تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » التجسس

التجسس 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم )

عن معاوية رضي الله عنه- قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم

يقول: ( إنك أن اتبعت عورات الناس أفسدتهم , أو كدت أن تفسدهم ) .

فقال أبو الدرداء: كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم

نفعه الله بها .

فالحذر الحذر أخي المسلم من التجسس واتباع عورات المسلمين ( فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته ) …

( ومن ستر عورة مسلم في الدنيا ستر الله عورته في الآخرة ) …رواه الأمام أحمد .

ويستثني من النهي عن التجسس ما لو تعين طريقاً إلى إنقاذ نفس من الهلاك .

اللهم جنبنا منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء واهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين .

هلا وغلا شوق زايد

انا عندي كم استفسار عن التجسس مثلا في ناس وضيفتهم مراقبة الناس مثل التحريات مثلا
وبعد في بعض الامهات يتجسسن على ***ائهم شو حكم هالحالات

جزاك الله خيرا
تحياتي

السؤال:

أنا أعمل في شركة وطلب مني المدير أن أخبره بما يقوله الموظفون عنه شخصيا على الرغم أن بعض ما يقولونه عنه صحيح فهل ما أقبضه من مكافأة للتجسس حلال أم حرام ؟.

الجواب:

الحمد لله
لا يجوز لك القيام بهذا العمل المحرم ، لما يشتمل عليه من النميمة ، والتجسس . والمكافأة الناتجة عن ذلك سحت محرم .

واعلم أن النميمة كبيرة من كبائر الذنوب ، وهي نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على وجه الإفساد بينهم . وهذا هو المشهور من تعريف النميمة ، وقد نقل *** حجر الهيتمي هذا التعريف في كتابه " الزواجر عن اقتراف الكبائر " ثم قال : ( وقال في الإحياء : ولا يختص بذلك، بل هي كشف ما يكره كشفه، سواء أَكرهه المنقول عنه أو إليه أو ثالث , وسواء كان كشفه بقول أو كتابة أو رمز أو إيماء , وسواء في المنقول كونه فعلاً أو قولاً أو عيباً أو نقصاً في المقول عنه أو غيره , فحقيقة النميمة إفشاء السر , وهتك الستر عما يكره كشفه , وحينئذ ينبغي السكوت عن حكاية كل شيء شوهد من أحوال الناس إلا ما في حكايته نفع لمسلم أو دفع ضر , كما لو رأى من يتناول مال غيره فعليه أن يشهد به , بخلاف ما لو رأى من يُخفي مال نفسه فذكره فهو نميمة وإفشاء للسر , فإن كان ما ينم به نقصا أو عيبا في المحكي عنه فهو غيبة ونميمة . انتهى) الزواجر ، (الكبيرة الثانية والخمسون بعد المائتين : النميمة ).

ونقل عن الحافظ المنذري قوله : ( أجمعت الأمة على تحريم النميمة وأنها من أعظم الذنوب عند الله عز وجل. انتهى).

ومنه يعلم أن نقلك كلام الزملاء إلى المدير ، إفشاء للسر ، وسعي في الإفساد ، ووقوع في هذه الكبيرة العظيمة من كبائر الذنوب ، إضافة إلى التجسس المحرم.

وقد جاء في ذم النميمة ، والتجسس ، وتتبع العورات جملة من النصوص الكفيلة بزجر المسلم وردعه عن ارتكاب هذه المحرمات :

1- فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة نمام " . وفي رواية : " قتّات " رواه البخاري (6056) ومسلم (105) .

والقتات هو النمام . وقيل : النمام الذي يكون مع جمع يتحدثون حديثا فينم عليهم . والقتات : الذي يستمع عليهم وهم لا يعلمون ثم ينم.

2- وفي الصحيحين من حديث *** عباس قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بعض حيطان المدينة فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما فقال : " يعذبان وما يعذبان في كبير، وإنه لكبير، كان أحدهما لا يستتر من البول ، وكان الآخر يمشي بالنميمة " ( البخاري 216 ، ومسلم 292 ) .

3- وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تحسسوا ، ولا تجسسوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تدابروا ، ولا تباغضوا ، وكونوا عباد الله إخوانا ". البخاري 5144 ، ومسلم 2563

قال النووي رحمه الله : ( قال بعض العلماء : "التحسس " بالحاء : الاستماع لحديث القوم , وبالجيم: البحث عن العورات . وقيل : بالجيم : التفتيش عن بواطن الأمور , وأكثر ما يقال في الشر , والجاسوس صاحب سر الشر , والناموس صاحب سر الخير . وقيل : بالجيم أن تطلبه لغيرك , وبالحاء : أن تطلبه لنفسك . قاله ثعلب : وقيل : هما بمعنى (واحد) . وهو طلب معرفة الأخبار الغائبة والأحوال) انتهى.

4- وروى البخاري (7042) عن *** عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من تحلم بحُلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه صب في أذنه الآنك يوم القيامة، ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها وليس بنافخ". والآنك: هو الرصاص المذاب.

5- وروى أحمد (19277) وأبو داود (4880) عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته". وصححه الألباني في صحيح أبي داود (4083) .

