المطلب الرابع: في حقوق المرأة بعد الفراق
وفي هذا المطلب ثلاثة فروع:
الفرع الأول: حقها في رضاع ولدها منه.
لأنها أحن وأرق على ولدها من غيرها، ويجب أن يعطيها أجراً على رضاعه، كما ينبغي أن يحسن إليها ولا يبخل عليها بمزيد من الفضل، مراعاة للعشرة السابقة من جهة، ولقيامها برضاع ولده ورعايته من جهة.
قال تعالى في سياق عدة المطلقات: (( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى )). [الطلاق:6].
قال القرطبي، رحمه الله:
قوله تعالى: (( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ )) – يعني المطلقات – أولادكم منهن، فعلى الآباء أن يعطوهن أجرة إرضاعهن، وللرجل أن يستأجر امرأته للرضاع كما يستأجر أجنبية… [الجامع لأحكام القرآن (18/168)].
وقال تعالى: (( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا ءَاتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )). [البقرة:233].
وهذه الآية شاملة للوالدات اللاتي ما زلن في عصمة الزوج، والمطلقات.
قال الخرقي رحمه الله:
"وعلى الأب أن يسترضع لولده، إلا أن تشاء الأم أن ترضعه بأجرة مثلها، فتكون أحق به من غيرها، سواء كانت في حبال الزوج أم مطلقة". [المغني ل*** قدامة (8/250)].
الفرع الثاني: حقها في حضانة ولدها ما لم تتزوج.
إن الخلاف الذي ينشأ بين الزوجين، يجر وراءه مشكلات أسرية تهز الأسرة هزاً، وأكثر من يتضرر بذلك بعد الزوجين أولادهما كباراً وصغاراً، وإن كان تضرر الصغار أشد، وإذا اشتد الخلاف بين الزوجين وبلغ مبلغه لجآ إلى الفراق الذي هو آخر الدواء.
وعندئذ يتشا**ان في الأولاد: الأب يريد إبقاءهم عنده بالقوة، إما حرصاً على مصلحتهم، لاعتقاده أن الأم غير صالحة لتربيتهم، وقد يكون محقاً، وقد يكون غير محق، وإما لإرادته النكاية بها والإضرار، والأم تستصرخ وتستغيث وقد تلجأ إلى وليها لينجدها.
وهنا ينتشر الشقاق بين أسرتي الأب والأم، فما الحكم في هذه المسألة التي يكون مرجعها القاضي في نهاية المطاف؟
إن الأطفال الصغار في حاجة إلى الرعاية بالغذاء والتنظيف والتمريض، وفي حاجة إلى الحنو والحنان والحب والعاطفة، ولا شك أن هذه الأمور لا توجد مكتملة إلا عند الأم..
ثم عند من هي أقرب إليها من النساء، وأن الأب مهما بلغ حبه وحنانه واجتهاده في مصالح ولده لا يبلغ ما يجده الولد عند أمه.