تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع الإسلامي الحلقة

أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع الإسلامي الحلقة 2024.

أثر التربية الإسلامية (40)

الأمن الأسري

(تابع للأساس في بناء الأسرة)

وإذا اجتمع الرجل الصالح بالمرأة الصالحة على سنة الله ورسوله وطاعة الله ورسوله بدأ بهما تَكَوُّن الأسرة الصالحة التي هي نواة المجتمع الصالح، حيث ينجب الأولاد ويعنى بتربيتهم جسمياً وعقلياً وروحياً، على هدى من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبالقدوة التي ينشأ فيها الطفل هي التي تحدد نشاطه وتصرفاته واتجاهاته في مستقبل حياته في الأعم الأغلب، لأن ما ينبت في نفسه وهو صغير، وينمو معه في منزله من أبويه يصبح عادة متمكنة يصعب تغييرها بعد كبره.

لهذا كان الواجب على الوالدين أن تكون تصرفاتهما كلها قدوة حسنة لأولادهما، مع التوجيه النظري والتعليم، فإن التعليم لا ينفع إذا كانت القدوة سيئة، فإن الفعل يتمكن في النفس أكثر من القول، لاسيما إذا كان الفعل عادة يشاهدها الطفل في أبويه باستمرار، وتتعاون القدوة السيئة في المنزل، مع الأفعال السيئة التي شاهدها الولد في خارج المنزل، فينشأ محباً للشر مبغضاً للخير.

وقد ذكّر الله المسلمين بأهمية القدوة الحسنة بنبيهم صلى الله عليه وسلم فقال: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ..) [الأحزاب: 21].

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه أن يقتدوا بأفعاله في أهم الأعمال وأفضلها، كقوله لهم في الصلاة: (( صلوا كما رأيتموني أصلي ..)) [البخاري (1/155)] وكان يعلّمهم الصلاة بالفعل مع القول.

وقال لهم في الحج: ((لتأخذوا عني مناسككم )) [مسلم (2/943)].

وعندما أمرهم بالإحلال في الحديبية، إذ صدهم المشركون عن الطواف بالبيت، لم تطب نفوسهم حتى أحلّ هو صلى الله عليه وسلم فتبعوه [البخاري (3/182)].

وإذا كانت القدوة مؤثرة في الكبار، فإنها في الصغار أشد تأثيراً، ومن هنا كان واجب الوالدين عظيماً في أن يهتما بأن تكون تصرفاتهما إسلامية ينشأ عليها ولدهما، وإلا كانا سبباً رئيساً في انحرافه بانحرافهما أو انحراف أحدهما، وبخاصة الأم التي لا يفارقها الطفل في أغلب أحيانه.

قال محمد قطب وفقه الله:
"ومرة واحدة من القدوة السيئة تكفي، مرة واحدة يجد أمه تكذب على أبيه، وأباه يكذب على أمه، أو أحدهما يكذب على الجيران .. مرة واحدة تكفي في تدمّر قيمة الصدق في نفسه، ولو أخذ كل يوم وساعة يرددان على سمعه النصائح والمواعظ والتوصيات بالصدق، مرة واحدة يجد أمه وأباه يغش أحدهما الآخر، أو يغشان الناس في قول أو فعل .. مرة واحدة كفيلة بأن تدمر قيمة الاستقامة في نفسه، ولو انهالت على سمعه التعليمات، مرة واحدة يجد في هؤلاء المقربين إليه نموذجاً من السرقة كفيلة بأن تدمر في نفسه قيمة الأمانة، وهكذا في كل القيم والمبادئ التي تقوم عليها الحياة الإنسانية السوية.

وقد يغفر الطفل للآخرين أن يكذبوا ويخدعوا ويسرقوا ويغشوا ويخونوا … أو لا يتأثر به كثيراً، أو لا يتأثر به على الإطلاق، إذا كان يأوي إلى ركن ركين من القيم والمبادئ متمثلة في أبويه، وخاصة حين يبيّن له أبواه بالقدر الكافي من الإبانة والتوضيح أن تلك نماذج سيئة لا ينبغي له أن يحاكيها، مستندين إلى النموذج الطيب الذي يقدمانه هما لطفلهما.

ولكنه لا يغفر لأبويه أبداً شيئاً من ذلك، ولا يمكن أن يمر شيء منه بغير تأثر عميق في نفسه، وقد يبقى بقية العمر كله لا يتغير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.