وبعد ، فما نظن مؤمنا يقرأ هذه الأحاديث العظيمة ، ثم تطوع له نفسه أن يتجسس على إخوانه المسلمين ، أو يتتبع عوراتهم ، أو يسعى بينهم بالنميمة ، ونحن نظن أنك من المنتفعين المستجيبين إن شاء الله ، ولهذا نقول: يجب عليك الامتناع عن هذا العمل ، مهما جاءك من ترغيب أو ترهيب ، مع نصح هؤلاء الزملاء بترك غيبة مديرهم ، والإنكار عليهم في ذلك .

كما ينبغي أن تنصح لمديرك بترك التجسس على الموظفين ، وعدم ابتغاء الريبة فيهم ، لأن ذلك يفسدهم ، وينزع الثقة من قلوبهم ، كما قال النبي صل الله عليه وسلم لمعاوية : " إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم" رواه أبو داود (4888) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (4088) .

ولنختم هذا الجواب بكلام نافع حول موقف المسلم ممن النميمة حين تنقل إليه :

قال *** حجر الهيتمي في كتابه : الزواجر عن اقتراف الكبائر :

(ثم على من حُملت إليه النميمة، كفلان قال فيك أو عمل في حقك كذا ، ستة أمور:

1- أن لا يصدقه ; لأن النمام فاسق إجماعا . وقد قال تعالى : ( إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم في أنفسكم نادمبن ) الحجرات/6 .

2- وأن ينهاه عن العود لمثل هذا القبيح ديناً ودنيا .

3- وأن يبغضه في الله إن لم يُظهر له التوبة .

4- وأن لا يظن بالمنقول عنه سوءاً ; لأنه لم يتحقق أن ما نقل إليه عنه صدر منه .

5- وأن لا يحمله ما حكي له على التجسس والبحث حتى يتحقق ; لقوله تعالى : ( اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ) الحجرات/12 .

6- وأن لا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه ، فلا يحكي نميمته , فيقول : قد حكى لي فلان كذا؛ فإنه يكون به نماما ومغتابا وآتيا بما عنه نهى .

وقد قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لمن نم له شيئا : إن شئت نظرنا في أمرك , فإن كذبت فأنت من أهل هذه الآية : ( إن جاءكم فاسق بنبأ ) ، وإن صدقت فمن أهل هذه الآية ( مشاء بنميم ) القلم/11 ، وإن شئت عفونا عنك . فقال العفو يا أمير المؤمنين , لا أعود إليه أبدا .

وعاتب سليمان بن عبد الملك من نم عليه بحضرة الزهري ، فأنكر الرجل ، فقال له : من أخبرني صادق . فقال الزهري : النمام لا يكون صادقا . فقال سليمان: صدقت , اذهب أيها الرجل بسلام .

وقال الحسن : من نم لك نم عليك , وهذا إشارة إلى أن النمام ينبغي أن يُبغض ولا يُؤتمن ولا يوثق بصداقته , وكيف لا يبغض وهو لا ينفك عن الكذب والغيبة والقذف والخيانة والغل والحسد والإفساد بين الناس والخديعة , وهو ممن سعى في قطع ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض . قال تعالى . ( إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ) الشورى/42 والنمام منهم . انتهى.

والله أعلم .

الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)

