي كل ذي حق حقه، والظالم الذي الحلال من ر**ه، وفيها القنوع الذي يكفيه اليسير، والجشع الذي لا يشبعه الكثير.
لهذا كانت عناية الخالق العليم الحكيم سبحانه، بشئون الأسرة في كتابه الكريم، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، عناية فائقة، كما وفق الله علماء الشريعة الإسلامية للعناية بالأسرة، فانبثق عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعناية العلماء مؤلفات كثيرة في شئون الأسرة، إما في كتب مستقلة بها، أو ببعض أحكامها، كالزواج، والطلاق، والرضاع، والحضانة، والنفقة، وحقوق الأزواج والزوجات، وحقوق الآباء، وحقوق الأولاد، وأحكام الجنين، والميراث، وإما في أبواب وفصول ضمن كتب الحديث وكتب الفقه في المذاهب الفقهية.
وقد تحتاج الأسرة إلى من يعينها في الخدمة، فينضم إليها الأجير الذي يحتك بها، وقد يكون لبعض الأسر عبيد-عندما يكون الرق مشروعا-فيكون للأسرة على خدمها وعبيدها حقوق، ويكون للخدم والعبيد على مخدوميهم وأسيادهم حقوق.
كل ذلك قد عنيت به الشريعة الإسلامية غاية العناية.
ولو أخذت الأسر المسلمة تلك الأحكام والتوجيهات التي عنيت بها الشريعة الإسلامية، مأخذ الجد وطبقتها حق التطبيق، لَتَكَوَّن منها المجتمع الإسلامي الآمن تلقائيا، بدون عناء ولا مشقة من خارج الأسر، إلا التوجيه العام الذي يتلقاه الجميع بالترحاب والتنفيذ.
وما أصعب أن يُتِمَّ كاتب –مثلي- الغرض في هذه الأبواب، وهو يريد الإشارة إلى موضوعات منها، كل موضوع جدير بمؤلف خاص به!
ولكنني أرجو أن يتحقق أمن الأسرة والمجتمع بما يُسَجَّلُ في هذا الكتاب، ما اجتهدوا في العمل بما فيه من الآداب والسلوك والأحكام، وبما يحققون من الولاء الذي شرعه الله له ولرسوله وللمؤمنين. وبالله التوفيق.