المبحث الرابع: إعانة المحتاجين والضعفاء..
إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق متفاوتين في القوة والضعف وفاضل بينهم في الر**، والعادة أن الضعيف يحتاج إلى القوي، والفقير يحتاج إلى الغني، والمريض يحتاج إلى الصحيح، والجاهل بصنعةٍ مَّا يحتاج إلى العالم بها، وهكذا…
وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالتعاون على البر والتقوى، ونهى عن التعاون على الإثم والعدوان، والذي يحتاج أخوه إلى إعانته اليوم، قد يحتاج هو إلى إعانة أخيه غداً..
وإعانة كل واحد أخاه في قضاء حاجته، تعد من شكر الله تعالى على نعمه، إذ جعله قادراً على ذلك، فعلى البدن زكاة كالمال، وكذلك العلم.
روى أبو بردة عن أبيه، عن جده:
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (على كل مسلم صدقة)..
فقالوا: يا نبي الله، فمن لم يجد؟
قال: (يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق)..
قالوا: فإن لم يجد؟
قال: (يعين ذا الحاجة الملهوف)..
قالوا: فان لم يجد؟
قال: (فليعمل بالمعروف، ويمسك عن الشر، فإنها له صدقة).
[البخاري (2/121) ومسلم (2/699)].
والذي يقضي حاجة أخيه في الدنيا يقضي الله حاجته يوم القيامة، عندما يكون أحوج إليها من حاجة أخيه في الدنيا.
وقضاء الحاجات هو مقتضى الأخوة الإسلامية..
روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة ). [البخاري (3/98) ومسلم (4/1696)].
وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إعانة الصانع في صنعته، أو الصناعة لمن لا يتقن الصنعة، من أفضل الأعمال التي يتقرب بها إلى الله..
كما روى أبو ذر رضي الله عنه، قال:
سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟
قال: (إيمان بالله وجهاد في سبيله)..
قلت: فأي الرقاب أفضل؟
قال: (أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها)..
قلت: فإن لم أفعل؟
قال: (تعين صانعاً، أو تصنع لأخرق)..
قال: فإن لم أفعل؟
قال: (تدع الناس من الشر، فإنها صدقة تصدق بها على نفسك).
[البخاري (3/117) ومسلم (1/88ـ89)].
وهذا الحديث يوضح أن تربية المجتمع في الإسلام تقوم على فعل الخير وترك الشر، وهذا هو الأمن الذي ينشده العالم كله، ولا يمكن أن يجده إلا في التربية الإسلامية.
ولقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى قرب كافل اليتيم منه في الجنة..
كما روى سهل بن سعد رضي الله عنه:
عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا) وقال بإصبعيه السبابة والوسطى. [البخاري (7/76) ومسلم (4/2287)].
وكفالة اليتيم شاملة لتربيته والقيام بتعليمه وإصلاحه، وإصلاح أمواله وحفظها، وعدم الاعتداء عليها أو التفريط فيها، وشاملة كذلك للإنفاق عليه إذا لم يكن له مال، ولطف معاملته والرفق به، وقد أبرز الله العناية به في كتابه..
فقال تعالى في حفظ ماله: (( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً )). [النساء:2].
وقال تعالى: (( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً )). [النساء:6].
وقال تعالى في إطعامه والإنفاق عليه: (( فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ )). [البلد: 11ـ15].
جعل تعالى الإنفاق على اليتيم وإطعامه في وقت المجاعة من أسباب قطع الطريق الصعب إلى الله تعالى. [راجع الجامع لأحكام القرآن (20/66)].
ومثل اليتيم المسكين والأرملة ونحوهما..
كما قال تعالى: (( أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ )) [البلد: 15ـ16].
والسعي على الأرملة والمسكين وسد حاجتهما، نوع من الجهاد في سبيل الله ومن العبادة التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، كالصلاة والصيام..
كما روى صفوان بن سليم:
عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل). [البخاري (7/76)].
وفي رواية من حديث أبي هريرة:
(كالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر). [البخاري (7/77) ومسلم (4/2286)].
والمقصود أن إعانة المحتاج من الأمور التي يجب أن يربى عليها المجتمع، وهي غير منحصرة..
فقد يحتاج المريض إلى الإسعاف..
ويحتاج من ضعفت دابته، أو تعطل مركوبه من سيارة أو غيرها، إلى إعانة بنقله أو بإصلاح مركوبه..
وقد يحتاج حامل الشيء الثقيل إلى حمله له..
وقد يحتاج من فقد ماله إلى إعانة وهكذا…
فالحاجات غير متناهية، والإعانة مطلوبة في كل حال، والناس يختلفون في القدرة على الإعانة، فقد يكون بعضهم قادراً على شيء، والآخر قادراً على شيء آخر، فعلى كل واحد أن يعين المحتاجين حسب طاقته.
وتأمل حديث أبي هريرة، رضي الله عنه:
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل سلامي من الناس عليه صدقة، كل يوم يعين الرجل في دابته، يحامله عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة، وكل خطوة يمشيها إلى الصلاة صدقة، ودل الطريق صدقة). [البخاري (3/224) ومسلم (7/699)].