تَجَسُّسُ الْحَاكِمِ عَلَى رَعِيَّتِهِ : 11 – سَبَقَ أَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُ التَّجَسُّسِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا } وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ فِي حَقِّ وَلِيِّ الْأَمْرِ لِوُرُودِ نُصُوصٍ خَاصَّةٍ تُنْهِي أَوْلِيَاءَ الْأُمُورِ عَنْ تَتَبُّعِ عَوْرَاتِ النَّاسِ ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ مُعَاوِيَةُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : إنَّك إنْ اتَّبَعْت عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتهمْ أَوْ كِدْت أَنْ تُفْسِدَهُمْ } فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : كَلِمَةٌ سَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا . وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ الْأَمِيرَ إذَا ابْتَغَى الرِّيبَةَ فِي النَّاسِ أَفْسَدَهُمْ } . وَلَكِنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَتَجَسَّسَ عَلَى رَعِيَّتِهِ إذَا كَانَ فِي تَرْكِ التَّجَسُّسِ انْتِهَاكُ حُرْمَةٍ يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهَا ، مِثْلُ أَنْ يُخْبِرَهُ مَنْ يَثِقُ بِصِدْقِهِ أَنَّ رَجُلًا خَلَا بِرَجُلٍ لِيَقْتُلَهُ ، أَوْ امْرَأَةٍ لِيَزْنِيَ بِهَا ، فَيَجُوزُ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يَتَجَسَّسَ وَيَقْدَمَ عَلَى الْكَشْفِ وَالْبَحْثِ حَذَرًا مِنْ فَوَاتِ مَا لَا يُسْتَدْرَكُ مِنْ انْتِهَاكِ الْمَحَارِمِ وَارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ ، وَهَكَذَا لَوْ عَرَفَ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْ الْمُتَطَوِّعَةِ جَازَ لَهُمْ الْإِقْدَامُ عَلَى الْكَشْفِ وَالْإِنْكَارِ . أَمَّا مَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ فِي الرِّيبَةِ فَلَا يَجُوزُ التَّجَسُّسُ عَلَيْهِ وَلَا كَشْفُ الْأَسْتَارِ عَنْهُ . وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ عُمَرَ دَخَلَ عَلَى قَوْمٍ يَتَعَاقَرُونَ عَلَى شَرَابٍ وَيُوقِدُونَ فِي أَخْصَاصٍ فَقَالَ : نَهَيْتُكُمْ عَنْ الْمُعَاقَرَةِ فَعَاقَرْتُمْ ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ الْإِيقَادِ فِي الْأَخْصَاصِ فَأَوْقَدْتُمْ . فَقَالُوا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ التَّجَسُّسِ فَتَجَسَّسْت ، وَعَنْ الدُّخُولِ بِغَيْرِ إذْنٍ فَدَخَلْت . فَقَالَ : هَاتَانِ بِهَاتَيْنِ وَانْصَرَفَ وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُمْ . وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِيمَا سُتِرَ مِنْ الْمُنْكَرِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ هَلْ يُنْكَرُ ؟ فَرَوَى ابْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ اللَّهِ فِي الْمُنْكَرِ يَكُونُ مُغَطًّى ، مِثْلُ طُنْبُورٍ وَمُسْكِرٍ وَأَمْثَالِهِ فَقَالَ : إذَا كَانَ مُغَطًّى لَا يُكْسَرُ . وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ يُكْسَرُ . فَإِنْ سَمِعَ أَصْوَاتَ الْمَلَاهِي الْمُنْكَرَةِ مِنْ دَارٍ تَظَاهَرَ أَهْلُهَا بِأَصْوَاتِهِمْ أَنْكَرَهُ خَارِجَ الدَّارِ ، وَلَمْ يَهْجُمْ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِمْ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَكْشِفَ عَمَّا سِوَاهُ مِنْ الْبَاطِنِ ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ مُهَنَّا الْأَنْبَارِيِّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سَمِعَ صَوْتَ طَبْلٍ فِي جِوَارِهِ ، فَقَامَ إلَيْهِمْ مِنْ مَجْلِسِهِ ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ وَنَهَاهُمْ . وَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْبٍ فِي الرَّجُلِ يَسْمَعُ الْمُنْكَرَ فِي دَارِ بَعْضِ جِيرَانِهِ قَالَ : يَأْمُرُهُ ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ جَمَعَ عَلَيْهِ الْجِيرَانُ وَيُهَوِّلُ عَلَيْهِ . وَقَالَ الْجَصَّاصُ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَجَسَّسُوا } نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ سُوءِ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ الَّذِي ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ وَالسَّتْرُ ، ثُمَّ قَالَ : نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ التَّجَسُّسِ ، بَلْ أَمَرَ بِالسَّتْرِ عَلَى أَهْلِ الْمَعَاصِي مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ إصْرَارٌ . ثُمَّ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قِيلَ لَهُ : هَذَا فُلَانٌ تَقْطُرُ لِحْيَتُهُ خَمْرًا ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : إنَّا قَدْ نُهِينَا عَنْ التَّجَسُّسِ ، وَلَكِنْ إنْ يَظْهَرْ لَنَا شَيْءٌ نَأْخُذْ بِهِ .
