تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » د.الأهدل: أثر التربية الإسلامية التواضع وقبول الحق

د.الأهدل: أثر التربية الإسلامية التواضع وقبول الحق 2024.

أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع الإسلامي.. (87)

الجزء الثاني..

المبحث السابع: التواضع وقبول الحق..

إن التواضع ي**ب صاحبه احترام الناس له، ويرفع منزلته عندهم وهو خلق يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، بخلاف الكبر، فإن صاحبه يطلب به التعالي على الناس، فينال الاحتقار والازدراء جزاء وفاقا، وهو صفة يبغضها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وتواضع المؤمنين بعضهم لبعض، هو أحدى أخلاقهم التي يحبهم الله تعالى عليها، وبها يكونون أهلا للكون من ح**ه، الذين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم.

كما قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ )). [المائدة:54ـ56].

فتواضع المؤمنين بعضهم لبعض هو أول صفة وصف الله بها ح**ه الغالب – بعد حبه تعالى – وكونه أول الصفات بعد حبهم له، وهو تعالى يحبهم على تلك الصفات، يدل على شرف هذه الصفة.

وجاء الأمر بالتواضع في القرآن الكريم، كما قال تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم – وأمره أمر لأمته -: (( ..وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ )). [الحجر:88].

وقال تعالى: (( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )). [الشعراء:215].

ووصف تعالى عباده الصالحين بالتواضع، فقال: (( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً )). [الفرقان:63].

وذم تعالى الكبر بنفي محبته لأهله – وقد سبق أنه يحب المتواضعين – قال تعالى: (( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً )). [النساء:36].

واستعاذ عباد الله الصالحون المتواضعون من أهل الكبر..

كما قال تعالى عن موسى عليه السلام: (( وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ )). [غافر:27].

والمتكبرون الذين يباهون بكبريائهم في الدنيا، يذلهم الله يوم القيامة، بإسكانهم في نار جهنم..

كما قال تعالى: (( فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ )). [النحل:29].

وورد في السنة ذم الكبر والمتكبرين، مع بيان الوعيد الشديد الذي أعده الله لهم يوم القيامة..

فالمتكبرون في الدنيا هم أحقر الناس يوم القيامة، ولهذا يناديهم الله تعالى أمام الأشهاد محقراً لهم..

كما في حديث *** عمر، رضي الله عنهما، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة، ثم يأخذها بيده اليمنى، ثم يقول: (( أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ )) ثم يطوي الأرض بشماله، ثم يقول: (( أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟.)). [مسلم (4/2148)].

وأخبر صلى الله عليه وسلم أن المتواضعين هم أهل الجنة، وأن المتكبرين هم أهل النار..

كما روى حارثة بن وهب الخزاعي رضي الله عنه:
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متَضَعِّف، لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار؟ كل جواظ مستكبر ). [البخاري (7/89ـ90) ومسلم (4/2190)].

وفي حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم، قال الله تبارك وتعالى للجنة: (( أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنت عذاب، أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منهما ملؤها ))… الحديث [البخاري (6/48) ومسلم (4/2186)].

وبين صلى الله عليه وسلم أنه ما ارتفع شيء من هذه الدنيا إلا وضعه الله تعالى..

كما روى أنس رضي الله عنه، قال:
كان للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة تسمى العضباء لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود فسبقها، فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه، فقال صلى الله عليه وسلم: ( حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه ). [البخاري (3/220)]

فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنوا، لسبق ناقة الأعرابي ناقته التي لم تكن تُسبَق، فعلمهم صلى الله عليه وسلم أن ميزان التكريم عند الله ليس هو الرفعة في الدنيا، لأن الرفعة في الدنيا لا تدوم، بل من شأن الناس فيها أن يرتفعوا تارة ويخفضوا أخرى، فترى الرجل يوماً عزيز قوم، ويوماً ذليل آخرين، وهكذا…

بخلاف الرفعة في الآخرة، فإنها رفعة دائمة، وكان صلى الله عليه وسلم يؤدبهم على هذا المعنى ويغرس في نفوسهم التواضع، ويقتلع منها جذور الترفع بالدنيا.

وفي حديث أبي هريرة، رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله رجلاً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ). [مسلم (4/2001) والترمذي (4/376)].

ومن الأسباب الواضحة التي تقتضي ذم الكبر والمتكبرين:
أن الكبر بجرئ صاحبه على رفض الحق وعدم قبوله، فإذا تكبر الناس بعضهم على بعض ضاع الحق، وأعقب ذلك البغي والعدوان وفقد الأمن في المجتمع..

لأن صاحب الحق يشق عليه أن يرى الحق مهدراً غير مقبول، والمتكبر ينأى بجانبه عن قبوله، ويحاول تثبيت الباطل بدل الحق، وهذا ما كان من الكافرين بالله مع رسله الكرام، كما هو بين من قصصهم في القرآن الكريم.

كما قال تعالى عن قوم نوح عليه السلام: (( وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً )) [نوح:7].

وقال عن قوم صالح عليه السلام: (( قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ ءَامَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي ءَامَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ )). [الأعراف: 75ـ76)].

وقد بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانا واضحاً..

كما في حديث عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه:
عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر )..
قال رجل: "إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا"..
قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس ). [مسلم (1/93) والترمذي (4/361)]. وبطر الحق رده وعدم قبوله، وغمط الناس احتقارهم وازدراؤهم.

وفي حديث عياض بن عمار، رضي الله عنه، أنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفتخر ). [مسلم (4/2199) وأبو داود (5/203)].

فالتواضع من الأسباب المانعة للبغي والفخر، كما أن الكبر من الأسباب الجالبة لهما.

قال الغزالي، رحمه الله:
"الوجه الثاني الذي تعظم به رذيلة الكبر أنه يدعو إلى مخالفة الله تعالى في أوامره، لأن المتكبر إذا سمع الحق من عبد من عباده، استنكف عن قبوله وتشمر لجحده…".. [إحياء علوم الدين (3/347)].

وبتواضع المؤمنين بعضهم لبعض تأتلف قلوبهم ويقبل بعضهم الحق من بعض، فلا يخاف أحد من أن يُعتَدَى عليه بالباطل ولا يبغي أحد على أحد.

بارك الله فيك وجزاك الله خير وجعله الله في ميزان حسناتك
وإياك.. أختي..
سبحان الله

يزاك الله خير اخويخليجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.