5- ومن وظائفهم توفي الأرواح ونزعها، وهم ينقسمون إلى قسمين: ملائكة رحمة تنزع نفس المؤمن نزعاً خفيفاً، وملائكة عذاب تنزع روح الكافر نزعاً شديداً عنيفاً، كما قال تعالى: )قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون( [السجدة: 11].
وقال تعالى: )وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون( [الأنعام: 61].
وقال تعالى: )ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون( [الأنعام: 93].
وقال تعالى: )ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق( [الأنفال: 50].
إن المؤمن الذي يعلم أن من وظائف الملائكة نزع روحه وأنه إذا حاد عن الجادة تولت نزع روحه ملائكة العذاب، ليجتهد كل الاجتهاد في السعي إلى ما يرضي ربه سبحانه وتعالى ليكون الموكلون به عند زهوق روحه في آخر حياته ملائكة الرحمة لا ملائكة العذاب.
6- وهم الذين يمتحنون الميت في قبره، كما في حديث البراء بن عا**، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: )يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت( قال: نزلت في عذاب القبر، فيقال له: من ربك؟ فيقول: ربي الله ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فذاك قوله عزّ وجلّ: )يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة( [مسلم (4/2201) والآية في سورة إبراهيم: 27].
وقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، بيان من يسأل الميت، وصفته وتفصيل سؤاله، وأقسام المسئولين وأجوبة كل قسم، وما يترتب على تلك الأجوبة في البرزخ. فقد روى رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قبر الميت -أو قال أحدكم- أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر والآخر النكير فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول ما كان يقول هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ثم يُنَوَّر له فيه، ثم يقال له: نم، فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك.
وإن كان منافقا قال: سمعت الناس يقولون فقلت مثله لا أدري، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقال للأرض التئمي عليه فتلتئم عليه، فتختلف فيها أضلاعه فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك( [الترمذي (3/374-375) بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، وقال: لم يخرّجه من أهل السنة سوى الترمذي. وقال الترمذي: حديث حسن غريب].
وعلم الإنسان بهذا الامتحان من ملائكته المقربين الذين لا يعصونه يجعله يعدّ له عدته ويعيش مشفقاً على نفسه طول حياته، فلا يعتدي على حقوق الله ولا على حقوق عباده، وهذا هو الذي يؤتمن على دماء الناس وأعراضهم وأموالهم.
7- ومن وظائف الملائكة أن طائفة منهم يكونون خزنة لجنة، وأخرى خزنة لجهنم، وهم الذين يفتحون أبواب الجنة للمؤمنين، وأبواب جهنم للكافرين، يستقبلون المؤمنين بالتبشير، ويستقبلون الكافرين بالتبكيت والتوبيخ والإهانة، كما قال سبحانه وتعالى: )ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون. وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون. ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون، وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين. قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين. وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين( [الزمر: 68-73].
إن رحلة الإنسان من وقت خلقه في بطن أمه إلى أن يدخل الجنة أو النار، وملائكة الله معه لا تفارقه لممَّا يقوي العزم على طاعة الله والبعد عن معصيته وإضرار عباده، وإن عدم تربية الإنسان على هذا الباب من أعظم المصائب والكوارث التي تجني ثمارها البشرية من الظلم والاعتداء والإخلال بالأمن.
وللملائكة وظائف أخرى لم نتعرض لها هنا، واكتفينا بما ذكر لقوة صلته بهذا الإنسان.