إفْشَاءُ السِّرِّ التَّعْرِيفُ : 1 – الْإِفْشَاءُ لُغَةً : الْإِظْهَارُ ، يُقَالُ : أَفَشَا السِّرَّ : إذَا أَظْهَرَهُ ، فَفَشَا فَشْوًا وَفُشُوًّا ، وَالسِّرُّ هُوَ مَا يُكْتَمُ ، وَالْإِسْرَارُ خِلَافُ الْإِعْلَانِ . وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ . ( الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ ) : أ – الْإِشَاعَةُ : 2 – إشَاعَةُ الْخَبَرِ : إظْهَارُهُ وَنَشْرُهُ ، وَالشُّيُوعُ : الظُّهُورُ . ب – الْكِتْمَانُ : 3 – الْكِتْمَانُ . الْإِخْفَاءُ : يُقَالُ : كَتَمْت زَيْدًا الْحَدِيثَ : أَيْ أَخْفَيْته عَنْهُ ، فَهُوَ ضِدُّ الْإِفْشَاءِ . ج – التَّجَسُّسُ : 4 – هُوَ تَتَبُّعُ الْأَخْبَارِ ، وَمِنْهُ الْجَاسُوسُ ، لِأَنَّهُ يَتَتَبَّعُ الْأَخْبَارَ ، وَيَفْحَصُ عَنْ بَوَاطِنِ الْأُمُورِ ، وَهُوَ يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِي الشَّرِّ فَالتَّجَسُّسُ : السَّعْيُ لِلْحُصُولِ عَلَى السِّرِّ . د – التَّحَسُّسُ : 5 – هُوَ الِاسْتِمَاعُ إلَى حَدِيثِ الْغَيْرِ ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا } وَالتَّحَسُّسُ إنْ كَانَ لِإِذَاعَةِ أَخْبَارِ النَّاسِ السَّيِّئَةِ فَهُوَ كَإِفْشَاءِ السِّرِّ فِي الْحُرْمَةِ ، وَقَدْ يَكُونُ التَّحَسُّسُ لِإِشَاعَةِ الْخَيْرِ ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : { يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ } . حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ : أَنْوَاعُ السِّرِّ : يَتَنَوَّعُ السِّرُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ : أ – مَا أَمَرَ الشَّرْعُ بِكِتْمَانِهِ . ب – مَا طَلَبَ صَاحِبُهُ كِتْمَانَهُ . ج – مَا مِنْ شَأْنِهِ الْكِتْمَانُ وَاطُّلِعَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْخُلْطَةِ أَوْ الْمَهْنَةِ . النَّوْعُ الْأَوَّلُ : مَا أَمَرَ الشَّرْعُ بِكِتْمَانِهِ : 6 – مِنْ الْأُمُورِ مَا يَحْظُرُ الشَّرْعُ إفْشَاءَهُ لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ أَوْ دُنْيَوِيَّةٍ حَسَبَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى إفْشَائِهِ مِنْ ضَرَرٍ . فَمِمَّا لَا يَجُوزُ إفْشَاؤُهُ : مَا يَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ حَالَ الْوِقَاعِ ، فَإِنَّ إفْشَاءَ مَا يَقَعُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَزَوْجَتِهِ حَالَ الْجِمَاعِ أَوْ مَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ حَرَامٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلُ يُفْضِي إلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إلَيْهِ ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا } وَالْمُرَادُ مِنْ نَشْرِ السِّرِّ ، ذِكْرُ مَا يَقَعُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ مِنْ أُمُورِ الْوَقَاعِ وَوَصْفِ تَفَاصِيلِ ذَلِكَ ، وَمَا يَجْرِي مِنْ الْمَرْأَةِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ . أَمَّا مُجَرَّدُ ذِكْرِ الْوِقَاعِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِحَاجَةٍ ، فَذِكْرُهُ مَكْرُوهٌ ، لِأَنَّهُ يُنَافِي الْمُرُوءَةَ ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ } . فَإِنْ دَعَتْ إلَى ذِكْرِهِ حَاجَةٌ ، وَتَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ فَهُوَ مُبَاحٌ . كَمَا لَوْ ادَّعَتْ الزَّوْجَةُ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ عِنِّينٌ ، أَوْ مُعْرِضٌ عَنْهَا ، أَوْ تَدَّعِي عَلَيْهِ الْعَجْزَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا ادَّعَتْهُ صَحِيحًا فَلَا كَرَاهَةَ فِي الذِّكْرِ ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنِّي لَأَفْعَلُ ذَلِكَ ، أَنَا وَهَذِهِ ، ثُمَّ نَغْتَسِلُ } وَقَالَ لِأَبِي طَلْحَةَ : { أَعَرَّسْتُمْ اللَّيْلَةَ } ؟ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي عَدَمِ جَوَازِ إفْشَاءِ مَا يَجْرِي مِنْ الرِّجَالِ حَالَ الْوَقَاعِ . وَإِفْشَاءُ السِّرِّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيذَاءِ وَالتَّهَاوُنِ بِحَقِّ أَصْحَابِ السِّرِّ مِنْ الْجِيرَانِ وَالْأَصْدِقَاءِ وَنَحْوِهِمْ . فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الْحَدِيثَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ } وَقَالَ : { الْحَدِيثُ بَيْنَكُمْ أَمَانَةٌ } . وَقَالَ الْحَسَنُ إنَّ مِنْ الْخِيَانَةِ أَنْ تُحَدِّثَ بِسِرِّ أَخِيك " . النَّوْعُ الثَّانِي : مَا طَلَبَ صَاحِبُهُ كِتْمَانَهُ : 7 – مَا اسْتَكْتَمَك إيَّاهُ الْغَيْرُ وَائْتَمَنَك عَلَيْهِ ، فَلَا يَجُوزُ بَثُّهُ وَإِفْشَاؤُهُ لِلْغَيْرِ ، حَتَّى أَخَصَّ أَصْدِقَاءِ صَاحِبِ السِّرِّ ، فَلَا يَكْشِفُ شَيْئًا مِنْهُ وَلَوْ بَعْدَ الْقَطِيعَةِ بَيْنَ مَنْ أَسَرَّ وَمَنْ أَسَرَّ إلَيْهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ لُؤْمِ الطَّبْعِ وَخُبْثِ الْبَاطِنِ . وَهَذَا إذَا الْتَزَمْت بِالْكِتْمَانِ ، أَمَّا إذَا لَمْ تَلْتَزِمْ ، فَلَا يَجِبُ الْكِتْمَانُ ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ حَدِيثُ زَيْنَبَ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَنَصُّهُ : عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ : { كُنْت فِي الْمَسْجِدِ ، فَرَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ } . { وَكَانَتْ زَيْنَبُ تُنْفِقُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَأَيْتَامٍ فِي حِجْرِهَا . فَقَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ : سَلْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْك وَعَلَى أَيْتَامِي فِي حِجْرِي مِنْ الصَّدَقَةِ ؟ فَقَالَ : سَلِي أَنْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَانْطَلَقْت إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْت امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى الْبَابِ ، حَاجَتُهَا مِثْلُ حَاجَتِي ، فَمَرَّ عَلَيْنَا بِلَالٌ فَقُلْنَا : سَلْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَى زَوْجِي وَأَيْتَامٍ لِي فِي حِجْرِي . وَقُلْنَا : لَا تُخْبِرْ بِنَا . فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ ، فَقَالَ : مَنْ هُمَا ؟ قَالَ : زَيْنَبُ . قَالَ : أَيُّ الزَّيَانِبِ ؟ قَالَ : امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ . قَالَ : نَعَمْ ، وَلَهَا أَجْرَانِ : أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ } . قَالَ الْقُرْطُبِيُّ – فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي – : " لَيْسَ إخْبَارُ بِلَالٍ بِاسْمِ الْمَرْأَتَيْنِ بَعْدَ أَنْ اسْتَكْتَمَتَاهُ بِإِذَاعَةِ سِرٍّ وَلَا كَشْفِ أَمَانَةٍ ، لِوَجْهَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُمَا لَمْ تُلْزِمَاهُ بِذَلِكَ ، وَإِنَّمَا عَلِمَ أَنَّهُمَا رَأَتَا أَنْ لَا ضَرُورَةَ تُحْوِجُ إلَى كِتْمَانِهِمَا . ( ثَانِيهِمَا ) أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ جَوَابًا لِسُؤَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِ إجَابَتِهِ أَوْجَبَ مِنْ التَّمَسُّكِ بِمَا أَمَرَتَاهُ بِهِ مِنْ الْكِتْمَانِ . وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْتَزَمَ لَهُمَا بِذَلِكَ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَا سَأَلَتَاهُ ( أَيْ وَلَمْ يَلْتَزِمْ لَهُمَا بِالْكِتْمَانِ ) وَلَا يَجِبُ إسْعَافُ كُلِّ سَائِلٍ . وَقَدْ تَتَضَمَّنُ الْغِيبَةُ إفْشَاءً لِلسِّرِّ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَمْرُ الْمَكْرُوهُ الَّذِي يَذْكُرُ بِهِ الْغَيْرَ فِي غِيَابِهِ مِنْ الْأُمُورِ الْخَفِيَّةِ ، أَوْ مِمَّا يَطْلُبُ صَاحِبُهُ كِتْمَانَهُ ، وَقَدْ نَهَى الشَّرْعُ عَنْ الْغِيبَةِ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ } وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ . قَالَ : أَفَرَأَيْت إنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ . قَالَ : إنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْته ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقَدْ بَهَتَّهُ } وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ ( غِيبَةٌ ) . النَّوْعُ الثَّالِثُ . 8 – مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِمُقْتَضَى الْمَهْنَةِ ، كَالطَّبِيبِ وَالْمُفْتِي وَأَمِينِ السُّرِّ وَغَيْرِهِمْ . 9 – وَمِمَّا يَكُونُ أَحْيَانًا مِنْ الْإِفْشَاءِ الْمُحَرَّمِ لِلسِّرِّ النَّمِيمَةُ : وَهِيَ لُغَةً تَبْلِيغُ الْخَبَرِ عَلَى وَجْهِ الْإِفْسَادِ ، وَهِيَ كَذَلِكَ فِي اصْطِلَاحِ الْعُلَمَاءِ ، وَأَكْثَرُ إطْلَاقِهَا عَلَى مَنْ يَنِمُّ قَوْلَ الْغَيْرِ إلَى الْمَقُولِ فِيهِ ، أَيْ يَنْقُلُهُ إلَيْهِ إذَا كَانَ سِرًّا قَدْ اسْتَكْتَمَهُ إيَّاهُ ، كَأَنْ يَقُولَ فُلَانٌ يَقُولُ فِيك : كَذَا وَكَذَا . وَالنَّمِيمَةُ حَرَامٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ } أَيْ النَّمَّامُ ، وَلِمَا فِيهَا مِنْ الْإِفْسَادِ بَيْنَ النَّاسِ . وَقَدْ تَجِبُ النَّمِيمَةُ كَمَا إذَا سَمِعَ إنْسَانٌ شَخْصًا يَتَحَدَّثُ بِإِرَادَةِ إيذَاءِ إنْسَانٍ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا ، فَيَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ أَنْ يُحَذِّرَ الْمَقْصُودَ بِالْإِيذَاءِ ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَحْذِيرُهُ بِغَيْرِ ذِكْرِ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى التَّحْذِيرِ ، وَإِلَّا ذَكَرَهُ بِاسْمِهِ . وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ ( نَمِيمَةٌ ) .
التَّجَسُّسُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْحَرْبِ : 6 – الْجَاسُوسُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ، وَقَدْ أَجَابَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ سُؤَالِ هَارُونَ الرَّشِيدِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُكْمِ فِيهِمْ فَقَالَ : وَسَأَلْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ الْجَوَاسِيسِ يُوجَدُونَ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . فَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِمَّنْ يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس فَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَعْرُوفِينَ فَأَوْجِعْهُمْ عُقُوبَةً ، وَأَطِلْ حَبْسَهُمْ حَتَّى يُحْدِثُوا تَوْبَةً . وَقَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : وَإِذَا وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ رَجُلًا – مِمَّنْ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ – عَيْنًا لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يَكْتُبُ إلَيْهِمْ بِعَوْرَاتِهِمْ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ طَوْعًا فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ ، وَلَكِنَّ الْإِمَامَ يُوجِعُهُ عُقُوبَةً . ثُمَّ قَالَ : إنَّ مِثْلَهُ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا حَقِيقَةً ، وَلَكِنْ لَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ مَا بِهِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْإِسْلَامِ فِي الظَّاهِرِ مَا لَمْ يَتْرُكْ مَا بِهِ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى مَا فَعَلَ الطَّمَعُ ، لَا خُبْثُ الِاعْتِقَادِ ، وَهَذَا أَحْسَنُ الْوَجْهَيْنِ ، وَبِهِ أُمِرْنَا . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ { حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ ، فَإِنَّهُ كَتَبَ إلَى قُرَيْشٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُوكُمْ فَخُذُوا حِذْرَكُمْ ، فَأَرَادَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَتْلَهُ ، فَقَالَ الرَّسُولُ لِعُمَرَ : مَهْلًا يَا عُمَرُ ، فَلَعَلَّ اللَّهَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ } فَلَوْ كَانَ بِهَذَا كَافِرًا مُسْتَوْجِبًا لِلْقَتْلِ مَا تَرَكَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ بَدْرِيٍّ ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَزِمَهُ الْقَتْلُ بِهَذَا حَدًّا مَا تَرَكَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ } فَقَدْ سَمَّاهُ مُؤْمِنًا ، وَعَلَيْهِ دَلَّتْ قِصَّةُ أَبِي لُبَابَةَ حِينَ اسْتَشَارَهُ بَنُو قُرَيْظَةَ ، فَأَمَرَّ أُصْبُعَهُ عَلَى حَلْقِهِ يُخْبِرُهُمْ أَنَّهُمْ لَوْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَهُمْ ، وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ } . وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلَ هَذَا ذِمِّيٌّ فَإِنَّهُ يُوجَعُ عُقُوبَةً وَيُسْتَوْدَعُ السِّجْنَ ، وَلَا يَكُونُ هَذَا نَقْضًا مِنْهُ لِلْعَهْدِ ، لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ مُسْلِمٌ لَمْ يَكُنْ بِهِ نَاقِضًا أَمَانَهُ فَإِذَا فَعَلَهُ ذِمِّيٌّ لَا يَكُونُ نَاقِضًا أَمَانَهُ أَيْضًا . أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ فَقَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ لَمْ يَكُنْ بِهِ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ ، وَإِنْ كَانَ قَطْعُ الطَّرِيقِ مُحَارَبَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ بِالنَّصِّ فَهَذَا أَوْلَى . وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلَهُ مُسْتَأْمَنٌ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ نَاقِضًا لِأَمَانِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ ، إلَّا أَنَّهُ يُوجَعُ عُقُوبَةً فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَقَصَدَ بِفِعْلِهِ إلْحَاقَ الضَّرَرِ بِالْمُسْلِمِينَ . فَإِنْ كَانَ حِينَ طَلَبِ الْأَمَانِ قَالَ لَهُ الْمُسْلِمُونَ : آمَنَّاك إنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنًا لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، أَوْ آمَنَّاك عَلَى أَنَّك إنْ أَخْبَرْت أَهْلَ الْحَرْبِ بِعَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا أَمَان لَك – وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا – فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ ، لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ يَكُونُ مَعْدُومًا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، فَقَدْ عُلِّقَ أَمَانُهُ هَاهُنَا بِشَرْطِ أَلَّا يَكُونَ عَيْنًا ، فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ عَيْنٌ كَانَ حَرْبِيًّا لَا أَمَانَ لَهُ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ . وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَصْلُبَهُ حَتَّى يَعْتَبِرَ بِهِ غَيْرُهُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَجْعَلَهُ فَيْئًا فَلَا بَأْسَ بِهِ أَيْضًا كَغَيْرِهِ مِنْ الْأُسَرَاءِ ، إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقْتُلَهُ هَاهُنَا لِيَعْتَبِرَ غَيْرُهُ . فَإِنْ كَانَ مَكَانَ الرَّجُلِ امْرَأَةٌ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهَا أَيْضًا ، لِأَنَّهَا قَصَدَتْ إلْحَاقَ الضَّرَرِ بِالْمُسْلِمِينَ ، وَلَا بَأْسَ بِقَتْلِ الْحَرْبِيَّةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، كَمَا إذَا قَاتَلَتْ ، إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ صَلْبُهَا لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ أَوْلَى . وَإِنْ وَجَدُوا غُلَامًا لَمْ يَبْلُغْ ، بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، فَإِنَّهُ يُجْعَلُ فَيْئًا وَلَا يُقْتَلُ ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ ، فَلَا يَكُونُ فِعْلُهُ خِيَانَةً يَسْتَوْجِبُ الْقَتْلَ بِهَا ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ . وَهُوَ نَظِيرُ الصَّبِيِّ إذَا قَاتَلَ فَأُخِذَ أَسِيرًا لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ إذَا قَاتَلَتْ فَأُخِذَتْ أَسِيرَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهَا . وَالشَّيْخُ الَّذِي لَا قِتَالَ عِنْدَهُ وَلَكِنَّهُ صَحِيحُ الْعَقْلِ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا . وَإِنْ جَحَدَ الْمُسْتَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ ، وَقَالَ : الْكِتَابُ الَّذِي وَجَدُوهُ مَعَهُ إنَّمَا وَجَدَهُ فِي الطَّرِيقِ وَأَخَذَهُ ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْتُلُوهُ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ ، لِأَنَّهُ آمِنٌ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ ، فَمَا لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ مَا يَنْفِي أَمَانَهُ كَانَ حَرَامَ الْقَتْلِ . فَإِنْ هَدَّدُوهُ بِضَرْبٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ حَبْسٍ حَتَّى أَقَرَّ بِأَنَّهُ عَيْنٌ فَإِقْرَارُهُ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ، لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ ، وَإِقْرَارُ الْمُكْرَهِ بَاطِلٌ سَوَاءٌ أَكَانَ الْإِكْرَاهُ بِالْحَبْسِ أَمْ بِالْقَتْلِ ، وَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ عَيْنًا إلَّا بِأَنْ يُقِرَّ بِهِ عَنْ طَوْعٍ ، أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِذَلِكَ ، وَيُقْبَلُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ ، لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ فِينَا وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا ، وَشَهَادَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ حُجَّةٌ عَلَى الْحَرْبِيِّ . وَإِنْ وَجَدَ الْإِمَامُ مَعَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ كِتَابًا فِيهِ خَطُّهُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ ، إلَى مَلَكِ أَهْلِ الْحَرْبِ يُخْبِرُ فِيهِ بِعَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَحْبِسُهُ ، وَلَا يَضْرِبُهُ بِهَذَا الْقَدْرِ ، لِأَنَّ الْكِتَابَ مُحْتَمَلٌ فَلَعَلَّهُ مُفْتَعَلٌ ، وَالْخَطُّ يُشْبِهُ الْخَطَّ ، فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهُ بِمِثْلِ هَذَا الْمُحْتَمَلِ ، وَلَكِنْ يَحْبِسُهُ نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ أَمْرُهُ : فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ خَلَّى سَبِيلَهُ ، وَرَدَّ الْمُسْتَأْمَنَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ، وَلَمْ يَدَعْهُ لِيُقِيمَ بَعْدَ هَذَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يَوْمًا وَاحِدًا ، لِأَنَّ الرِّيبَةَ فِي أَمْرِهِ قَدْ تَمَكَّنَتْ وَتَطْهِيرُ دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ مِثْلِهِ مِنْ بَابِ إمَاطَةِ الْأَذَى فَهُوَ أَوْلَى . 7 – مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ : أَنَّ الْجَاسُوسَ الْمُسْتَأْمَنَ يُقْتَلُ ، وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمُسْلِمِ يَكْتُبُ لِأَهْلِ الْحَرْبِ بِأَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ : يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ وَلَا دِيَةَ لِوَرَثَتِهِ كَالْمُحَارِبِ . وَقِيلَ : يُجْلَدُ نَكَالًا وَيُطَالُ حَبْسُهُ وَيُنْفَى مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ ، وَقِيلَ : يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يَتُوبَ ، وَقِيلَ : إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ . وَقِيلَ : يُقْتَلُ إنْ كَانَ مُعْتَادًا لِذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَتْ فَلْتَةً ضُرِبَ وَنُكِّلَ . وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْطُبِيِّ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ } مَا يَأْتِي : مَنْ كَثُرَ تَطَلُّعُهُ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَيُنَبِّهُ عَلَيْهِمْ وَيَعْرِفُ عَدَدُهُمْ بِأَخْبَارِهِمْ لَمْ يَكُنْ كَافِرًا بِذَلِكَ ، إذَا كَانَ فِعْلُهُ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ وَاعْتِقَادُهُ عَلَى ذَلِكَ سَلِيمٌ ، كَمَا فَعَلَ حَاطِبٌ حِينَ قَصَدَ بِذَلِكَ اتِّخَاذَ الْيَدِ وَلَمْ يَنْوِ الرِّدَّةَ عَنْ الدِّينِ . وَإِذَا قُلْنَا : لَا يَكُونُ بِذَلِكَ كَافِرًا فَهَلْ يُقْتَلُ بِذَلِكَ حَدًّا أَمْ لَا ؟ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ ، فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ : يَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ الْإِمَامُ . وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ : إذَا كَانَتْ عَادَتُهُ ذَلِكَ قُتِلَ لِأَنَّهُ جَاسُوسٌ . وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ : يُقْتَلُ الْجَاسُوسُ – وَهُوَ صَحِيحٌ – لِإِضْرَارِهِ بِالْمُسْلِمِينَ وَسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ ، وَلَعَلَّ ابْنَ الْمَاجِشُونِ إنَّمَا اتَّخَذَ التَّكْرَارَ فِي هَذَا لِأَنَّ حَاطِبًا أُخِذَ فِي أَوَّلِ فِعْلِهِ . فَإِنْ كَانَ الْجَاسُوسُ كَافِرًا ، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : يَكُونُ نَقْضًا لِعَهْدِهِ ، وَقَالَ أَصْبَغُ : الْجَاسُوسُ الْحَرْبِيُّ يُقْتَلُ ، وَالْجَاسُوسُ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ يُعَاقَبَانِ إلَّا إنْ تَظَاهَرَا عَلَى الْإِسْلَامِ فَيُقْتَلَانِ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِعَيْنٍ لِلْمُشْرِكِينَ اسْمُهُ فُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُقْتَلَ ، فَصَاحَ : يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أُقْتَلُ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَلَّى سَبِيلَهُ . ثُمَّ قَالَ : إنَّ مِنْكُمْ مَنْ أَكِلُهُ إلَى إيمَانِهِ ، مِنْهُمْ فُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ . } 8 – وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ : أَنَّ الْجَاسُوسَ الْمُسْلِمَ يُعَزَّرُ وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ . وَإِنْ كَانَ ذَا هَيْئَةٍ ( أَيْ مَاضٍ كَرِيمٍ فِي خِدْمَةِ الْإِسْلَامِ ) عُفِيَ عَنْهُ لِحَدِيثِ حَاطِبٍ ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُ الذِّمِّيِّ بِالدَّلَالَةِ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَوْ شُرِطَ عَلَيْهِمْ فِي عَهْدِ الْأَمَانِ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ ، وَفِي غَيْرِهِ يُنْتَقَضُ بِالشَّرْطِ . 9 – وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ : أَنَّهُ يُنْتَقَضُ عَهْدُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِأَشْيَاءَ وَمِنْهَا : تَجَسُّسٌ أَوْ آوَى جَاسُوسًا ، لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ . وَمِمَّا تَقَدَّمَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْجَاسُوسَ الْحَرْبِيَّ مُبَاحُ الدَّمِ يُقْتَلُ عَلَى أَيِّ حَالٍ عِنْدَ الْجَمِيعِ ، أَمَّا الذِّمِّيُّ وَالْمُسْتَأْمَنُ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ : إنَّهُ يُقْتَلُ . وَلِلشَّافِعِيَّةِ أَقْوَالٌ أَصَحُّهَا أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُ الذِّمِّيِّ بِالدَّلَالَةِ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ ، لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ . وَأَمَّا الْجَاسُوسُ الْمُسْلِمُ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ وَلَا يُقْتَلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يُقْتَلُ .
تَجَسُّسُ الْمُحْتَسِبِ : 12 – الْمُحْتَسِبُ هُوَ مَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ إذَا ظَهَرَ تَرْكُهُ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ إذَا ظَهَرَ فِعْلُهُ . قَالَ تَعَالَى : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ } وَهَذَا وَإِنْ صَحَّ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ لَكِنَّ الْمُحْتَسِبَ مُتَعَيَّنٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ وِلَايَتِهِ ، لَكِنَّ غَيْرَهُ فُرِضَ عَلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الْكِفَايَةِ . وَمَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ فَلَيْسَ لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَتَجَسَّسَ عَنْهَا وَلَا أَنْ يَهْتِكَ الْأَسْتَارَ حَذَرًا مِنْ الِاسْتِتَارِ بِهَا فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اجْتَنِبُوا هَذِهِ الْقَاذُورَةَ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا ، فَمَنْ أَلَمَّ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ } . فَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ اسْتِتَارُ قَوْمٍ بِهَا لِأَمَارَاتٍ دَلَّتْ وَآثَارٍ ظَهَرَتْ فَذَلِكَ ضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي انْتِهَاكِ حُرْمَةٍ يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهَا مِثْلُ أَنْ يُخْبِرَهُ مَنْ يَثِقُ بِهِ أَنَّ رَجُلًا خَلَا بِامْرَأَةٍ لِيَزْنِيَ بِهَا أَوْ رَجُلٍ لِيَقْتُلَهُ ، فَيَجُوزُ لَهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يَتَجَسَّسَ وَيَقْدَمَ عَلَى الْكَشْفِ وَالْبَحْثِ حَذَرًا مِنْ فَوَاتِ مَا لَا يُسْتَدْرَكُ مِنْ ارْتِكَابِ الْمَحَارِمِ وَفِعْلِ الْمَحْظُورَاتِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : مَا خَرَجَ عَنْ هَذَا الْحَدِّ وَقَصُرَ عَنْ حَدِّ هَذِهِ الرُّتْبَةِ ، فَلَا يَجُوزُ التَّجَسُّسُ عَلَيْهِ وَلَا كَشْفُ الْأَسْتَارِ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ .
الاخ الفاضل شوق زايد

جزاك الله خيرا ….

مشكور على الموضوعات الطيبه المفيده ..

جعله الله فى ميزان حسناتك .

هلا وغلا شوق زايد

جزاج الله خيرا

شوق زايد ..
جزاج الله خير
كنت اتمنى ان يعاد صياغة هذا الموضوع بلغه بسيطه حتى يتسنى للجميع قراءته بدلا من النسخ واللصق.
kfarrag بارك الله فيك وجزاك الله خير وشكراً لك على الرد والتواصل
من بلوتو بارك الله فيك وجزاك الله خير وشكراً لك على الرد والتواصل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.